الوقت- أمرت محكمة في العاصمة الأمريكية واشنطن مؤخرًا باستدعاء ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان"، إلى جانب 13 آخرين، للرد على أسئلة حول محاولة اغتيال "سعد الجبري". وكان "سعد الجبري" قد رفع دعوى قضائية ضد "محمد بن سلمان" أمام محكمة أمريكية بواشنطن الأسبوع الماضي بتهمة التآمر لاغتياله وتستند شكوى "الجبري" إلى وثائق تزعم أن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" أرسل فريقًا إلى كندا لاغتياله وقد أشارت الدعوى إلى أن مكتب التحقيقات الفدرالي قد أحبط محاولة اغتيال "الجبري" في كندا عام 2018، بعد تواصله مع السلطات الكندية، كما تضمنت الدعوى اتهامات لولي العهد السعودي بمحاولة اغتيال "الجبري" في مدينة بوسطن الأمريكية. ويبدو أن هذا يشكل تحديًا جديدًا لمسار طموحات "ابن سلمان" على رأس هرم السلطة السياسية لسلالة آل سعود، خاصة بعد قضية اغتيال "خاشقجي" قبل عدة سنوات في القنصلية السعودية في تركيا.
الصندوق الأسود المسمّى "سعد الجبري"
إن "سعد الجبري" يعد شخصية مقربة جدا من "محمد بن نايف"، وله تاريخ في وزارة الداخلية، وكان مستشارا أمنيا له قبل أن يُعيّن وزيرا للدولة، وكان "بن نايف" يعتمد عليه منذ كان مستشارا، ثم طلب ترقيته للوزارة وازداد اعتماده عليه بعد تعيينه وزيرا، حتى صار ينجز 80% من عمل الداخلية الحساس. ويوصف "الجبري" بأنه الصندوق الأسود للأمير "محمد بن نايف"، ولديه أسرار الأسرة الحاكمة. ويمتلك "الجبري" وثائق تتضمن معلومات عن أرصدة وممتلكات الأمير "محمد بن نايف" يسعى ولي العهد، "محمد بن سلمان"، للحصول عليها، لأغراض تتعلق بالضغط على سلفه. كما أن "الجبري" مطَّلع على وثائق تحتوي على معلومات حساسة يخشى ولي العهد أن تسبب ضررا له. وبعد فراره من السعودية، تنقل "الجبري" بين أربع دول، هي تركيا وألمانيا وأمريكا وأخيرا كندا، حيث طلبت السلطات السعودية من الحكومة الكندية تسليمه، لكنها رفضت.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن السعودية طلبت السعودية من كندا مرتين، في 2018 و2019، تسليم الجبري إليها، لكنها رفضت الطلبين. ولفتت تلك التقارير إلى أن المنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الإنتربول"، حذفت اسم "الجبري" من قوائم الملاحقة، معتبرة أن قضيته سياسية. وأكدت تلك التقارير إلى أنه بعد أسبوعين من اغتيال الكاتب الصحافي السعودي، "جمال خاسقجي"، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول، في 2 تشرين الأول 2018، أرسل ولي العهد فريقاً آخر من "فرقة النمر"، مكوناً من 50 شخصاً، إلى "تورنتو" الكندية لاغتيال "الجبري". وتحاول الرياض استدراجه من كندا، بممارسة ضغوط، منها مذكرة جلب عبر "الإنتربول"، واعتقال اثنين من أبنائه داخل السعودية، منذ مارس الماضي.
الجدير بالذكر أنه في عام 2017، عندما أطاح عندما أطاح "محمد بن سلمان" بـ"محمد بن نايف" وأصبح وليّاً للعهد للملك "سلمان بن عبد العزيز"، كان "الجبري" يقضي إجازته في خارج السعودي. وبعد هذه الحادثة، تم وضع "محمد بن نايف" قيد الإقامة الجبرية وقامت السلطات السعودية بمصادرة ممتلكاته، ولهذا فلقد خشي "الجبري" من احتمال مواجهة نفس مصير "بن نايف" وقرر عدم العودة إلى البلاد. وحول هذا السياق، قال "خالد الجبري"، الابن الأكبر لـ"سعد الجبري"، لـ"رويترز"، إن والده كان على علاقة جيدة بـ"محمد بن سلمان" في البداية، لكن بعض المقربين من ولي العهد وأشخاص على صلة بأبو ظبي اتهموا "الجبري" بدعم الإخوان المسلمين وسمموا أفكار "ابن سلمان" لدرجة أن والده أجبر على الفرار إلى كندا.
