الوقت - بدأ إعلان تدمير داعش في 21 نوفمبر 2017 وانتصار جبهة المقاومة ضد التكفير ونهاية الفتنة، بتحرير مدينة "البوكمال" في سوريا. ولا شك أن المقاتلين الأفغان من لواء "فاطميون" قد نفذوا جزءاً كبيراً من هذه العمليات.
فاطميون هو إحدی القوات الأفغانية الشيعية النشطة والمناضلة التي تشكلت للدفاع عن مرقد "السيدة زينب" و"السیدة رقية"(عليهما السلام) ضد قوات داعش في سوريا. المجاهدون الأفغان من لواء "محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)" الذين كانوا في الخطوط الأمامية في أفغانستان، وكتائب "أبو ذر" التي دافعت عن الإسلام إلى جانب المقاتلين الإيرانيين خلال الحرب المفروضة، يشكلون جوهر لواء "فاطميون".
عندما سارعت قوة القدس التابعة للثورة الإسلامية الإيرانية إلی مساعدة مسلمي أفغانستان في أوائل الثمانينيات بعد الغزو السوفيتي، بناءً على طلب من الإمام الخميني(رحمه الله)، بدأت جماعات المجاهدين الشيعة المسماة بالأحزاب الثمانية والمؤلفة من شخصيات بارزة مثل عبد علي مزاري وبرهان الدين رباني وأحمد شاه مسعود، نضالهم ضد الاستکبار.
ربما يمكن القول إن أسس تشكيل لواء يعرف اليوم باسم "فاطميون"، کانت قد بدأت من صراعات المزاريين في أفغانستان وامتدت إلى خارج حدود البلاد. إنه لواء تشکل من شباب قاتلوا طواعيةً للدفاع عن المقدسات الإسلامية.
صعود داعش في العراق وسوريا
تشكل تنظيم داعش الإرهابي من قبل "أبو مصعب الزرقاوي" ضابط المخابرات في النظام البعثي وزعيم القاعدة في العراق، تحت اسم "جماعة التوحيد والجهاد" خلال احتلال العراق عام 2003.
وبعد الهجمات القاتلة التي قام بها هذا التنظيم الإرهابي في مدن عراقية مختلفة، بما في ذلك الموصل، وقتل الآلاف من المدنيين في العراق عام 2006، أعلن الزرقاوي عن تشكيل "مجلس المجاهدين" لتوحيد جميع الجماعات المسلحة السنية في العراق.
تولى قيادة تنظيم داعش بعد الزرقاوي، الذي قتلته القوات الأمريكية، أبو عمر البغدادي. واغتيل هو الآخر على يد الجيش الأمريكي عام 2010، وتولى أبو بكر البغدادي رئاسة داعش. لم يختلف مصير البغدادي عن مصير الزرقاوي حيث أعلن ترامب في نوفمبر من العام الماضي أن البغدادي قتل "مثل الكلب" على يد القوات الأمريكية.
بعد تحوُّل الأزمة السورية إلى صراع داخلي، انفصل "أبو محمد الجولاني" نائب البغدادي السابق عن تنظيم البغدادي، وشكل تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي في سوريا، والذي لا يزال أهم جماعة إرهابية في بلاد الشام.
لواء فاطميون في سوريا
مع هجوم التكفيريين علی سوريا واقتراب الخطر من مرقد السيدة زينب(عليها السلام)، دافع العديد من الأفغان الذين كانوا في سوريا، إلى جانب مقاتلي قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإسلامي ومقاتلي محور المقاومة الآخرين، عن عتبات أهل البيت(عليهم السلام). کما ذهب أفغان آخرون من أفغانستان وأماكن أخرى إلى سوريا، مثل العديد من المتطوعين الآخرين من المنطقة وحتى حول العالم.
منذ 12 مايو 2013، عندما تم تشكيل لواء فاطميون لتدمير وهزيمة داعش في سوريا والعراق، قدم هذا اللواء أكبر عدد من الشهداء في جبهة المقاومة، وذلك بسبب الوجود غير المسبوق للمقاتلين الأفغان في مناطق النزاع.
خلال الحرب في سوريا، قدم لواء فاطميون العديد من الإنجازات، من بينها عمليات اللاذقية في مرتفعات مدینة "کسب"، وتحرير مدينة "المليحة" في غوطة دمشق الشرقية، عمليات دير العدس في درعا، عمليات تل قرين في درعا، عمليات بصری الحرير في درعا، معركة تدمر وعمليات تحرير مدينة البوكمال.
