الوقت- شهدت الأيام الماضية تصعيداً كبيراً بين الکیان الاسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ولا يزال التصعيد قائماً وينذر بالاتجاه نحو حرب أكبر في حال لم يتم ضبط الأمور، فالمقاومة الفلسطينية ستعمل لا محالة على تثبيت قواعد الاشتباك ومعادلة الردع ولن تتخلى عنها، في المقابل رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو سيحاول اظهار نفسه بأنه المنقذ الوحيد للاسرائيليين في هذه المرحلة وقد يقدم على خطوات تصعيدية لكنها لن تكون كبيرة نظراً لوضعه السياسي الحساس، في الوسط بدأت الواسطات الدولية لحل النزاع لكن دون جدوى، ووفقا لمسؤول فلسطيني مطلع على جهود الوساطة، فإن الوسطاء المصريين والقطريين والمبعوث الأممي نيكولاي ملادينوف، يبذلون جهودا مضاعفة من أجل استعادة الهدوء.
وقالت مصادر سياسية فلسطينية إن الوسطاء المصريين أجروا محادثات في غزة يوم الاثنين لاستعادة الهدوء، لكنهم غادروا دون التوصل لاتفاق.
إلى أين تتجه الأمور؟
المقاومة أطلقت بالونات حارقة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة رداً على الاستفزازت الاسرائيلية، لترد طائرات الاحتلال مرة جديدة بقصف القطاع، ويوم الجمعة زادت حدة التصعيد ما بين المقاومة والاحتلال الاسرائيلي ، إذ أطلقت المقاومة رشقات صاروخية على مستوطنات غلاف غزة بعد استهداف العدوّ مواقع لها داخل القطاع. عمليةٌ أتبعتها "غرفة العمليات المشتركة" للفصائل بالتهديد بأنها "لن تسمح للعدوّ باستمرار الحصار"، والتأكيد أن "من حق أبناء الشعب الفلسطيني التعبير بكلّ الوسائل المناسبة عن رفضهم له"، وأنها لن تقبل اتخاذ الاحتلال "الأدوات السلمية، كالبالونات وغيرها، ذريعة لقصف مواقع المقاومة".
ما أسباب التوتر الحاصل في القطاع؟
أولاً: الاحتلال الاسرائيلي يستغل انحياز بعض الأنظمة العربية له وصمت البعض الآخر لزيادة الضغط على غزة، وزاد من فجوره التطبيع الأخير الذي جرى بينه وبين الامارات، وبالتالي وجدت اسرائيل نفسها قادرة على ممارسة المزيد من الضغوط على حماس لاجبارها على الرضوخ للطلبات الاسرائيلية، وفي نفس الوقت وجدت المقاومة نفسها غير قادرة على تحمل المزيد من الضغط الاسرائيلي والحصار، وبالتالي لا بدّ من العمل على فك هذا الحصار بأي طريقة.
ثانياً: تهدد اسرائيل باتباع سياسة الاغتيال لتخويف مسؤولي حماس وبقية الفصائل الفلسطينية، حيث خرج العديد من القادة الإسرائيليين، ومن هم في أعلى المستويات السياسية على رأسهم بنيامين نتنياهو الذي هدد بالعودة الى سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ليأتي بعده بيني غانتس وزير جيش الاحتلال، الذي قال بأن حماس تلعب بالنار.
قد تنفذ اسرائيل تهديداتها بالاغتيالات في محاولة ردع حماس لكنها لن تتجرأ على اغتيال قادة الصف الأول، واحتمال كبير أن تخشى الاقدام على مثل هذه الخطوة خوفا من الدخول في مواجهة قاسية مع حركة حماس، تخلط الأوراق على نتنياهو وتهدد مستقبله السياسي.
ثالثاً: اذا بحثنا عن أسباب التصعيد الاسرائيلي، سنجد أن كيان العدو يحاول الضغط للحصول على عدة مكاسب، منها زيادة خنق قطاع غزة لسهولة التحكم به وفرض قوانين اسرائيلية عليه وبشروط اسرائيلية، منها التحكم بالمعابر ومساحة الصيد، وفي المقابل تريد اسرائيل استرداد جثث جنودها وهذه الخطوة ستحقق دعما سياسيا كبيرا لنتنياهو.
