الوقت- ان التكاليف المالية والسياسية الباهظة التي تكبدتها السعودية في السنوات الأخيرة لخدمة الصهاينة وتنفيذ مشاريع مناهضة للفلسطينيين في المنطقة ابتداءً من فديات وهدايا تصل إلى مئات الملايين من الدولارات للرئيس الأمريكي المهزوم دونالد ترامب إلى بث مسلسلات معادية للفلسطينيين مثل "أم هارون" و " المخرج 7" ومحاولة تطبيع الدول العربية مثل الإمارات والبحرين والسودان للتوصل إلى اتفاق مع محتلي القدس ليست مسألة خفية على أحد.
أثيرت قضية تطبيع العلاقات بين الدول العربية والكيان الصهيوني منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978، ولها جذورها في إفريقيا. لكن في المرحلة الحالية وفي نفس الوقت مع دخول الدول العربية في الشرق الأوسط في منطقة الخليج الفارسي حظيرة التطبيع مع الصهاينة، تحاول السعودية، والتي تدعي تزعهما الدائم للدول العربية والإسلامية، التوقيع على اتفاق التسوية بين العرب وتل أبيب. وقد تجاوز هذا الامر جيرانها من العرب حتى وصل إلى القارة الإفريقية.
دور السعودية في اتفاق السودان مع إسرائيل
بعد التوقيع الرسمي لاتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات والبحرين مع الكيان الصهيوني في 15 سبتمبر الماضي، أصبحت الوثائق المتعلقة بمحاولة السودان التطبيع مع إسرائيل أكثر قوة. في الوقت الذي كانت فيه مشيخات الخليج الفارسي تدفع الغالي والنفيس مقابل فوز الرئيس الحالي دونالد ترامب، حيث كشف مصدر عسكري سوداني عن دور الرياض وأبوظبي في اتفاق الخرطوم مع تل أبيب. وذكر المصدر العسكري السوداني صراحة أن الاجتماع بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس الحكم السوداني عبد الفتاح البرهان تم بالتنسيق بين الإمارات والسعودية.
وفي غضون ذلك، اعترفت صحيفة "هآرتس" الصهيونية بدور السعودية الفاعل في هذا الصدد. وقالت الصحيفة في تقرير لها أن نتنياهو ينوي إضافة السودان إلى قائمة الدول المتحالفة مع الكيان الصهيوني. وأضاف "لقد بذلت جهود عديدة من قبل الموساد وكذلك السعودية لتحقيق هذا الهدف". لذلك، فمن الواضح أن السعودية والإمارات تبذلان جهوداً حثيثة لتسريع عملية تطبيع العلاقات بين السودان والكيان الصهيوني. وأخيرا في 23 أكتوبر 2020، أعلن السودان رسميا عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل.
الكشف عن دور محمد بن سلمان في سلام المغرب مع تل أبيب
في 10 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، في حدث متوقع، أعلن المغرب التطبيع الرسمي للعلاقات مع الكيان الصهيوني باعتباره ثاني دولة إفريقية مطبعة هذا العام، حتى يكون قطار تطبيع الدول العربية مع إسرائيل أكثر إنتاجية قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض.
وفور إعلان الاتفاق، أشارت وسائل الإعلام الإسرائيلية كالعادة إلى دور السعودية في تغطية أنباء اتفاق دولة عربية مع تل أبيب من أجل تمهيد الطريق لتطبيع السعوديين مع الصهاينة. وفي هذا الصدد، كتبت صحيفة إسرائيل هيوم الصهيونية عنواناً كبيراً وبالخط العريض على الصفحة الأولى لصحيفة "عرب نيوز" الناطقة بالإنجليزية التابعة للعائلة المالكة السعودية حول السلام بين المغرب والكيان الصهيوني، وفسرتها على أنها مقدمة لاتفاق التطبيع بين الرياض وتل أبيب.
لكن صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، في تغطيتها للاتفاق المغربي مع تل أبيب، أشارت إلى الدور المباشر لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي يملك قصور صيفية في العاصمة المغربية الرباط، والذي لعب دوراً كبيراً للتأثير على قرار المغرب بتطبيع العلاقات مع إسرائيل من خلال محادثاته مع ملك المغرب. كما أعلن مستشار ملك المغرب أن ولي العهد السعودي أعد قائمة ببعض الدول العربية والإسلامية الأخرى مثل إندونيسيا وجيبوتي ومالي وباكستان لتطبيع العلاقات مع إسرائيل في المستقبل، ومن ثم ستعمل السعودية على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل والاعلان عنه رسمياً.