كان الشهيد "علي رضا توسلي" المعروف باسم أبو حامد، قائدًا شجاعًا وملحميًا للواء فاطميون. وقد استشهد على يد إرهابيي جبهة النصرة عام 2014 في بداية أيام الفاطمية الأولی في منطقة درعا بسوريا.
وكان معروفاً كواحد من أكثر القادة الميدانيين الموثوقين في المعركة السورية وأحد المقربين من الشهيد الحاج قاسم سليماني. کما كان الشهيد توسلي في الخطوط الأمامية للدفاع عن الثورة الإسلامية خلال ثماني سنوات من الحرب المفروضة. حيث كان مسؤولاً عن تنظيم القوات الأفغانية في القتال ضد داعش.
بعد استشهاد أبو حامد وفي زيارة لعائلته، قال الفريق الشهيد الحاج قاسم سليماني، في إشارة إلى سنوات نضال هذا القائد الشهيد: "في كل مرة کنت أراها(أبو حامد)، فإن مشاهدته کانت تخلق فرحةً مزدوجةً بداخلي. من المؤسف بالنسبة لنا فقده. لقد توفي مبکراً. لقد حقق حلمه سريعاً ونال مبتغاه الفکري".
كواليس إجراء مثير للجدل ضد لواء فاطميون
بعد الإعلان عن تدمير داعش عام 2017 من قبل الشهيد الحاج قاسم سليماني وزوال التكفير من سوريا والعراق، استخدم المؤيدون الغربيون والأمريكيون لهذا التنظيم الإرهابي کل الأدوات المتاحة للإضرار بمصداقية وكرامة الجنود الحقيقيين لجبهة المقاومة، بما في ذلك لواء فاطميون.
بعد هزيمة تنظيم داعش الوهابي التكفيري في سوريا، والتي تمت بجهود وتضحيات المقاتلين الأفغان إلى جانب جنود إيرانيين آخرين بقيادة الشهيد سليماني، وبينما غادرت هذه القوات سوريا، تناهت إلی أسماعنا همسات من داخل أفغانستان بأن هذه القوات تعود إلى أفغانستان، وتنوي إيران استخدامها كذراع لها.
وفي هذا الصدد، كتبت قناة العربية في تقرير لها: تقول الحكومة الأفغانية إن الحكومة الإيرانية تستغل الفقر والمشكلات الاقتصادية للاجئين الأفغان، وترسلهم إلى سوريا للقتال.
يتم توجيه هذا الاتهام في حين أن جميع أعضاء لواء فاطميون هم أناس يذهبون إلى جبهات الحرب ضد الإرهاب التكفيري طواعيةً تمامًا ومن تلقاء أنفسهم، وبناءً على معتقداتهم الدينية ودوافعهم الإسلامية.
من ناحية أخرى، كانت بعض وسائل الإعلام الأفغانية في الأسابيع الأخيرة مسرحًا لحملات دعائية منسقة ضد لواء فاطميون، بحيث صوَّر بعض منها هذا اللواء بأنه علی غرار تنظيم داعش الإرهابي.
بالإضافة إلى وسائل الإعلام، تساهم بعض الشخصيات من الدرجة الثانية أو الثالثة في أفغانستان في هذه القضية أيضًا، من خلال نشر محتويات على وسائل التواصل الاجتماعي. ومن بين وسائل الإعلام التي تنشر الأخبار والتقارير ضد فاطميون، يمکن الإشارة إلی "سلام تايمز" و"طلوع" والقناة الأولى الأفغانية، إلى جانب وسائل إعلام مثل القسم الفارسي للأناضول والعربية وإذاعة "آزادي" و"إيران انترنشنال" و"الإندبندنت".
وأثارت هذه الخطوة التي اتخذتها وسائل الإعلام لوضع داعش وفاطميون في طراز واحد، الكثير من ردود الفعل داخل أفغانستان.
وقد تمحورت معظم ردود الفعل حول تحليل الأهداف الخفية لهذه الدعاية ذات المغزى، وعواقبها المدمرة والمضرة على الوحدة الوطنية والتعايش السلمي بين الأديان في أفغانستان، وكذلك المنظمات والسفارات ووكالات المخابرات التي تقف وراء هذه الدعاية.
کما كان الأداء والتحيز وعدم مسؤولية وسائل الإعلام، التي تنشر هذه الدعاية دون أي اعتبار، موضوعًا ساخنًا أيضًا بين الناس والرأي العام.
