الوقت- للأسبوع الثالث على التوالي لا تزال الضفة الغربية تشهد ما تشهده من اشتباكات عنيفة خلفت حتى هذه اللحظة عشرات الشهداء والجرحى في صفوف الفلسطينيين كان الشهيد الشاب حذيفة عثمان سليمان من قرية بلعا بطولكرم في الضفة الغربية آخرهم. هي العقلية الإسرائيلية ذاتها بما تحمله من حقدٍ وهمجيةٍ وإرهاب والتي حولت حياة الشعب الفلسطيني إلى جحيم لا يطاق تعود لتظهر من جديد. غاراتٌ على القطاع واقتحاماتٌ في القدس والضفة الغربية، قتلٌ وسجنٌ وتعذيبٌ وحصار، تجويعٌ وإهاناتٌ وحرمانٌ والقائمة تطول من ممارسات ضاقت صدور الفلسطينيين منها ذرعاً، فحرارة الدم الفلسطيني قد وصلت للغليان منذ عقود عدة، منذ دير ياسين وكفر قاسم مروراً بقانا وجنين وصولاً إلى مخيم الشاطئ وما حدث في غزة العام الماضي.
هل ستتسبب هذه الاشتباكات والاحتقان الموجود في معظم الأراضي الفلسطينية بحدوث انتفاضة ثالثة تشمل جميع الأراضي الفلسطينية وتحول فلسطين إلى مكان يصعب على الإسرائيلي العيش فيه؟ ما هو السبب الحقيقي الكامن خلف هذه الاشتباكات؟ وهل من حل سياسي لهذه الأزمة أم أن الاحتقان سيتزايد حتى الانفجار؟ هي أسئلة سنسعى للإجابة عنها في مقالنا هذا.
أسباب هذه الاشتباكات:
يمكن إرجاع الاشتباكات الدائرة حالياً في الأراضي الفلسطينية إلى أسباب مباشرة وغير مباشرة، فالأسباب المباشرة تتلخص في إقدام وزير الزراعة الإسرائيلي أوروي أريئيل على اقتحام باحات المسجد الأقصى برفقة مجموعة من المستوطنين الصهاينة مدعومين بالشرطة الإسرائيلية وذلك أثناء قيامهم بإحياء شعائر ما يسمى بـ "عيد الغفران" والذي تزامن هذا العام مع عيد الأضحى المبارك، حيث قام المصلون المقدسيون بالاستبسال في الدفاع عن حرمة المسجد، الأمر الذي دفع بالشرطة الإسرائيلية إلى إغلاق باحات المسجد واقتحامه لتفريق المصلين المرابطين داخله مستخدمين الأعيرة المطاطية والغازات المسيلة للدموع والذي تسبب بإصابة عدد كبير من المصلين بجروح وحالات اختناق متفاوتة.
أما الأسباب غير المباشرة لهذه الاشتباكات فتكمن في السياسة القمعية التي تنتهجها إدارة نتانياهو في حق الشعب الفلسطيني خصوصاً في القدس والضفة الغربية، حيث لا تزال أعمال الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية وهدم المنازل ومصادرتها والاعتقال الإداري والقتل والإهانات على الحواجز مستمرة وإذا ما أضفنا هذه الممارسات إلى ما ارتكبه الكيان الإسرائيلي صيف العام الماضي من مجازر وحشية في قطاع غزة والحصار المستمر لسكان القطاع سنسلم بحق أبناء فلسطين في القيام والثورة على هذا الواقع المؤلم والذي لا يطيقه إنسان على وجه هذه البسيطة.
هل الإنتفاضة الثالثة قريبة؟
يمكننا الإجابة على هذا السؤال بكلمة نعم وذلك من خلال العودة إلى تصريحات بعض القادة الفلسطينيين وما نشرته الصحافة الإسرائيلية والحالة العامة السائدة في القدس والضفة الغربية، حيث حذر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال زيارته العاصمة الفرنسية باريس الشهر الفائت من إندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة قال إنه "لا يريدها"، كلام الرئيس الفلسطيني تقاطع مع كلام عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، محمود الزهار والذي أشار إلى أن فرصة حدوث انتفاضة ثالثة متوفرة وبصورة أشد من انتفاضة الأقصى لكن القوات الأمنية للسلطة الآن أقوى مما كانت عليه في عام 2000 في إشارة منه إلى دور السلطة الفلسطينية في قمع أي حراك فلسطيني في الضفة ضد الكيان الإسرائيلي.
