الوقت-بعد مرور حوالي أربعة أشهر من الهدوء النسبي التي شهدتها شوارع العراق وشوارع بغداد بشكل خاص، استأنفت الاحتجاجات في العراق خلال الأيام الأخيرة الماضية. هذا وكانت الشرارة الأولى من الاحتجاجات في العراق قد بدأت في أوائل أكتوبر 2019 واستمرت حتى فبراير 2020، ما أدّى إلى استقالة عادل عبد المهدي، رئيس مجلس الوزراء العراقي. وبدأت الجولة الجديدة من الاحتجاجات في ساحة التحرير في العاصمة العراقية بغداد، واستؤنفت معها الاحتجاجات في مدن جنوب العراق.
وشهدت المظاهرات في بغداد، اشتباكات بين عناصر الجيش وقوات الشرطة مع المتظاهرين، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل حتى الآن. وفي أعقاب هذه الحادثة، شهدت وسائل التواصل الاجتماعي، كما في اكتوبر الماضي، دعوة واسعة النطاق من أجل النزول الى الشوارع ومساندة المتظاهرين، وفي مدن مثل الناصرية، مركز محافظة ذي قار، ردد المتظاهرون شعارات تطالب باستقالة المدراء المحليين والحكوميين وذلك من خلال التجمع أمام دائرة الكهرباء في المحافظة.
زعزعة الاستقرار السياسي القائم في العراق
شهد المشهد السياسي في العراق فترة ملتهبة ومتوترة بعد انطلاق الاحتجاجات في البلاد، ولكن بعد ذلك، تم تكليف السيد مصطفى الكاظمي من قبل برهم صالح لتشكيل الحكومة في 9 أبريل 2020 ، وبدأ الكاظمي بمعية كابينته الوزارية العمل رسمياً في 7 مايو 2020 وساد الاستقرار والهدوء النسبيان على الساحة السياسية العراقية برمتها. لكن في هذه الأثناء، لا شك أن هناك جهات فاعلة تشعر بالقلق من الاستقرار والهدوء السياسي في العراق، إذ يعتقدون أن إرساء الاستقرار السياسي في بغداد سيمهد الطريق لتقليل نفوذهم وإنهاء دورهم في البلاد.
وفي هذا الصدد، تعد المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية جهتان رئيسيتان تقيّمان الاستقرار السياسي في العراق، أنه يصب ضد مصالحهما. وقد أدركت واشنطن أنه ليس بإمكانها أن تحافظ على موقعها ووجودها العسكري في العراق الّا في ظل وضع سياسي وأمني متأزم. وفي الوقت الذي تشهد فيه بغداد هدوء نسبيًا على المستوى السياسي، فإن العديد من القوى السياسية العراقية عازمة على تنفيذ قرار البرلمان العراقي بطرد القوات الأجنبية من البلاد. وفي ظل هذه الظروف، يسعى الأمريكيون والسعوديون، الى تحقيق أهدافهم في الاحتفاظ بالقوات الأمريكية والسيطرة على النفوذ الإيراني وتعزيز نفوذ واشنطن والرياض، من خلال إعادة خلق الأزمة.
فيروس كورونا، تهديد لحياة المتظاهرين ومساهمة في تأزيم الأوضاع
ما يثير العجب والاستغراب في المظاهرات الجديدة في العراق، أنه يتزامن مع تفشي فيروس كورونا المستجد بشكل واسع في العراق. وفي ظل الظروف التي فرضت فيها بعض الحكومات المحلية في الأشهر الماضية الحجر الصحي الكامل في مختلف محافظات العراق، فإن ما يثير الاستغراب هو دعوات بعض الناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي للنزول الى شوارع العراق، دعوات استهدفت بشكل خاص الشباب العراقي.
مما لا شك فيه أن تجمع المتظاهرين في الشوارع يمكن عدّه أخطر تجمع يهدد حياة المواطنين العراقيين، ويمكن اعتبار الغرض الوحيد منها هو فرض مزيد من التكاليف على الحكومة في حربها ضد وباء كورونا، وبالتالي زيادة موجة السخط والغضب في البلاد. في غضون ذلك، ما لا شك فيه هو أن السعوديين والأمريكيين فقط هم الذين يرحبون بتنامي الأزمات والمآزق في العراق، ومن المحتمل جدًا أنهم يسعون إلى إعادة تجميع المتظاهرين إلى الشوارع من خلال جيوشهم الإلكترونية، ولكن هذه المرة بهدف تحويل ساحات الاحتجاج إلى ساحات للإصابة بفيروس كورونا.
خلق مواجهة وهمية بين الحشد الشعبي والشعب
في الأيام التي أعقبت تولي مصطفى الكاظمي منصب رئاسة الوزراء، كانت إحدى الجهود الرئيسية لأمريكا والسعودية هو خلق أجواء من المواجهة والعداء بين الحشد الشعبي والحكومة المركزية. في الواقع، لقد استخدمت الرياض وواشنطن كل قواهم الإعلامية ونفوذهم السياسي لإظهار أن حكومة الكاظمي تضمر العداء لهيئة الحشد الشعبي. وفي الوقت الحاضر، يبدو أن هذا الأسلوب قد تم استخدامه لخلق مواجهة بين الحشد الشعبي والشعب العراقي.
ينوي الأمريكيون والسعوديون إخراج الناس إلى الشوارع من أجل خلق حالة من عدم الاستقرار وزعزعة النظام العام، وربط أي مواجهة بين قوات الأمن والشرطة مع المتظاهرين، بقوات الحشد الشعبي. وفي الواقع، ترى واشنطن والرياض أنه بهذه الطريقة، ستضعف الحشد الشعبي من ناحية، ومن ناحية أخرى، سيكون لدى حكومة الكاظمي فرص عديدة لحلّ الحشد الشعبي. وعلى الرغم من أن نتائج هذا السيناريو قد بات واضحا منذ زمن سابق، الا أنه سيثبت فشله دائما وأبدا من خلال وعي الشعب والسياسيين العراقيين.