الوقت- أخيراً تم الإعلان عن عقوبات أمريكية ضد تركيا، في وقت لم يتبق سوى بضعة أيام فقط حتى نهاية حقبة دونالد ترامب المثيرة للجدل.
وفقًا لتقليد السنوات الأخيرة، يكون إعلان العقوبات علی عاتق وزارة الخزانة، وقد أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان، أنها أدرجت إدارة الصناعات الدفاعية التركية وأسماء بعض المسؤولين، من بينهم رئيس المجموعة "إسماعيل دمير"، في قائمة العقوبات الخاصة بها.
وأضاف البيان إنه إضافة إلى دمير، أضيفت أسماء مسؤولين آخرين في إدارة الصناعات الدفاعية التركية إلى قائمة عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية، مثل "مصطفى ألبر دنيز" و"سرحات غانش أوغلو" و"فاروق ياغيت".
وكجزء من العقوبات، مُنع مسؤولون من منظمة صناعة الدفاع التركية من دخول أمريكا، وتلقي أكثر من 10 ملايين دولار من القروض والديون من المؤسسات المالية الدولية.
وتسمح أمريكا لنفسها بفرض عقوبات على الأفراد والمنظمات التي تتعاون مع روسيا في مجال الدفاع والاستخبارات، بموجب المادة 231 من قانون مكافحة الإرهاب الأمريكي.
العقوبات الأمريكية تستهدف حاليًا بعض المسؤولين الأتراك بطريقة لا تشکل تهديداً کبيراً، لكن من غير الواضح ما الذي سيحدث بعد دخول فريق بايدن البيت الأبيض.
بومبيو لا يترك تركيا
وزير الخارجية الأمريکي مايك بومبيو، الذي أعلن سابقًا أن نقل السلطة إلى ترامب سيحدث قريباً في البيت الأبيض، لم يترك تركيا حتى في الأيام الأخيرة من وزارته، ولا يزال يتخذ مواقف ضد أنقرة.
وكتب بومبيو على موقع تويتر: "على الرغم من تحذيراتنا، لا تزال تركيا في طريقها لشراء واختبار نظام "إس 400" من روسيا، وتُظهر عقوبات اليوم على (SSB) أن أمريكا تنفذ بالكامل "قانون مواجهة أعداء أمريكا" من خلال العقوبات، ومن خلال قولها "لن نتسامح مع صفقات تركيا المهمة مع قطاع الدفاع الروسي".
ظريف يندد
كان وزير خارجية الجمهورية الإسلامية "محمد جواد ظريف" من أوائل الذين أدانوا الخطوة الأمريكية، وإذ وضع هاشتاغ "الجيران أولاً"، غرَّد قائلاً: "إدمان أمريكا للعقوبات وانتهاكها للقانون الدولي بات واضحاً مرةً أخرى، إننا ندين بشدة العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد تركيا ونقف إلى جانب شعبها وحكومتها".
معاقبة الرجل الأول في الصناعات الدفاعية
"إسماعيل دمير" هو رئيس قسم الصناعة الدفاعية في الرئاسة التركية، واسمه مذكور مباشرةً في العقوبات الأمريكية.
حتى عام 2017، كانت صناعة الدفاع التركية تعمل كشركة تابعة لوزارة الدفاع، وكان إسماعيل دمير يترأس هذه المجموعة منذ عام 2014. ولكن في عام 2017، أصبحت هذه المجموعة إدارةً عامةً يشرف عليها رئيس الجمهورية، ومنذ ذلك الحين تترأسها هذه الشخصية الدفاعية التركية المهمة.
البروفيسور إسمايل دمير البالغ من العمر 60 عاماً، درس هندسة الطيران في جامعة إسطنبول التقنية، ثم ذهب إلى أمريكا في منحة حكومية لإكمال درجتي الماجستير والدكتوراه في مجال الطيران في واشنطن العاصمة، وبعد ذلك أكمل الدكتوراه في كندا، وعاد إلى تركيا للتدريس.
ولكن في وقت لاحق، ذهب إلى أمريكا مرةً أخرى للدراسة في عدة مجالات متخصصة، ودرس في ميشيغان وواشنطن، حيث كان أحد النخب الذين تمت دعوتهم للعودة إلى تركيا في عام 2002، بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، وبعد عودته إلى تركيا، عمل في القسم الفني للطيران الوطني التركي، وكان في قطاع الدفاع منذ 2014.
