الوقت- اتخذت أوكرانيا وتركيا خطوات جادة في السنوات القليلة الماضية، ولا سيما في الأشهر الأخيرة بصفتهما لاعبان رئيسيان في منطقة البحر الأسود ومرشحان لعضوية الاتحاد الأوروبي منذ عقدين من الزمن، لتعميق العلاقات الثنائية وزيادة التعاون بينهما. يمكن تقييم أهم مظاهر ذلك خلال لقاء رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان في 16 أكتوبر 2020 في مدينة اسطنبول. حيث ان الشيء اللافت في هذه الزيارة أنه قبل أيام قليلة فقط، لم ترحب موسكو بأنقرة خلال محادثات ناغورنو كاراباخ، وأظهرت جميع المؤشرات أن هذا الإجراء من قبل أنقرة كانت رسالة مباشرة إلى الروس.
والان تسير هذه العملية باتجاه تعميق العلاقات أكثر فأكثر. حيث يمكن ملاحظة ذلك خلال زيارة وفد من كبار المسؤولين الأوكرانيين بمن فيهم دينيس شاميجال ، رئيس الوزراء ووزير الصناعات الاستراتيجية والتنمية العمرانية في أوكرانيا في 30 نوفمبر 2020 للقيام بزيارة تستغرق يومين إلى تركيا لتعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وبالتأكيد، تتمتع أنقرة وكييف بمستوى معقد من العلاقات في مختلف المجالات، مثل القضايا المتعلقة بالبحر الأسود ، والانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتعاون مع الناتو، والتعاون الاقتصادي والسياسي، وكذلك قضية شبه جزيرة القرم. لكن السؤال الآن ما هي أهداف هذين البلدين من رفع مستوى العلاقات وتسريع التعاون الثنائي في الأشهر الأخيرة؟ وفي هذا الصدد ، يمكن قراءة نوايا كل من أنقرة وكييف ودراستها على المستويين السياسي والاقتصادي.
تعزيز التنسيق العسكري والسياسي، نقطة محورية متعددة الأوجه ومتعددة المستويات للتعاون
مما لا شك فيه أن الدافع الأهم للبلدين، تركيا وأوكرانيا، وأهدافهما من قربهما من بعضهما البعض خلال السنوات القليلة الماضية يمكن تقييمه من حيث الأهداف السياسية والعسكرية. وفي هذا السياق هناك بعض النقاط الرئيسة التي يجب النظر فيها:
1-التركيز على التعاون العسكري وشراء الأسلحة: يمكن تقييم المستوى الأبرز للتعاون بين تركيا وأوكرانيا على مدى السنوات القليلة الماضية على التعاون العسكري والتسلحي. حيث أبدت أوكرانيا في السنوات الأخيرة اهتماما خاصا بشراء الأسلحة التركية ، وأبرز مثال على ذلك التعاون الدفاعي، وخاصة في مجال الطائرات من دون طيار. وفي عام 2019 ، اشترت أوكرانيا ستة مقاتلات من طراز Bayraktar TB2 من تركيا. وفي أكتوبر 2019 أيضا، صرح فاديم نوزداري، الرئيس التنفيذي لشركة الصناعات الدفاعية الأوكرانية ان "أوكرانيا مهتمة بشراء 48 مقاتلة من طراز TB2 كحد أقصى، ما يجعلها أكبر مركز للطائرات من دون طيار خارج تركيا.
وكان تطوير طائرات Bayraktar التركية من دون طيار على مستويات مختلفة ، نتاجًا لتطوير العلاقات الدفاعية مع أوكرانيا. حيث ان أحدث طائرة من دون طيار في أنقرة، والمعروفة باسم بايراكتار تعمل بمحرك توربيني نفاث مصنوع في أوكرانيا. هذا وأبرمت الشركة المصنعة لطائرة Babraktar من دون طيار عقد شراكة مع شركة أوكرانية لتطوير محركات جديدة وتكنولوجيا صواريخ تسمى Black Sea Shield. وفي مجالات اخرى وفقًا لتقرير مجلة الدفاع الأوكرانية «Defense Review» يجري البلدان الآن محادثات لبناء طائرة من دون طيار حربية.
وفي خطوة حديثة لتعميق التعاون العسكري بين الجانبين، أعلن رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية رسلان خامشاك أن أوكرانيا ستشتري خمس طائرات من دون طيار من طراز Bayraktar من تركيا في عام 2021. وتجدر الإشارة إلى أنه في عام 2019 ، اشترت أوكرانيا أيضا ست طائرات من دون طيار من طراز Bayraktar TB2 وثلاث محطات تحكم أرضية من تركيا.
2- المواجهة مع موسكو، سبباً لتعميق التعاون السياسي: عززت أوكرانيا وتركيا علاقاتهما السياسية تدريجياً في السنوات الأخيرة. حيث يمكن رؤية بداية هذه العملية بوضوح في المواجهة مع منافسهما المشترك والذي يسمى روسيا ومناقشة ضم شبه جزيرة القرم إلى موسكو في عام 2014. حيث رفضت تركيا في البداية الاعتراف بشبه جزيرة القرم كجزء من روسيا في عام 2014 ودافعت عن تتار القرم في شبه الجزيرة. حتى انه في شهر أكتوبر عام 2017، تدخل أردوغان شخصيا لتأمين الإفراج عن اثنين من قادة التتار ، وبالتشاور مع الحكومة الروسية، أطلق سراحهما من السجن.
