الوقت- إن قمع الشيعة في السعودية هو أحد الإجراءات التي لطالما كانت على أجندة الحكومة والمؤسسات الأمنية السعودية، وحاولت الحكومة دائمًا منع تسرب الأخبار المتعلقة بهذا القمع إلى الخارج، من خلال الرقابة على وسائل الإعلام واعتقال النشطاء المدنيين.
ومع ذلك، مع الاستخدام المتزايد لوسائل الإعلام الاجتماعية والإنترنت، فقد أصبح ذلك تحديًا لنجاح سياسات الرقابة الحكومية.
وفي هذا الصدد، أعلن الناشط السعودي "عادل السعيد" بالأمس، عن بدء موجة جديدة من الاعتقالات الجماعية لرجال الدين الشيعة في منطقة "العوامية" الشيعية من قبل مسؤولي آل سعود في الأسابيع الأخيرة، کما کشف عن خطط مسؤولي هذا النظام لهدم مسجد الإمام الحسين(عليه السلام) في هذه المدينة.
وعن أسباب قرار الرياض هدم المسجد، قال السعيد: "بما أن الشهيد الشيخ نمر باقر النمر کان إمام وخطيب هذا المسجد، فقد أصبح مسجد الإمام الحسين رمزاً، ويسعى مسؤولو آل سعود إلى تدمير أي رمز يرتبط بهذا الشهيد".
يشار إلی أن نظام آل سعود قد أعدم الشيخ نمر باقر النمر في يناير 2016، بعد ثلاث سنوات من الاعتقال والتعذيب.
عقود من تدمير الأماكن المقدسة الشيعية في السعودية
إن الضغط على الشيعة وتدمير أماكنهم المقدسة في السعودية، سياسة لها تاريخ طويل ولا تقتصر حتى على القرن الماضي.
کما كان صعود الوهابية بعد الاتفاق التاريخي بين سلالة آل الشيخ وآل سعود عام 1744، تطوراً قد زاد الضغط على المجتمع السعودي، وخاصةً الشيعة. وبهذا فقد حصل آل سعود على أيديولوجية لتوسيع أراضيهم. وأصبحت الوهابية القوة الدافعة وراء فتوحات آل سعود. وهذا يعني أن كل من لم ينضم إلى المذهب الوهابي، قُتل أو شُرِّد من دياره.
تم اتباع هذا النهج بقوة أكبر منذ تأسيس السعودية في عام 1933، بهدف إعادة بناء تاريخ البلاد على أساس التقاليد الدينية والثقافية التي وافقت عليها الحكومة. ومنذ عام 1925، دمرت الحكومة السعودية حوالي 98٪ من المواقع الدينية والتاريخية.
الحكومة السعودية دمرت العديد من المساجد والقبور ودور العبادة في مدن جدة والمدينة المنورة ومكة المكرمة والخبر والعوامية، والتي كانت ذات أهمية دينية وتاريخية وثقافية. كما حظرت الحكومة زيارة أضرحة ومزارات الشخصيات التاريخية الإسلامية في محاولة لطمسها، وذلك عبر التذرُّع بالنظرة الوهابية التي تعتبر زيارة الأضرحة شركاً.
وقد أدى هذا الإجراء إلى تدمير الأماكن غير الإسلامية والعلمانية والشيعية وحتى السنية. هذا العمل أثار حفيظة الكثير من المسلمين في السعودية وحول العالم. وکان نصيب المزارات الشيعية من الدمار أکبر من غيرها.
في عام 1926، دمرت عائلة آل سعود أيضًا مقبرة "المعلاة" في مكة، وأجزاءً من مقبرة "البقيع" في المدينة المنورة. مقبرة المعلاة التي يعود تاريخها إلى ما قبل ظهور الإسلام، وتُعرف في القرون الأخيرة باسم "مقبرة بني هاشم" أيضًا، تضم قبور "عبد المطلب" جد الرسول الكريم(صلی الله عليه وآله وسلم)، وأبا طالب عم النبي، وخديجة (عليها السلام) زوجة النبي، والعديد من علماء الشيعة الذين ماتوا أو استشهدوا في مكة. كما تضم مقبرة البقيع بالمدينة المنورة المقابر المقدسة لعدد من أئمة الشيعة(عليهم السلام)، وأصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).
استمر تدمير المواقع الثقافية ذات الأهمية الدينية حتى أواخر القرن العشرين. وفي عام 1989، قام المسؤولون السعوديون بنبش قبر والد النبي، وهدم بيت النبي بالجرافات. ووفقًا للبحوث التي أجريت في واشنطن، منذ أن بدأت أعمال البناء في مكة والمدينة في منتصف التسعينيات، تم هدم أكثر من 95٪ من المباني التي كان عمرها يمتدّ لآلاف السنين.
كذلك، ترافقت خطة توسيع المسجد الحرام في عام 2011 مع تدمير العديد من المواقع الدينية والتاريخية والثقافية، بما في ذلك هدم منزل السيدة خديجة من قبل المسؤولين السعوديين.
وفي تشرين الأول 2014، أعلنت وزارة الأوقاف السعودية عن هدم 95 منزلاً و126 مسجدًا قبل الانتهاء من إعادة إعمار المسجد الحرام، لكن تقريرًا صادرًا عن وزارة المالية في يناير 2015 راجع الأرقام، وأشار إلى هدم أكثر من 10 آلاف منزل.
يواصل المسؤولون السعوديون تدمير المساجد والمزارات الشيعية في جميع أنحاء البلاد، كجزء من سياسة القمع والتعذيب الممنهجة ضد الشيعة، بما في ذلك في عام 2014 عندما تم هدم منزل الإمام الأول للشيعة أميرالمؤمنين علي(عليه السلام). وفي عام 2012، نشأ جدل كبير بسبب تدمير مسجد الإمام "علي العريضي" من أحفاد الإمام علي(عليه السلام) في المدينة المنورة.
تدمير المساجد والحسينيات يجبر الشيعة السعوديين، ومعظمهم يقطنون في الجزء الشرقي من البلاد، على عقد التجمعات الدينية في المنازل والدوائر الخاصة، والتي غالبًا ما تقوم الحكومة باعتقالهم والزجّ بهم في السجون.
إن نظام القمع الذي أسَّسه آل سعود للحفاظ على سلطتهم في السعودية، يقوم بقمع النشطاء الدينيين والثقافيين الشيعة الذين ينتقدون التمييز المنهجي وعدم المساواة الصارخة ضد الشيعة.
والشهيد "الشيخ باقر النمر" كان ينشر البصيرة والوعي دائمًا بشأن السياسات التمييزية ضد الشيعة والقمع الواسع النطاق للمعارضة، رغم تهديدات الحكومة له، الأمر الذي أرعب السعوديين.
الآن أيضاً، وبعد سنوات من استشهاد رجل الدين الشيعي البارز "الشيخ نمر"، يُظهر هدم مسجد "الإمام الحسين"(عليه السلام) في "القطيف"، أن آل سعود الذين يخشون الاحتجاج العام على أنشطتهم الإجرامية في اليمن وخطواتهم نحو تطبيع العلاقات مع الصهاينة المجرمين، يعتبرون الإرث السياسي للشيخ نمر بأنه لا يزال يشكل تهديداً كبيراً لهم.