الوقت- لم يمض شهر واحد على إعادة فرنسا رفات 24 مقاتلاً جزائرياً كانوا قد استشهدوا في مقاومة قوات الاحتلال الفرنسيّ في القرن التاسع عشر، حيث كلف الرئيس الفرنسيّ، "إيمانويل ماكرون"، المؤرخ الفرنسيّ، "بنجامان ستورا"، بمهمة تتعلق بذاكرة الاستعمار وحرب الجزائر، فيما أعلن الرئيس الجزائريّ، "عبد المجيد تبّون"، الأسبوع المنصرم، عن اختيار المستشار الرئاسيّ، "عبد المجيد شيخي"، من الجانب الجزائريّ للعمل على ملفات الذاكرة الوطنيّة واسترجاع الأرشيف الوطنيّ مع الجانب الفرنسيّ.
تعزيز المصالحة
جاء التكليف الرسميّ من قبل الرئيس الفرنسيّ، "إيمانويل ماكرون"، الجمعة الماضي، للمؤرخ "بنجامان ستورا"، بهدف تعزيز المصالحة بين الشعبين الفرنسيّ والجزائريّ، وفق ما أعلنته باريس.
وبحسب الرئاسة الفرنسيّة فإن هذه المهمة التي يُنتظر صدور نتائجها في نهاية العام الحاليّ ستُتيح إجراء عرض تصفه بالعادل والدقيق للتقدم المحرز في فرنسا فيما يتعلق بذاكرة الاستعمار الفرنسيّ وحرب الجزائر، بالإضافة إلى النظرة إلى هذه الرهانات على جانبي المتوسط.
ومن الجدير بالذكر أنَّ الرئيس الجزائريّ، "عبد المجيد تبون"، أعلن قبل أسبوع أنّ حكومة بلاده قد أرسلت إلى باريس اسم المؤرخ الجزائري ّالذي اختارته للعمل مع الفرنسيّين، مبيّناً أنّ الخبير الذي اختير لهذه المهمة هو المستشار لدى رئاسة الجمهوريّة، والمكلف بالأرشيف والذاكرة الوطنيةّ "عبد المجيد شيخي".
وقال تبّون في مقابلة مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسيّة، أنّ كلا المؤرخَين الجزائريّ والفرنسيّ سيعملان سوياً تحت الوصاية المباشرة لرئيسيّ البلدين في سبيل الوصول إلى الحقيقة.
تسعى الجزائر وباريس لإنجاز عملهما في جو من الحقيقة والصفاء والهدوء لحل أعقد المشكلات التاريخيّة التي تعكر صفو العلاقات السياسيّة بينهما، لكن مواجهة تلك الأحداث المؤلمة، لا شك أنّها ستصطدم بالكثير من العقبات لكي تعود المياه إلى مجاريها بين البلدين، وعلى كل المستويات.
وما ينبغي ذكره، أنّ المؤرخ "بنجامان ستورا"، أصرّ على أنّه ليس ممثلاً للدولة الفرنسيّة وقال: "لا يمكننا أبداً التوفيق بين الذاكرات بشكل نهائيّ" ، موضحاً ضرورة التحرك نحو سلام نسبيّ للذاكرات من أجل مواجهة تحديات المستقبل على وجه الخصوص، لكي لا يبقوا أسرى الماضي طوال الوقت، لأن الجزائر وفرنسا بحاجة إلى بعضهما البعض، بحسب الموقع الإلكتروني لـ france24.
استرجاع رفات الشهداء
نالت الجزائر استقلالها عن فرنسا عام 1962، بعد حرب طاحنة دامت سبع سنوات، وأنهت قرناً أو أكثر من الاستعمار الفرنسيّ، الذي انتقده في وقت سابق الرئيس الفرنسيّ، "إيمانويل ماكرون".