وتعليقًا على العقوبات الأمريكية، كتب إسماعيل دمير: "إن قرار أمريكا بفرض العقوبات يعزز عزمنا على اتخاذ خطوات تتماشى مع مصالحنا الوطنية وصناعة الدفاع بقيادة الرئيس. وفي عهد الرئيس أردوغان، نظهر إرادتنا لتعزيز صناعة الدفاع المستقلة بالكامل والمكتفية ذاتياً، وأي قرار يتم اتخاذه في الخارج بشأن نفسي أو مؤسستنا، لن يغير سياستي وسياسة فريقي، لن يكونوا قادرين على وقف نمو صناعة الدفاع التركية بأي شكل من الأشكال".
رد فعل مسؤولي أنقرة
في هذا الصدد، قالت وزارة الخارجية التركية في بيان، إننا "ندعو أمريكا إلى إعادة النظر في فرض هذه العقوبات الجائرة على تركيا، والتراجع عن الخطأ".
بدوره كتب نائب الرئيس التركي "فؤاد أوقطاي": إن "قرار أمريكا بفرض عقوبات يعزز عزمنا على اتخاذ خطوات من أجل مصالحنا الوطنية وصناعة الدفاع بقيادة الرئيس. ولا يمكن أن تؤثر عقوبات وقرارات أي دولة على مقاومة تركيا. نحن ندين قرار أمريكا هذا، وندعوها إلى التراجع عن هذا السلوك السيئ في أقرب وقت ممكن".
وكتب "إبراهيم كولين" المتحدث باسم الرئيس ورئيس فريق مستشاري السياسة الخارجية والأمن القومي في الرئاسة الجمهورية، في رسالة قصيرة إن "تركيا ستواصل السعي لتحقيق أهداف صناعة الدفاع بطريقة ثابتة وحازمة".
نائب أردوغان والشخص رقم 2 في حزب العدالة والتنمية "نعمان كورتولموش" أشار الى جولة جديدة من العلاقات بين أنقرة وواشنطن، وكتب قائلاً: "عشية العلاقة الجديدة بين تركيا وأمريكا، فإن الإعلان عن عقوبات أمريكية أحادية الجانب ضد بلدنا، أمر غير منطقي ومحبط للغاية لمستقبل علاقاتنا. يجب على أمريكا أن تعيد النظر على الفور في هذا الظلم والتحيز. وهذه الخطوة لن تعوق تقدم تركيا في صناعة الدفاع الوطني ومسيرتنا نحو تركيا عظيمة وقوية".
من جانبه أعلن رئيس البرلمان التركي "مصطفى شنطوب": إن "العقوبات لا تتماشى مع روح الوحدة ولا مع الرغبة في استعادة حليف. کما أن الاعتقاد بأن تركيا ملزمة باستخدام منتجاتهم في صناعة الدفاع فقط قد عفا عليه الزمن. سنواصل اتخاذ كل خطوة ضرورية للدفاع عن أمتنا".
كما نظر "حقي أويغور" رئيس مؤسسة "إيرام" للدراسات الإيرانية في أنقرة، إلى هذه القضية من زاوية أخرى، وقال: "على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تحقق نتيجةً استراتيجيةً وخاصةً من العقوبات المفروضة على روسيا وإيران وفنزويلا، إلا أنها فرضت الآن عقوبات على تركيا الحليفة في الناتو، هذه الإجراءات ليست لها نتيجة، ويجب اعتبارها بأنها تندرج في إطار خطوات عملية المنحى".
كذلك، كتب "فخر الدين ألتون" رئيس الخدمة الصحفية في الرئاسية التركية: "بدلاً من استهداف تركيا بالعقوبات، نتوقع أن تكون أمريكا، حليفتنا في الناتو، داعمةً لنا في حربنا ضد الإرهابيين والأطراف الثالثة التي تتابع خططها الشخصية في منطقتنا. إن الشراكة الاستراتيجية بين تركيا وأمريكا مهمة للغاية، ولا ينبغي التضحية بها من أجل أهداف سياسية قصيرة المدى واسترضاء جماعات الضغط المناهضة لتركيا. ونأمل أن تعوض أمريكا لهذا الخطأ الكبير دون تأخير".
المهم في موقف السلطات التركية ضد أمريكا، هو أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ووزير الخارجية "مولود تشاووش أوغلو" قد اختارا عدم اتخاذ موقف متشدد، على الأقل في الوضع الحالي، وانتظار متابعة هذا الملف مع فريق بايدن في المستقبل القريب.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح على أي أساس سينظر فريق جو بايدن إلی ملفات روسيا وS400 وتركيا وشرق البحر الأبيض المتوسط، وكيف ستبدو العلاقات بين أنقرة وواشنطن في الأشهر والسنوات المقبلة.