والقضية الأخرى هي أن أفغانستان ساحة اشتباكات دامية وأعمال إرهابية كل يوم، ولكن ليس هناك أي دور للواء فاطميون في أي من هذه الأمور، ويمكن القول بشكل عام إن فاطميون ليس لهم دور في التطورات الداخلية في أفغانستان.
والنقطة المهمة هنا هي الرسالة المضللة لهذه الدعاية في تقديم تعريف خاطئ للإرهاب. داعش هو تنظيم "إرهابي" حتى أن مؤيديه الحقيقيين ومؤسسيه، يعتبرونه "إرهابياً"، على الأقل ظاهريًا، وشكلوا لتدميره ائتلافًا لمكافحة الإرهاب. ومع ذلك، فإن "فاطميون" يتألفون من مقاتلين متطوعين تم تشكيلهم لاقتلاع داعش.
والأكثر إثارةً للاهتمام أن الأمم المتحدة لا تعتبر فاطميون جماعةً "إرهابيةً"، ولا يوجد دليل على نفوذ فاطميون أو وجوده في أفغانستان. ولم يتم تشكيل هذا اللواء في الأصل لأفغانستان، في حين أن لداعش وجوداً قوياً وقاعدةً ومعسكراً في أفغانستان، وقتل مئات الأشخاص حتى الآن.
إن الهجمات على فاطميون تجري في وسائل الإعلام في الوقت الذي تغطي فيه جميع قنوات العالم إسقاط طائرة عسكرية أمريكية في "غزنة"، لكن الإعلام الأفغاني يتجنب تغطية الحادث ويمارس التعتيم عمداً.
الصحف الأفغانية، التي يبدو أنها تتبع سياسةً محددةً وذات مغزى في هذا الصدد، ظلت صامتةً أمام مثل هذا الضرر الجسيم. ويمكن ملاحظة ذلك في حالات أخرى أيضًا.
ولكن، لماذا يتم تقديم لواء فاطميون على أنه تهديد لأمن أفغانستان من قبل وسائل الإعلام هذه؟
بدأت القصة عندما تغير الوضع في العراق وسوريا لصالح محور المقاومة، ومع القضاء النسبي على داعش في هذين البلدين، تحسن الوضع الأمني في المنطقة إلى حد ما، وبالتالي انسحبت قوات فاطميون من سوريا جزئياً.
القسم الفارسي لوکالة الأناضول التركية، وفي خطوة مريبة وعبر إجراء مقابلات مع بعض الشخصيات الأفغانية، وصف وجود فاطميون بأنه يعطل أمن أفغانستان. من الواضح أن تصاعد قوة الشيعة لا تتماشى مع العثمانية التركية الجديدة، ولهذا السبب تخشى تركيا أي صعود لنجم الشيعة.
واللافت في الأمر هو أن هذه النظرة إلی فاطميون والجبهة المناهضة لداعش في الشرق الأوسط، قد تعززت بعد استشهاد الفريق الحاج قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس القياديين الرئيسيين للجماعات المناهضة لداعش في المنطقة علی يد الأمريكيين، والآن فإن وسائل الإعلام هذه التابعة لبعض السفارات والمنفذة لمشاريعها، أطلقت جبهة الحرب الناعمة بمساعدة التنمية وإضفاء الطابع المؤسسي على هذه الفكرة، ونالت بذلك دعم المتطرفين المهيمنين علی واشنطن.
إستثمار البنتاغون في مشروع إيران فوبيا في أفغانستان
لإيضاح هذا الأمر، يقول "عبد الكريم خرم" مستشار الرئيس السابق لأفغانستان ووزير الإعلام والثقافة الأسبق: "هذا الإعلان الذي بُثَّ على قناة "طلوع" التلفزيونية للمرة الأولى، هو جزء من حرب نفسية أمريكية ضد إيران في أفغانستان، تدور رحاها في أفغانستان منذ سنوات عديدة. وغالباً ما يتم إبرام هذه العقود من قبل البنتاغون مع وسائل الإعلام في أفغانستان، ويتم تنظيم هذه الدعاية من قبل الولايات المتحدة. أتذكر هذه المعلومات عندما كنت وزير الإعلام والثقافة في أفغانستان."
وأضاف مستشار حميد كرزاي: "في ذلك الوقت، كلفني الرئيس بالتحقيق في هذه الدعاية، التي اعتبرناها غير مناسبة، وبعد بحثي، أدركت أن الولايات المتحدة، بشكل مباشر أو غير مباشر، تعطي هذه الدعاية لوسائل الإعلام هذه بتكلفة كبيرة. وفي الواقع، هذا جزء من الحرب النفسية الأمريكية في أفغانستان، حيث تطلق هذه الدعائيات لتوجيه الرأي العام قبل تنفيذ مشاريعها."