السعودية خطوة بخطوة نحو التسوية مع المحتلين
مع تجميع قطع أحجية التحركات السعودية الأخيرة في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني - من اجتماع نتنياهو السري مع بن سلمان في السعودية إلى مسرحية خلاف رئيس المخابرات السعودية السابق تركي الفيصل، يمكن استنتاج أن اتفاق الرياض الوشيك مع تل أبيب ليس ببعيد.
من جهة يعقد ولي عهد السعودية لقاء في بلاده مع رئيس وزراء الكيان الصهيوني، ومن جهة أخرى يكشف الإعلام الصهيوني عن هذا الخبر ثم ينفيه السعوديون. في حال ان شخص محمد بن سلمان لم يبد أي رد فعل على هذا الخبر.
ثم قام تركي الفيصل، الرئيس السابق لجهاز المخابرات السعودي، والمعروف بالشخصية السعودية الصهيونية بسبب علاقاته الوثيقة مع القادة الإسرائيليين، بمهاجمة الإسرائيليين في اجتماع رسمي وكأنه زعيم فلسطيني. ولربما إذا تم التعبير عن هذه المواقف المعادية للصهيونية من قبل أي مسؤول سعودي آخر، فقد تكون ذات صدقية أكبر إلى حد ما.
حيث التقى تركي الفيصل في بروكسل عام 2014 مع عاموس يادين، رئيس جهاز المخابرات في الجيش الإسرائيلي آنذاك، وفي عام 2017 أجرى مناظرة مع يعقوب عميدور، مستشار الأمن القومي السابق للكيان الصهيوني.
والأهم من ذلك، نشرت صحيفة هآرتس صورة في فبراير 2016 تظهر لقاء تركي الفيصل مع وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق موشيه يعلون في قمة ميونيخ الأمنية.
إضافة إلى ذلك، عند توقيع اتفاق البحرين مع الكيان الصهيوني، كان هذا المسؤول السعودي السابق قد بارك ذلك، معلناً أن قرار المنامة في التسوية مع تل أبيب حق سيادي وأن القضية الفلسطينية هي مسألة خلاف بين الفصائل الفلسطينية. هذا وربطت معظم وسائل الإعلام، رداً على الجدل الأخير حول تركي الفيصل، الخلافات الداخلية في السعودية حول التطبيع مع إسرائيل، وهو ما يذكرنا بسيناريو تقسيم الأدوار في السعودية. وعندما توصلت الإمارات والبحرين إلى اتفاق مع إسرائيل، أعلنت وسائل الإعلام أن هناك خلافاً بين الملك وولي عهد السعودية على التسوية مع الصهاينة.
وعلى أي حال، أصبح محمد بن سلمان الآن بمثابة البطاقة المحروقة في المجتمع السعودي التقليدي منذ تتويج نفسه في عام 2017 والإجراءات التي قام بها تحت ستار الإصلاحات ضد المجتمع السعودي المحافظ. لذلك يتم تنظيم كل شيء بحيث أنه في حالة إعلان اتفاق سلام بين الرياض وتل أبيب، فإن رأس الحربة سيوجه نحو ولي العهد الشاب، ولن يتم التشكيك في الخلفية التاريخية للمملكة العربية السعودية من خلال الادعاء بدعم القضية الفلسطينية.
وفي الوقت الراهن لا يعرف التاريخ الدقيق لاعلان اتفاق التطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني، وقد تستمر السعودية في تشجيع الدول العربية واحدة تلو الأخرى على الانضمام إلى قطار التطبيع مع الصهاينة، أو قد تنوي القيام بذلك والالتحاق بركب المطبعين في منتصف الطريق. لكن الأمر المؤكد أن الرياض لن تتراجع أبدا عن الموافقة على التطبيع مع تل أبيب، نظراً إلى التكاليف الباهظة التي تكبدتها في عملية التطبيع مع إسرائيل، وحتى تجاهل الموقف الإسلامي والوصاية على الحرمين الشريفين.