ومن ناحية أخرى، في التطورات الأخيرة لأزمة ناغورنو كاراباخ بين أرمينيا وجمهورية أذربيجان ، حيث كانت تركيا وروسيا على طرفي نقيض من النزاع، أعلنت الحكومة الأوكرانية صراحة دعمها الكامل لموقف أنقرة. وفي هذا الصدد ، صرح وزير الخارجية الأوكراني ديمتري كولبا أن أي صراع مجمّد سوف يندلع مرة أخرى وأن كييف ستدعم أنقرة في التحالف مع الحكومة الأذربيجانية ضد جمهورية أرمينيا السوفيتية السابقة.
وخلال هذه الفترة، واصلت تركيا أيضا دعم مطالب التتار في شبه جزيرة القرم ضد موسكو. وفي هذا الصدد، وخلال زيارة زيلينسكي لإسطنبول في 16 أكتوبر 2020 ، نشر إبراهيم كولين، مع مصطفى عبد الجميل كريمه أوغلو ، عضو البرلمان الأوكراني وزعيم تتار القرم، صورة له كبطل، والتي كانت بمثابة رسالة واضحة لروسيا. وكتب كولين في تعليق على الصورة "بجانب الزعيم الأسطوري لنضال تتار القرم مصطفى آغا ... ستقف تركيا دائما إلى جانب تتار القرم".
لكن بعيدا عن موضوع روسيا، كثفت تركيا وأوكرانيا جهودهما للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ، والتعاون مع الناتو ومناقشة القضايا السياسية في البحر الأسود. باختصار، عند قراءة مستوى العلاقات السياسية بين الجانبين، يمكن للمرء أن يأخذ بعين الاعتبار تصريحات وزير خارجية أوكرانيا، ديميترو كولبا، بشأن العلاقات السياسية مع تركيا، والتي أكد فيها: "نحن نشيد بتركيا لدعمها المستمر لوحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، وكذلك استعداد الرئيس أردوغان للتعامل مع رئيس أوكرانيا في حل القضايا المتعلقة بهذا الوضع، ولا سيما عندما يتعلق الأمر بمصير تتار القرم المحتلين من قبل روسيا في شبه جزيرة القرم"
الأهداف الاقتصادية لتركيا وأوكرانيا
يمكن تقييم هدف مهم آخر لتركيا وأوكرانيا في زيادة العلاقات الثنائية والتعاون في القضايا الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن الموقع الجغرافي الاقتصادي لتركيا وأوكرانيا بالقرب من البحر الأسود ، قد وفر بيئة جيدة للغاية للتجارة والتعاون السياحي والتبادل التجاري والتعاون في مجال نقل الطاقة. حيث تُظهر نظرة على خريطة البحر الأسود والبحر وطرق النقل بالسكك الحديدية أن أوكرانيا ، بصفتها الدولة الأم لمناجم المعادن في العالم وأهم تربة زراعية في العالم، لها أهمية خاصة لتركيا. لكن على الخريطة نفسها، فإن موقع شبه جزيرة القرم و 12 في المائة من سكانها من التتار الأتراك هو أمر كان دائما موضع اهتمام تركيا.
في الواقع، تعتبر أوكرانيا المركز الرئيس لنقل الطاقة الروسية إلى أوروبا ، ولهذا السبب فإن موسكو حتماً هي شريكها التجاري الرئيس. في السنوات الأخيرة، أحرزت أوكرانيا أيضا تقدما كبيرا في تصدير منتجات مثل البذور الزيتية والمنتجات الزراعية والمعدات الإلكترونية والصلب والمعادن. وفي السنوات الأخيرة ، تمكنت شركات القطاع الخاص التركي من إطلاق 128 مشروعا بقيمة 7 مليارات دولار في أوكرانيا. كما سافر أردوغان إلى كييف في تشرين الثاني (نوفمبر) 2020 لحضور اجتماع مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث وقعا اتفاقية تجارة مزدوجة من 4.8 مليارات دولار إلى 10 مليارات دولار.
وفي هذا الصدد، في الإجراء الأخير، يمكن تقييم أحد الأهداف الرئيسة لزيارة الوفد الأوكراني رفيع المستوى إلى أنقرة برئاسة دينيس شاميجال فيما يتعلق بتمهيد الطريق للاستثمار التركي في أوكرانيا. والجدير بالذكر أنه خلال هذه الزيارة ، أكد رئيس وزراء أوكرانيا صراحة على الحاجة إلى زيادة التعاون الثنائي في مجال اتفاقيات التجارة الحرة.
وتجدر الإشارة الآن إلى أن أوكرانيا تعتزم الارتقاء بعلاقاتها الاقتصادية مع تركيا إلى مستوى تعاون الشراكة الاستراتيجية. وقال رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شاميغال "لدينا تفاهم مشترك حول جميع القضايا المدرجة على جدول أعمالنا، حيث يمكننا أن نصف جمهورية تركيا بكل ثقة أنها صديقنا وشريكنا الحياتي".
نظرة أردوغان الجزئية إلى تخفيف التوترات مع الناتو
لكن أحد أهداف أردوغان المحددة في زيادة المشاركة مع أوكرانيا هو محاولة تقليل التوترات مع الناتو. والحقيقة هي أن أردوغان يدرك بوضوح أن موقف إدارة بايدن من تركيا سيكون أكثر صرامة بكثير من نهج دونالد ترامب ، لذلك فهو يحاول أن يشير إليهم بأن تركيا تزيد من تعاونها مع أوكرانيا. فيما يتعلق بقضية شبه جزيرة القرم والعلاقات مع روسيا بشكل عام ، فهي تنظر في إطار معايير الناتو ولا تريد زيادة المواجهة مع الناتو.