الوقت-وافق مجلس النواب المصري على قرار لضم دار الافتاء المصرية لمجلس الوزراء في جلسة علنية يوم الأحد، حضرها مفتي البلاد شوقي علام وممثل الأزهر، وبتصديق هذا القانون أصبحت دار الافتاء تتمتع بامتياز قانوني في إصدار أحكام دينية، وستكون مستقلة في الأمور المالية والإدارية، بينما يعتقد الأزهر أن دار الافتاء والمؤسسات الدينية المصرية الأخرى تنتمي إلى هذه المؤسسة. ويبدو أن هذه المجريات هي نتيجة طبيعية للتوترات المستمرة بين الأزهر وعبد الفتاح السيسي، ويحاول الرئيس المصري تقليص صلاحيات أحمد الطيب، الإمام الأكبر وشيخ الأزهر.
الخلافات المتأصّلة بين الحكومة المصرية والأزهر
بدأ الخلاف بين الحكومة المصرية وشيخ الأزهر في 14 أغسطس 2014 ، بعد أحداث قتل ميدان رابعة العدوية (والآن يسمى ميدان الشهيد هشام بركات) وأحداث النهضة، حيث أصدر شيخ الأزهر آنذاك بياناً دعا فيه جميع الأطراف إلى إيلاء الأولوية للمصالح الوطنية ورفض العنف وسفك الدماء، ولم يكن الشيخ على دراية بتحركات وزارة الداخلية لتفريق أنصار محمد مرسي ولم يعرف هذا الموضوع إلا عبر وسائل الإعلام.
أما القضية الثانية التي أظهرت الخلاف الحاصل بين رئيس مصر وشيخ الأزهر، تتعلق بآرائهم حول الطلاق الشفوي وإصرار كل طرف على موقفه، عندما كان السيسي خلال خطابه بمناسبة عيد الشرطة في 24 يناير 2017 ، وبحضور الشيخ أحمد الطيب، أكد على ضرورة صياغة قانون يحظر الطلاق الشفوي، في إشارة إلى زيادة معدل الطلاق في مصر ، ودعا إلى أن يتم الطلاق فقط من خلال الوثائق الرسمية، حيث تتيح هذه الإجراءات للزوجين الفرصة، كما وجه السيسي في الجزء الأول من حديثه كلامه للشيخ أحمد الطيب قائلا له: لقد أتعبتني يا فضيلة شيخ!
وقال الأزهر رداً على تصريحات الرئيس المصري في بيان رسمي إن الطلاق الشفهي صحيح تماماً ويتمتع بكل أركان وشروط الطلاق ، كما أصدر مركز الدراسات الإسلامية التابع للأزهر بيانا بعد أيام قليلة من اجتماع هيئة علماء الأزهر دعم بالإجماع بيان مجلس كبار العلماء في هذا البلد حول قضية الطلاق الشفوي.
وفي سياق الخلافات بين الرئيسين المصري والأزهر، أدى خلافهما حول المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث إلى رفع التوتر بين الأزهر والرئاسة المصرية إلى مستوى جديد. فقبل حوالي 20 شهرًا، نقل عمرو عزت، الصحفي وباحث الحقوق الشخصية في مصر، عن صحفيين مصريين قولهم: "صدرت أوامر من القيادات العليا للصحف والمواقع المصرية تنص على وجوب عدم تغطية وسائل الإعلام لبيان هيئة علماء مصر حول قانون المساواة بين الرجل والمرأة في نصيب الميراث.
وأضاف عمرو، في إشارة له على أنه تمكن من الحصول على الخبر المتعلق بهذه القضية والتي نُشرت في صحيفة اليوم السابع (القريبة من الحكومة المصرية) : "بالرغم من حذف هذا الخبر بعد ساعات قليلة من نشره ولكن تمكّنت وسائل الاعلام المصرية من تغطية تصريحات سعد الدين الهلالي العضو الوحيد في الأزهر الذي يدعو إلى المساواة بين ميراث الرجال والنساء.
ولكن رداً على هذه الأمر، أصدر مركز الأزهر الإعلامي بياناً حادّاً ضد سعد الدين الهلالي وأعلن: إنّ الأحكام التي لا تبنى على الأعراف والعوائد، والأحكام الأساسية النصية بالأمر والنهي، فإنها لا تتغير بتغير الأزمان ولا بتغير الأماكن، ولا بتغير الناس، كوجوب الصلاة والصيام والزكاة والجهاد والأمانة والصدق.
محاولة السيسي لتقليل صلاحيات شيخ الأزهر
استعرض مجلس النواب المصري مسودة قانون قبل أربعة أشهر تقترح تعيين مفتي البلاد من قبل عبد الفتاح السيسي. وقدم مسودة القانون هذه رئيس اللجنة الدينية بالبرلمان المصري و 60 نائباً آخرين بخصوص دار الافتاء المصرية، بهدف تعيين مفتي الدولة من قبل رئاسة الجمهورية.
ووفقاً للقانون، سيكون على الرئيس المصري أن يختار مباشرةً مفتي البلاد من بين ثلاثة مرشحين يقترحهم مجلس علماء الأزهر، وذلك بدلاً عن الطريقة السائدة في انتخاب المفتي، الذي كان يُنتخب من خلال تصويت سري في اجتماع لمجلس علماء الأزهر برئاسة الشيخ الأزهر.
وجاء في نص مشروع القانون: دار الافتاء المصرية مؤسسة ذات طابع ديني، ولها شخصية اعتبارية، وخاضعة لوزارة العدل يمثلها مفتي مصر، ويدير شؤون الإفتاء وفق أحكام الشريعة الإسلامية، كما يختار الأمين العام لدار الإفتاء. وبموجب القانون هذا، يمكن للرئيس أيضًا استبدال المفتي إذا بلغ سن التقاعد بشخص آخر. إلا أن الأزهر لم يوافق على القانون بسبب عدم خضوع دار الافتاء لوزارة العدل رسميا، ووافق البرلمان المصري على ضم دار الافتاء إلى مجلس الوزراء في جلسته يوم الأحد بتعديل نفس المسودة.
لذلك، فإن الموافقة على أول مشروع قانون لضم دار الإفتاء إلى مجلس الوزراء، والذي عقد في جلسة مفتوحة للبرلمان المصري يوم الأحد، هو جزء من مشروع القانون نفسه الذي يمّكن الرئيس المصري بموجبه انتخاب مفتي هذه البلاد من بين المرشحين، وهذا القرار هو استمرار لجهود عبد الفتاح السيسي لتقليص سلطة وصلاحيات شيخ الأزهر.