الوقت- بينما تتخذ محادثات السلام الأفغانية بين كابول ومقاتلي طالبان في العاصمة القطرية الدوحة منعطفاً بطيئاً للغاية، وفشل بدء هذه المحادثات في التخفيف من حدة الحرب وانعدام الأمن في أفغانستان، بدأ "عبد الله عبد الله" الرئيس التنفيذي للحكومة الائتلافية الأفغانية، زيارةً تستغرق ثلاثة أيام إلى طهران لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين، هي الأولى منذ الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل العام الماضي.
وكان عبد الله عبد الله، الذي يرأس أيضاً مجلس المصالحة الوطنية والمسؤول عن المفاوضات مع طالبان، قد ذکر قبل القيام بهذه الزيارة بأن عملية السلام والمحادثات بين الأطراف الأفغانية، ستکون محور اجتماعاته مع المسؤولين الإيرانيين.
وقبل لقائه بوزير الخارجية الإيراني، أشاد قبل أمس في تغريدة له بـ "موقف إيران المبدئي تجاه جهود السلام في أفغانستان"، وقال إنه سيناقش مع ظريف "عملية السلام الأفغانية والمحادثات الأفغانية في الدوحة والقضايا ذات الاهتمام المشترك".
تأتي زيارة عبد الله التي استمرت ثلاثة أيام لطهران في أعقاب زيارته إلى الهند وباكستان في الأسابيع الأخيرة، ما يظهر اهتمام حكومة كابول بآراء جيران أفغانستان، وضرورة دعمهم لإحلال سلام دائم في هذا البلد.
إيران التي لديها مئات الكيلومترات من الحدود المشترکة مع أفغانستان وتاريخ طويل من العلاقات مع هذا البلد، عانت من العديد من الآثار السلبية خلال العقود الماضية بسبب الحرب وانعدام الأمن في جارتها الشرقية، مثل انتشار الإرهاب وزيادة زراعة المخدرات وتدفق المهاجرين والوجود الأمريكي المزعزع للاستقرار في المنطقة.
لقد وقفت جمهورية إيران الإسلامية دائماً إلى جانب شعب وحكومة أفغانستان في أربعة عقود من الحرب وانعدام الأمن، واستضافت ملايين اللاجئين الذين كان دورهم رائعاً في تطورات أفغانستان خلال العقدين الماضيين.
وفي الوقت الراهن أيضاً وبينما تترافق المحادثات الأفغانية بين كابول وطالبان مع مخاوف المجتمع الأفغاني من عودة السنوات المظلمة لسيطرة الإمارة، فإن موقف إيران هو دعم السلام والاستقرار في أفغانستان، مع الأخذ بعين الاعتبار وجهات نظر جميع الجماعات المحلية وتقليل التدخل الخارجي الذي يزعزع الاستقرار.
وفي هذا السياق، كتب المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية "سعيد خطيب زاده" على تويتر، عقب اجتماع عبد الله مع "محمد جواد ظريف" يوم الأحد، أن "أفغانستان المزدهرة والمستقلة والمتطورة والمسالمة والمستقرة، هي ما تريده إيران دائماً، وسنبذل قصارى جهدنا لتسهيل حوار حقيقي داخل افغانستان".
لا شك أن تحقيق السلام في أفغانستان يواجه العديد من التعقيدات، لأن مصالح القوى الدولية والإقليمية متورطة في هذه الحرب. وعملية السلام الأفغانية الحالية هي عملية أمريكية، بدأت بالاتفاق بين أمريكا وطالبان وتستمر حتى اليوم.
وبالتأكيد، مثلما لم ينتج الوجود العسكري الأمريكي على مدى العقدين الماضيين، سوى القتل وانعدام الأمن والدمار والإرهاب للشعب الأفغاني وشعوب المنطقة، فإن أمريكا ومن خلال إثارة خطة الانسحاب السريع من أفغانستان، تسعى الآن أيضاً إلى تحقيق أهدافها الخاصة، وليس مصالح أفغانستان.
وفي هذا الصدد، إضافة إلى جهود ترامب للوفاء بشعاره الانتخابي بعودة القوات الأمريكية، فإن القضية الأهم هي الاستراتيجية الأمريكية لخلق مراكز عدم استقرار في البيئة الأمنية للدول المتنافسة، أي إيران وروسيا، ويتجلى ذلك بوضوح من خلال التقارير المتكررة حول إجراءات أمريكا في نقل إرهابيي داعش من سوريا إلى أفغانستان.
التعاون الثنائي
ولكن إضافة إلى قضية محادثات السلام المركزية، فمن المتوقع أن يناقش كبار المسؤولين في البلدين التعاون الثنائي خلال هذه الزيارة.
وفي هذا الصدد، فإن مناقشة أوضاع اللاجئين الأفغان في إيران مهمة للوفد الأفغاني. من ناحية أخرى، وکما قال النائب في البرلمان الإيراني السيد "ملكي" في حديث لوسائل الإعلام، فإن التطرُّق إلی قضية نهر "هيرمند" وبحيرة "هامون"، التي تسببت بمشاكل للمواطنين في "سيستان وبلوشستان" نتيجة الجفاف، مطروحة على جدول الأعمال أيضاً.
من بعد آخر، فإن إيران شريك تجاري مهم لأفغانستان. وترى كابول إيران كبوابة تجارية لمنتجاتها، وخاصةً بسبب عدم وصولها إلى البحر والمياه الحرة، للوصول إلى أسواق أوروبا والشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، يعتبر ميناء "تشابهار" طريقاً تجارياً مناسباً بين أفغانستان وإيران ودول آسيا الوسطى.
ويعتبر ممر العبور هذا ذا أهمية خاصة لأفغانستان، وقد صرح الرئيس الأفغاني "أشرف غني" سابقًا أن بلاده تريد تنشيط طريق الحرير، والعمل كمحور إقليمي يربط جنوب آسيا بآسيا الوسطى.
يشار إلی أن أفغانستان وإيران والهند وقعت اتفاقيةً لنقل البضائع الهندية إلى آسيا الوسطى وأفغانستان. وفي السنوات الأخيرة، وضعت الهند اللمسات الأخيرة على خطة لبناء خط سكة حديد بطول 900 كيلومتر، من إقليم "باميان" الأفغاني إلى ميناء "تشابهار".
بالنسبة للهند، يوفر ميناء تشابهار طريقاً بحرياً - برياً أسهل إلى أفغانستان، وقد أنفقت نيودلهي بالفعل 100 مليون دولار لبناء طريق بطول 220 كيلومتراً في مقاطعة "نمروز" بأفغانستان، والذي سيمتد إلى تشابهار.
يقال إن مشروع تشابهار أكثر أهميةً لأفغانستان من أي دولة أخرى، وقد وصفه بعض الخبراء بأنه ميزة لهذا البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية، من المتوقع أن تزداد حدةً بعد انسحاب أمريكا ووقف مساعداتها.