وتابع قائلاً: في الواقع، تسعى الولايات المتحدة لتحقيق أهداف من خلال مواجهة الأعراق والأديان في أفغانستان، وقد أدت الهجمات الأخيرة على الشيعة الأفغان في غرب كابول إلى الحديث عن تسليح هذه الطائفة، وقد أثيرت هذه القضية فيما بعد لأسباب أمنية ولمنع حدوث حرب طائفية في أفغانستان بدلاً من الحرب الرئيسية."
وشدد خرم أيضاً على أن "المسؤولين الأمنيين الأفغان صرحوا مرارًا وتكرارًا أن فاطميون ليس لهم دور في أفغانستان، وأن هذه الدعاية والحرب النفسية ضد هذه المجموعة تتم بالتدخل المباشر للولايات المتحدة، وأن العواقب ستكون بالتأكيد على حساب الشعب الأفغاني".
وصرح وزير الإعلام والثقافة الأفغاني السابق: "لسوء الحظ، وراء الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد أفغانستان، في قسم منها هنالك الجزء الأمني والعسکري، والقسم الآخر يستهدف الإعلام والثقافة. لقد توقفت هذه الدعاية حالياً وبعد أن قوبلت باحتجاجات شعبية، ولكن هذا التيار مستمر في أعماله المدمرة. وبقدر ما يلعب الجنرالات الأمريكيون دورهم في أفغانستان، فإن وسائل الإعلام لها دورها في المضي قدماً بالحرب."
وأکد على أن هذه الدعاية لا علاقة لها بحرية التعبير، وتهدف إلى خلق العنف والانقسام وتعزيز الفساد في أفغانستان.
صعود داعش؛ الهدف الرئيسي للولايات المتحدة لزعزعة الاستقرار في أفغانستان
کذلك، قال "جعفر مهدوي" الأستاذ الجامعي والعضو السابق في البرلمان الأفغاني بهذا الصدد: "قيل في البداية إن هذا الإعلان تجاري وبث على قناتين تلفزيونيتين أفغانيتين مقابل المال، والذي توقف في نهاية المطاف بسبب الاحتجاجات".
وأضاف: "من المؤكد أن وضع علم فاطميون، وهو لواء معروف يهدف إلى محاربة تنظيم داعش التكفيري، بجانب علم داعش في أفغانستان، ليس له مصداقية وفقًا لمسؤولي الأمن في هذا البلد والولايات المتحدة".
وتابع المهدوي: "أولئك الذين كانوا وراء هذه الدعاية، قد يسعون وراء عدة أهداف. أولاً، توفير الجو النفسي في أفغانستان من أجل عودة ظهور داعش بشکل قوي، والهدف الآخر هو بدء النزاعات والتوترات الطائفية والدينية في أفغانستان، الأمر الذي يمكن أن يهدد بشدة المصالح الوطنية لأفغانستان".
كما أشار الأستاذ في جامعة كابول إلى أن الدول التي تقف وراء هذه الدعاية، تحاول خلق ظروف اجتماعية ونفسية في أفغانستان بطريقة تنشر انعدام الأمن في البلاد، لتتوفر الذريعة لحضور الدول الأجنبية في أفغانستان بشکل أکثر.
وبينما أكد أن الشعب الأفغاني لن يسمح بتحوُّل أفغانستان إلی سوريا ثانية، وقيام بعض الدول بالتحريض على الانقسامات العرقية والدينية لتمهيد الأرضية للحروب الأهلية، قال: "هنا، يجب على الحكومة والنخب أن يتصرفوا بمسؤولية، وألا يسمحوا لأي دولة بالتدخل في شؤون أفغانستان".
وصرح مهدوي: إن فاطميون كحركة عسكرية ودينية مؤلفة من الشيعة الأفغان وموجودة في سوريا، يُنظر إليها اليوم كجزء من الذراع السياسي والعسكري لمحور المقاومة في المنطقة والعالم. ومن المؤكد أن التحريض على فاطميون من خلال وضع اسمه إلی جانب داعش، يمكن أن يضغط بطريقة ما على أذرع المقاومة في المنطقة.
وأضاف: "يمكن أن يكون هذا إجراء وقائي، لكن شعب أفغانستان يقف في وجه أي شيء يخل بوحدته، ويجب أن يوضع في الاعتبار أن المشروع الأمريكي الجديد في أفغانستان هو صعود تنظيم داعش من جديد وزعزعة استقرار البلاد".