رابعاً: أما حماس فأهدافها واضحة منها تثبيت معادلة الردع، واجبار الوسطاء والصهاينة على الوصول الى اتفاق لفك الحصار الذي يطبق الخناق على قطاع غزة، وكان مصدر عسكري فلسطيني قد قال، لصحيفة "الأخبار" اللبنانية إن "المقاومة أوصلت رسالة عبر الوسطاء بأنها ستردّ بصورة كبيرة وقوية" في حال أقدم الاحتلال على تنفيذ اغتيال، وأنها سترى في ذلك إعلاناً للحرب "التي ستحرق فيها المقاومة تل أبيب بآلاف الصواريخ، وبما لا يتوقعه الاحتلال". ولأول مرة منذ بداية الضغط الميداني على حدود القطاع، ردّت المقاومة على قصف مواقعها بإطلاق قذائف صاروخية على المستوطنات، ما أدى إلى إصابة منزل في مستوطنة "سيديروت" بشكل مباشر من دون وقوع إصابات، في حين تَواصل إطلاق البالونات المتفجّرة على طول الحدود، ما تسبّب في أكثر من 70 حريقاً خلال اليومين الماضيين.
بدورها أوضحت صحيفة "يديعوت أحرنوت"، أن إطلاق الصاروخ جاء على "خلفية الجمود في محادثات التهدئة مع حماس"، منوهة أن "الجيش الإسرائيلي يستعد لجولة تصعيد تستمر عدة أيام، حيث هددت المنظمات في غزة في بيان مشترك، بأنها سترد على أي هجوم إسرائيلي". وكانت وسائل إعلام إسرائيلية ذكرت أن رئيس أركان جيش الاحتلال، أفيف كوخافي، وضع خطة استعدادية للجبهة الجنوبية مع قطاع غزة. وبحسب القناة السابعة العبرية، فإن كوخافي عقد اجتماعا مع قادة المنطقة الجنوبية في جيش الاحتلال؛ وناقش معهم آخر التطورات الميدانية، بعد القصف المتبادل مع فصائل المقاومة الليلة الماضية.
خامساً: جميع التحليلات تقول بأن التصعيد لن يؤدي الى حرب مفتوحة في المدى المنظور، خاصة وان الاسرائيليين على المستوى الداخلي غير مستعدين للاقدام على هذه الخطوة، منها مستقبل نتنياهو والانتخابات والخشية من سقوط مدوي في هذه الحرب، وثانيها انتشار فيروس كورونا في الاراضي المحتلة وبالتالي فإن صواريخ المقاومة ستجبر الاسرائيليين على التوجه نحو الملاجئ وبالتالي احتمالية انتشار العدوى بشكل اكبر.
في الختام.. لن يتوقف القصف حتى تتمكن حماس من الوصول إلى مطالباتها السابقة، ومنها "إلزام الاحتلال بتنفيذ بنود تفاهمات التهدئة"، بحسب ما ذكر مصدر قريب من حماس، وعدّد من هذه المطالب: "تشغيل خط 161 لتغذية القطاع بالكهرباء، وتوسيع المنطقة الصناعية شرق غزة، وزيادة عدد تصاريح العمل في إسرائيل إلى 10 آلاف بدلا من 5 (آلاف)"، كذلك، طالبت الفصائل إسرائيل بـ"زيادة المنحة القطرية لتصبح 40 مليون دولار، وتوسيع منطقة الصيد إلى 20 ميلا بحريا، وتمديد خط غاز طبيعي إلى محطة الطاقة في القطاع". ونصّت التهدئة على تقديم مساعدة شهرية من قطر بقيمة 40 مليون دولار حتى نهاية الشهر المقبل، لكن المصدر القريب من حماس قال إن الجهة الخليجية الداعمة لغزة "وافقت على زيادة الدعم المالي بمقدار 10 ملايين دولار شهريا" وتمديد إطارها الزمني. وبحسب المصدر، أبلغت الحكومة الإسرائيلية الوفد أنها "لن تقدّم تسهيلات تحت النار".