وأكد "خالد الجبري"، نجل ضابط الاستخبارات السعودي السابق "سعد الجبري"، إن آخر تهديد سعودي لحياة والده كان قبل أسبوعين، وإن أجهزة الاستخبارات في كندا وأمريكا كانت على اطلاع بذلك. ولفت إلى أن والده أقام دعوى قضائية ضد ولي العهد محمد بن سلمان، بعد أن فشلت مساعيه على مدار ثلاث سنوات في استخدام كل وسائل الدبلوماسية الهادئة للمصالحة مع الحكومة. وذكر "الجبري" الابن، في مقابلة له يوم الجمعة الماضي، أن أسرته واجهت حملة إرهابية غير قانونية عابرة للحدود، كانت تسعى إلى قتل والده وأخذ شقيقيه "عمر وسارة" المحتجزين في المملكة حاليًا كـ"رهائن". وقال ابن "الجبري" إنه لم يتلق أي أخبار عن شقيقيه منذ احتجازهما في السعودية قبل نحو خمسة أشهر، مؤكدا أنه وصل حقًا إلى السؤال الأساسي في هذه المرحلة "هل هُما على قيد الحياة، أم أنهما ماتا؟". وهكذا يبدو "سعد الجبري" وكأنه صندوق أسود به أسرار مهمة للغاية ومعلومات قيمة لـ"ابن سلمان"، وبالتالي فإن ولي العهد السعودي يحاول إعادته إلى السعودية، أو اغتياله، وذلك من أجل حذف جميع المشاكل التي من الممكن أن يثيرها "الجبري" في المستقبل بناءاً على ما لديه من معلومات تضر بـ"بن سلمان".
الحكم الذي سوف تصدره محكمة واشنطن وعواقبه
استدعت محكمة في العاصمة الأمريكية واشنطن "بن سلمان" للإجابة على أسئلة حول محاولة اغتياله لـ"الجبري" في كندا، والتي ستخلق بالطبع الكثير من المشاكل القانونية لولي العهد السعودي. في الواقع، إن الدعوة التي رفعها "سعد الجبري" على "بن سلمان" واستدعاء محكمة أمريكية لهذا الأخير جاءت في الوقت زاد فيه قلق العديد من الدول الأوروبية حول الاوضاع المبهمة التي يعيش فيها "محمد بن نايف". وحول هذا السياق، طالب أكبر فصيل في البرلمان الأوروبي الحكومة السعودية بإيضاح مكان وجود "بن نايف"، الأمر الذي زاد من الضغط على ولي العهد السعودي الشاب، خاصتاً وأن عدداً من المسؤولين في الكونجرس الأمريكي والحكومة الكندية أكدوا في بيان إن محاولة "محمد بن سلمان"، لاغتيال "سعد الجبري" في كندا موثوقة بالادلة القاطعة. إن "محمد بن سلمان"، الذي سبق أن اهتز موقفه واهتزت مكانته بشدة في قضية اغتيال "جمال خاشقجي" في اسطنبول، يواجه الآن عقبة أخرى تتمثل في الدعوى القضائية التي رفعها "الجبري" عليه وأدانه مسؤولون كنديون وبعض أعضاء الكونجرس الأمريكي له، الأمر الذي قد ينسف مستقبله السياسي من جذوره.
في غضون ذلك، كان "ترامب" قد قدم الكثير من الدعم لـ"بن سلمان" في قضية اغتيال "خاشقجي"، ولكن هذه المرة وبالنظر إلى اقتراب موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، فإن أي تدخل من قبل "ترامب" في عمل المحكمة لصالح "بن سلمان" سيكون له عواقب لا يُحمد عقباها، ويبدو أن هذه المرة، نظرًا لأن موقف "ترامب" في الولايات المتحدة أصبح في خطر وإمكانية تسليم البيت الأبيض إلى "بايدن"، فإن "ترامب" سيتجنب معالجة القضايا التي تقلل من فرص إعادة انتخابه رئيس للولايات المتحدة. وقد يزداد الوضع سوءًا بالنسبة لـ"بن سلمان" إذا فاز "جو بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونظراً للعلاقات الوثيقة بين "بن نايف" و"سعد الجبري" مع بعض الدوائر القوية في الولايات المتحدة التي لا تريد أن يصل "بن سلمان" إلى السلطة في المملكة العربية السعودية وبالإضافة إلى اهتمام بعض الأطراف الأوروبية بإقالة "بن سلمان" من منصب ولي العهد، فإن هذا الاخير سيكون أكثر عرضة من أي وقت مضى لخطر فقدان منصبه كولي للعهد.
في الوقت نفسه، يمكن القول أن سجله الفاشل داخل السعودية وهزيمة السعودية في حرب اليمن، إلى جانب سوء الحالة الصحية للملك السعودي "سلمان"، قد تزيد من حدة المنافسة على السلطة في الأشهر المقبلة بين الأمراء السعوديين، وحكم المحكمة الأمريكية المنتظر، كل هذه العوامل ستهز بشدة مكانة "محمد بن سلمان" داخل السعودية وخارجها. لذلك، يبدو أن حكم محكمة واشنطن، بالإضافة إلى التبعات القانونية التي سوف تلحق بولي العهد السعودي، في ظل هذا الوقت الحساس، ووسط ضغوط دول أوروبية وبعض الدوائر الأمريكية على "بن سلمان"، ومواجهته للكثير من الضغوط والنقد داخل السعودية، سيضع منصب "بن سلمان" وحلمه في الوصول إلى العرش في خطر جسيم.