بعد احتجاز قسريّ لجماجم المقاتلين الجزائريّين لأكثر من 170 عاماً في متحف "التاريخ الطبيعي" في العاصمة الفرنسيّة، وقد استقبلت الجزائر قبل مدة رفات 24 شهيداً من رموز المقاومة الشعبيّة ضد الاحتلال الفرنسيّ، كانوا قد أعدموا من قبل قوات الاستعمار ونُكلّ بجثثهم، ومن ثم ترحيل رؤوسهم إلى فرنسا، بحجة اجراء دراسات "علم الإنسان" أو ما يسمى "الأنثروبولوجية".
حيث ظلت قضية استرجاع جماجم الشهداء الجزائريين حيّة ضمن المطالب الرئيسيّة المطروحة في مباحثات هذه المدة التاريخيّة على أعلى مستوى بين السلطات الجزائريّة والفرنسيّة.
ومن المهم في مكان أنّ المساعي الجزائرية ازدادت منذ تفجر القضيّة عام 2011، عندما أعلن الرئيس الجزائريّ، "عبد المجيد تبون" إعادة رفات 24 من قادة المقاومة الشعبيّة، عشية الذكرى الـ 58 للاستقلال، على متن طائرة عسكريّة من القوات الجويّة الجزائريّة، ثم أشرف على استقبالها بمطار "هواري بومدين"، مع قيادة الجيش والفريق الحكوميّ والبرلماني، وسط استعراضات جويّة لسرب من الطائرات المقاتلة.
أكثر من ذلك؛ أكّد مستشار رئيس الجمهوريّة المكلف بالأرشيف الوطنيّ وملف الذاكرة الوطنيّة، "عبد المجيد شيخي"، أنّ الجزائر لن تتراجع أبداً عن مطالبتها باسترجاع أرشيفها الموجود في فرنسا، موضحاً أنّ باريس لا تملك إرادة حقيقية لطي هذا الملف نهائياً.
تؤكد الجزائر أنَّ ما قامت به يعد خطوة نحو إنجازات أخرى ستختتم عندما تسترجع الجزائر كل ما نُهب منها بشكل مباشر وغير مباشر، أي منذ أن أقرضت حكومة الثورة الفرنسيّة ما مكّنها من تجاوز المعاناة، ومروراً بثمن "الغلال" الذي لم تتسلمه الجزائر، ووصولاً إلى كل ما نُهب بدءاً من الغزو الفرنسيّ في "جوان"، وحتّى تعويض الشعب الجزائريّ عن كل معاناته منذ عام 1830.
توثيق الاستعمار
عانت الجزائر من جرائم الفرنسيّين وربما ما زالت، فمن منهم يستطيع أن ينسى جريمتي تلغيم الحدود، وإجراء التجارب النوويّة في الصحراء الجزائريّة، اللتين لا تزالان تحصدان أرواح الأبرياء إلى يومنا هذا، لكن بالمقابل استطاعت كل من ألمانيا وفرنسا بناء علاقات وديّة بعد تجريم النازية، وعلى ما يبدو فإنّ العلاقة بين الجزائر وفرنسا ستتجه نحو هذه التجربة في حال سُنّ قانون التجريم لفترة الاستعمار.
لكن لا تبدو قضيّة توثيق تاريخ الاستعمار الفرنسيّ في الجزائر عاديّة أبداً، خاصة وأنّ الحسابات السياسية تغوص في أبسط التفاصيل، ما يطرح علامات استفهام كثيرة أولها هل ستُقر فرنسا بجرائم احتلالها في الجزائر؟ ، مع وجود طبقة سياسيّة جديدة في البلاد، تود أن تتخلص من أعباء الإرث التاريخي المُعيب، وعلى رأسهم الرئيس الحالي "إيمانويل ماكرون"، الذي قام وبكل جُرأة بوصف الاستعمار الفرنسيّ للجزائر بالجريمة ضد الإنسانية، وذلك في حملته الانتخابية.
فهل ستشكل طبقة المثقفين والباحثين الذين يدركون بواقعيّة الجرائم البشعة التي ارتكبها أسلافهم، ورقة ضغط لسحب اعتراف الدولة الفرنسيّة بجرائمها في الجزائر؟ ، لبناء علاقات وديّة بين البلدين بعد سن قانون يجرم الاستعمار الفرنسيّ.