الصحافة الإسرائيلية بدورها حذرت من قرب انطلاق انتفاضة فلسطينية ثالثة حيث نشرت صحيفة يديعوت أحرنوت: "للحكومة الإسرائيلية أن تطلق على ما يحدث في الضفة الغربية والقدس ما تشاء من أسماء، لكن الاسم الحقيقي لما يجري، هو انتفاضة فلسطينية ثالثة، تنذر بالأخطر" وتابعت الصحيفة مقالتها بتحميل رئيس حكومة الکيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مسؤولية هذه الانتفاضة بعد أن قام "بقتل أي أمل موجود لدى الفلسطينيين" على حد تعبير الصحيفة العبرية.
من جانبها نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقالاً قالت فيه: "إن الانتفاضة الثالثة باتت على الطريق. فبعد سنوات من الامتناع عن أي عمل سياسي والقتل العبثي للفلسطينيين ومصادرة الأراضي وهدم البيوت، مع غياب أي أفق وأمل، فإن الانتفاضة الثالثة قد تنشب بالفعل."
حالة يأس عامة:
يخالج جميع الفلسطينيين بمن فيهم القادة السياسيين وأعضاء السلطة والحكومة الفلسطينية شعور باليأس من الوصول مع هذا الكيان إلى حل سياسي يؤمن حقوق الشعب الفلسطيني وما كلام أبو مازن في اجتماع الأمم المتحدة عن إلغاء اتفاقية أوسلو مع الكيان الإسرائيلي وقيام أحد مستشاريه بتكذيبها إلا إشارة واضحة على عجز أبو مازن عن تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني عبر التزامه بهذه الاتفاقية من طرف واحد وانتهاجه نهج المفاوضات والتي لم تُعد للفلسطينيين شبراً واحداً من أراضيهم المغتصبة بل إنها لم تتمكن من إيقاف بناء بيت واحد من بيوت المستوطنات الإسرائيلية التي تلتهم أراضي الضفة يوماً بعد الآخر.
حالة اليأس هذه تنبئ بقرب انفجار الشعب الفلسطيني وبدئه انتفاضة فلسطينية ثالثة من شأنها قلب الطاولة على رؤوس قادة الكيان الإسرائيلي وانتزاع الحقوق المسلوبة بقوة السلاح.
هل من حل سياسي يلوح في الأفق؟
من المستبعد أن تتمكن الرباعية الدولية المتمثلة بالأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي، روسيا وأمريكا من الوصول إلى حل سياسي لهذه الأزمة خاصة في ظل سوء الأوضاع في الضفة الغربية وحالة اليأس التي يعيشها الشعب الفلسطيني وتعنت قادة الکيان الإسرائيلي وإصرارهم على التصعيد وانتهاجهم سياسة الحديد والنار؛ حيث نقلت صحيفة "اسرائيل اليوم" الإسرائيلية عن مصادر مقربة من رئيس حكومة الکيان قوله: "إذا كان الفلسطينيون يريدون انتفاضة ثالثة فسيحصلون على عملية السور الواقي 2" في إشارة منه إلى عملية السور الواقي عام 2002 والتي حاولت خلالها سلطات الکيان فض انتفاضة الأقصى، حينما قامت باقتحام الضفة الغربية ومحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في رام الله. کلام نتنیاهو هذا تناغم مع مطالب أعضاء في الكنيست الإسرائيلي هاجموا الرجل واتهموه بأنه فقد السيطرة على الأوضاع في القدس والضفة الغربية، مطالبين إياه "بمزيد من القمع" لمحاربة ما أسموه "الإرهاب" على حد تعبيرهم.
إذاً فالانتفاضة الفلسطينية الثالثة تقف على أبواب فلسطين، انتفاضة لربما يجب تسميتها انتفاضة فلسطين أو انتفاضة الذاكرة بعد أختيها الحجارة والأقصى، انتفاضة من شأنها إعادة البوصلة نحو فلسطين وتذكير الأمة بعدوها الأول المتمثل بهذا الكيان الغاصب بعد أن كادت تنسى هذا العدو مشغولة بسفك دم أبنائها وتقطيع أوصالهم وأكل أكبادهم.