الوقت- واهمةٌ؛ تظنُّ قوات سوريا الديموقراطية "قسد" ومن خلفها أمريكا أنّ الوضع استقرّ لها في الشرق السوري، وأنّه بات بإمكانها أن تصول وتجول كما يحلو لها، بل باتت تقتل دون أدنى إحساس بالمسؤولية، غير أنّ رياح الثأر جرت بعكس ما تشتهيه سفن أولئك الانفصاليين، لتكون خطيئتهم الكبرى باغتيال الشيخ مطشر حمود الهفل قتل، ومحاولة اغتيال الشيخ إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل الذي أُصيب ويرقد حالياً في المشفى، وهما من شيوخ عشيرة العقيدات العربيّة التي تنتشر في محافظات دير الزور والرقة والحسكة، لفتح هذه الحادثة النار على قسد وعلى داعميها وتكون البداية باحتجاجات شعبيّة عارمة في بلدات ريف دير الزور الشرقي.
معارك الثأر
لم تمرّ أيامٌ قليلة على جريمة الاغتيال تلك حتى تداعى شيوخ وأبناء قبيلة العقيدات لعقد مؤتمرٍ كبير في مدينة دير الزور، ليخرج هذا المؤتمر ببيانٍ أعلنوا فيه أنّه قد بدأت معركة أخذ الثأر والتحرير في محافظة دير الزور، حيث تشكل العشائر العربيّة هناك البُنية الأساسية للمجتمع في الشرق السوري.
جيداً تعلم ميليشيات قسد ومن خلفها أنّها لم تُشكل يوماً أغلبيّة في منطقة شرق الفرات، وأنّ القبائل العربيّة هناك وعلى الرّغم من تشرذمها؛ إلّا أنّها تُشكل القوّة الضاربة، وما الصّيت الذي تتمتع به قسد اليوم إلّا نتيجة للدعم الأمريكي المفتوح لتلك العصابات التي أخذتها العزّة بالإثم وبدأت تعيث في الأرض فساداً، لتكون أعمالها وبالاً عليها، وتُطلق قبيلة العقيدات ومن خلفها القبائل العربيّة التي بغت عليها قسد مجلساً عسكرياً ويُعلنوا بدء مُقاومةٍ عسكرية تهدف إلى طرد الأمريكيين وعصابات قسد.
فهل تستطيع العقيدات، والقبائل المُتحالفة معهم طرد قوّات الاحتلال وباقي العصابات؟
إذا ما علمنا أنّ القبائل العربية تُشكّل المجتمع الأوسع ليس فقط شرق الفرات، وإنّما في جميع أنحاء سوريا، فالعقيدات على سبيل المثال وكما أنها تنتشر بشكلٍ كبير في الشرق السوري، إلّا أنها تمتد إلى باقي أرجاء سوريا ابتداءً من حلب وحماة، وصولاً إلى درعا والجولان، أمّا في شرق الفرات، فتمتدُّ القبيلة من الحدود التركية شمالاً إلى الحدود العراقية جنوباً.
أكثر من ذلك؛ فإنّ البيان الذي خرجت به القبيلة في اجتماعها الموسع أكد على العمل جنياً إلى جنب مع الجيش السوري الذي ينتظر الفرصة للعودة إلى شرق الفرات وإعادة السيطرة على المناطق التي يحتلها الجيش الأمريكي وعصابات قسد، حيث أعلن البيان الذي أصدّره المجلس السياسي لقبيلة العقيدات البدء بالمقاومة الشعبية ضد المحتل وأدواته ومرتزقته واعتبارهم هدفا مشروعا للمقاومة، داعياً كل من ارتبط بالمحتل وأعوانه من أبناء القبيلة والمنطقة للعودة إلى حضن الوطن، وإلا سيعتبر هدفا مشروعا للمقاومة كما حال المحتل وأدواته ومرتزقته، مُنوّهاً بالبطولات العظيمة للجيش السوري وتضحيات أفراده، الأمر الذي يشي بأنّ تحركات العقيدات لم تكن مُنفردة، وأنّ إطلاق "جيش العقيدات" لم يكن إلّا بتنسيق ورُبما تسليح من الجيش السوري، واعداً بإخراج الاحتلال الأمريكي من المنطقة وتطهيرها من العصابات الانفصالية.
أمريكا بين نارين
بعد أحداث الشرق السوري وجدت أمريكا نفسها بين نارين، فمن ناحيّة عصابات قسد التي درّبتها وسلّحتها، وأعطتها المنطقة على طبقٍ من فضّة، ومن ناحيةٍ أخرى أكثيرة المنطقة العربيّة الرافضة لسيطرة عصابات قسد العنصرية على المنطقة، وما زاد الطّين بلّة هو دخول شركات أمريكية للعمل في المنطقة الغنيّة بالنفط، وهو الأمر الذي سيضع المصالح الأمريكية على المحك، في الوقت الذي تعلم فيه أنّه لا يمكنها الوقوف بوجه السكان الأصليين للأرض، وهم العرب، وذلك بخلاف ما أوحت به عصابات قنديل الانفصالية.
ومع هذا الواقع الصعب لا يمكن لأمريكا أن تسحب يدها من دعم قوّات قسد الكردية، ومن جهةٍ أخرى لا تستطيع إنشاء نسخة جديدة من قوات قسد يكون قوامها من القبائل العربية، لتخرج السفارة الأمريكية ومن خلال مُعرفاتها على شبكة الإنترنت لتُدين اغتيال شيوخ ووجهاء قبيلة العقيدات، مُطالبةً بتقديم الجُناة للعدالة وكأنّها لا تعلم أنّ من قام بتلك الجريمة هي عصاباتها المُسمّاة قسد، وذلك ردًا على رفض الشيخ إبراهيم خليل عبود الجدعان الهفل حضور اجتماع لقوات سوريا الديمقراطية "قسد" مع زعيمها مظلوم كوباني.
وفي النهاية؛ فإنّ حشد القبائل العربية الموجودة شرق الفرات من شأنه أن يقلب الطاولة على الأمريكيين والعصابات الانفصالية، خصوصاً بعد تأكيد جيش العقيدات أنّه يعمل بالتنسيق مع الجيش السوري، أكثر من ذلك؛ ومن جهةٍ أخرى فإنّ تشكيل مجلس سياسي للقبائل العربية تكون الموجّه الأساسي لجيش العقيدات، من شأنّه أن يُنسق الدعم مع الحكومة السورية، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ ادعاءات عصابات قنديل بأنّ الإخوة الكرد أكثرية في تلك المنطقة ليست أكثر من ادعاءات ستُفندها الوقائع على الأرض قريباً، ورما سنشهد حالة نزوجٍ جماعي إلى جبال قنديل التي أتى منها غالبية مُقاتلي عصابات أوجلان.