الوقت- ستبقى المقاومة هي الشعار الأسمى للفلسطينيين أينما وجدوا حتى يزول الاحتلال عن أرضهم المقدسة، ونظراً لحجم المؤامرة العالمية على هذا الشعب ستكون المهمة صعبة، لكن أبناء فلسطين لا يبخلون على تراب بلادهم حتى ينالوا النصر أو الشهادة، ومعركة الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس لنيل الحرية في هذه الأيام هي خير دليل على ذلك، وخاصة أن الأخرس بريء وتم التجني عليه دون وجه حق.
أضرب الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس إضراباً مفتوحاً ودخل حتى كتابة هذه السطور يومه الـ 79 ولا يزال يقاوم حتى نيل الحرية، وها هي زوجته تسانده وتشاركه الاضراب في مشفى كابلان في الداخل المحتل، ويؤكد الأخرس أنه مستمر في معركة الأمعاء الخاوية، قائلاً: "إما الحرية بين عائلتي وأطفالي وإما قتلي باسم عدالتهم الزائفة".
الوضع الصحي للأخرس سيء جداً وهو يتألم بشدة، حيث يعاني من تشنجات وحالات إغماء وعدم القدرة على الرؤية بوضوح، وآلام في كل أنحاء جسده الذي فقد منه 20 كليو غراما، ومن ضعف كبير في وظائف الجسد، وبات لا يقدر على الكلام، وقد حذر الأطباء بأنه قد يفارق الحياة في أي لحظة.
وأوصت ما تُسمى بالمحكمة "العليا الإسرائيلية" بالإفراج عن الأسير ماهر عبد اللطيف الأخرس بتاريخ 26/11/2020 وبعد أن قامت محاميته بإبلاغه بهذه التوصية رفضها وأكَّد إصراره على مواصلة إضرابه المفتوح عن الطعام حتى الإفراج الفوري عنه.
يجب أن يعلم الجميع أن الإضراب عن الطعام ليس الخيار الأفضل أو المفضل للأسرى، ولكن كراهية الاحتلال واجرامه وجبنه وغياب تأثير المجتمع الدولي، يضطر الأسرى للجوء إلى هذا الخيار، وهو الأشد إيلاماً والأكثر وجعاً، فهم لا يهوون تجويع أنفسهم ولا يرغبون في إيذاء أجسادهم، كما لا يرغبون في أن يسقط منهم شهداء في السجون.
المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية الأذية التي يتعرّض لها هؤلاء الأسرى جراء تقاعس وعجز مؤسساته الحقوقية والإنسانية عن إلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجونها ومعتقلاتها، وذلك تجسيداً لثقافة المقاومة، باعتبار الإضراب عن الطعام شكل من أشكال المقاومة السلمية خلف القضبان، وعلى قاعدة أن الحقوق تُنتزع ولا توهب، وصوناً لكرامتهم المهانة، ودفاعاً عن مكانتهم النضالية والقانونية ومشروعية مقاومتهم للمحتل.
والإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يعرف بـ"معركة الأمعاء الخاوية"، هي امتناع الأسير عن تناول كل أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناوله باستثناء الماء وقليل من الملح، وهي خطوة نادراً ما يلجأ إليها الأسرى، إذ تعتبر الأخطر والأقسى لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة، جسدية ونفسية، تصل في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد منهم.
ويتم اعتقال الأسرى الفلسطينيين دون تهم معينة ودون محاكمة، فقط بحجة وجود بلاغ سري ضمن دوامة الاعتقال الإداري، فيما يتم التجديد له مرات عديدة. ويوجد في سجون الاحتلال 500 أسير يعانون من الاعتقال الإداري، ويتم التجديد لهم مرة تلو الأخرى، من ضمنهم نواب وأكاديميون وأسيرات يتم اخضاعهم لسياسة الترهيب.
خيارات المقاومة
في ظل استهتار المجتمع الدولي بأرواح الفلسطينيين ودخول الأسير ماهر الأخرس "مرحلة الخطر الشديد"، هددت حركة الجهاد الإسلامي بالدخول في مواجهة عسكرية مع الاحتلال، نصرة لهذا الأسير الذي من المحتمل أن يفارق الحياة في أي لحظة، في ظل رفض سلطات الاحتلال الاستجابة لمطالبه بالحرية.
وبشكل مباشر هددت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، الاحتلال الإسرائيلي من الدخول في مواجهة عسكرية، نصرة للأسير المضرب عن الطعام، وجاء ذلك في رسالة مصورة مقتضبة بثها موقع سرايا القدس الإلكتروني، بدأت بكلمات للأمين العام للجهاد الإسلامي زياد النحالة، الذي حمل فيها الاحتلال المسؤولية عن أي مكروه يمس الأسرى وخاصة الأسير ماهر الأخرس.
وتلا ذلك أن وضعت سرايا القدس صورا للأسير الأخرس وهو على سرير العلاج في أحد المشافي الإسرائيلية يتألم من المرض الذي لحق به بسبب وضعه الصحي جراء الإضراب، ومن ثم جرى عرض صور لصواريخ تملكها السرايا، وهي معدة للإطلاق تجاه المناطق الإسرائيلية، واختتمت المقطع المصوّر بجملة "لن يطول صبرنا" باللغتين العربية والعبرية.
نادي الأسير أيضاً علق على الاعتقالات التعسفية التي يقوم بها الاحتلال الاسرائيلي بحق الفلسطينيين، وحمّل نادي الأسير سلطات الاحتلال المسؤولية عن مصير الأسير الأخرس، مطالباً المؤسسات الحقوقية الدولية بالضغط على الاحتلال للإفراج الفوري عنه.
وأكد نادي الأسير أنه في الوقت الذي يواجه العالم استمرار انتشار فيروس كورونا، فإن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تواصل تنفيذ عمليات الاعتقال يومياً بحق الفلسطينيين، وتحويل العشرات منهم إلى الاعتقال الإداري، كما تستخدم الفيروس كأداة تنكيل بحق الأسرى، ومنهم المرضى والأطفال والنساء.
في الحقيقة تحولت معركة الأمعاء الخاوية ثقافة متجذرة لدى الفلسطينيين، رغم قساوتها ومرارتها، ومن خلالها استطاع الأسرى انتزاع العديد من حقوقهم المسلوبة وتغيير الشروط الحياتية وتحسين ظروف احتجازهم. ومنذ العام 2011 برزت ظاهرة الإضرابات الفردية الآخذة في الاتساع وأغلبيتها كانت رفضاً للاعتقال الإداري.
ولقد جرت أول تجربة فلسطينية لخوض الإضراب عن الطعام في السجون الإسرائيلية، في سجن نابلس في أوائل عام 1968، حيث خاض المعتقلون إضراباً عن الطعام استمر لمدة ثلاثة أيام؛ احتجاجاً على سياسة الضرب والإذلال التي كانوا يتعرضون لها على يد الجنود الإسرائيليين، وللمطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية والإنسانية. ثم توالت بعد ذلك الإضرابات عن الطعام.
في الختام؛ تحديات كثيرة يقاسيها الأسرى داخل سجون الاحتلال أمام واقع صعب ملغم بالمخاطر، في وقت يقف المجتمع الدولي متفرجا أمام ظلم السجان الإسرائيلي لأسرى يسطرون بأجسادهم وكرامتهم أروع الأمثلة في النضال والانتصار وانتزاع حقوقهم المسلوبة.