الوقت- بعد مضي شهرين على تنصيب رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في العراق، أذهلت قراراته الآن، الواحد تلو الآخر، المراقبين السياسيين والفصائل السياسية وحتى من حوله، إن تعاون الكاظمي الصريح مع الأمريكيين، وإصدار أمر لقوات مكافحة الإرهاب بمهاجمة مقار كتائب حزب الله، وصمت الحكومة بشأن نشر منظومة الدفاع الصاروخي باتريوت في العراق وتجربة إطلاق هذه المنظومة في سفارة واشنطن في المنطقة الخضراء ببغداد وغيرها من قرارات الكاظمي العجيبة والتي لا تصدق إلى حدّ في الآونة الأخيرة.
ومع ذلك، يمكن تقييم أحد قراراته الجديدة بالموافقة على عودة قوات البيشمركة إلى مدينة كركوك، حيث نجح أكراد العراق بالسيطرة على المحافظة عام 2003، مستغلين الفراغ الناجم عن سقوط حكومة صدام حسين، على الرغم من أنه وفقاً للمادة 140 من الدستور العراقي، تعدّ مدينة كركوك جزءاً من المناطق المتنازع عليها ولم تكن أبدًا جزءًا من حكومة إقليم كردستان.
انتهت سيطرة الأكراد تقريباً على كركوك منذ نحو 15 عامًا أخيرًا عقب فشل استفتاء استقلال إقليم كردستان العراقي والذي جرى في 25 سبتمبر عام 2017 ، وفي 16 أكتوبر من ذلك العام انسحبت قوات البيشمركة من المدينة مع تقدم القوات العراقية اليها ، واستعادت بغداد السيطرة على المدينة ، لكن السؤال الآن هو لماذا قرر الكاظمي الموافقة على عودة قوات البيشمركة إلى كركوك ؟، وماذا ستكون عواقب هذا السيناريو ، بالنظر إلى معارضة الفصائل السياسية؟
روايات العودة الثلاث.. مبادرة الاتحاد الوطني، الدور الذي لعبه برهم وغرفة العمليات المشتركة
فيما يتعلق بمناقشة مدى الارتياح والرضا عن عودة البيشمركة في المرحلة الحالية، هناك ثلاث روايات على الأقل، في الرواية الأولى، يدعي الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) ، بقيادة بافيل طالباني ولاهور شيخ جنكي، أن مباحثاتهم مع رئيس الوزراء أدت إلى رضا وموافقة الكاظمي على عودة البيشمركة إلى كركوك، وفي هذا الصدد، أعلنت وسائل الإعلام التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني أن جبار يعفار الأمين العام لوزارة البيشمركة التقى خلال زيارته لبغداد نائب قائد قيادة العمليات العراقية المشتركة لهذا الغرض.
وتشير الرواية الثانية لعودة البيشمركة إلى كركوك، الى الدور البارز وممارسة نفوذ الرئيس العراقي برهم أحمد صالح، عضو اللجنة المركزية ومجلس قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني، وبحسب هذا الادعاء، دفع برهم صالح، الكاظمي من خلال محادثاته معه، إلى الموافقة على عودة البيشمركة إلى كركوك بعد اجتماع الوفد السياسي لحكومة إقليم كردستان.
أما الرواية الثالثة فهي تقدّم رؤية أساس لعودة البيشمركة تختلف اختلافاً جوهرياً عما يقوله الأكراد، وبحسب هذه الرواية، فإن الشيء الوحيد المتفق عليه حالياً هو إنشاء "لجنة عمليات مشتركة"، وحتى الآن لم يتم النظر في آلية لعودة المسلحين الأكراد إلى كركوك، وفي هذا السياق قال يحيى رسول المتحدث باسم القوات المسلحة العراقية: "لم يتخذ قرار بعد بشأن عودة قوات البيشمركة إلى كركوك".
مضيفاً إنّ "ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة الوفد العسكري الكردي لبغداد هو انشاء غرفة عمليات مشتركة في محافظات نينوى وكركوك وديالى، ومحاولة لملء الفراغ الأمني في المناطق المتنازع عليها".
المعارضة الشديدة للعرب والتركمان
في الوقت الحاضر، إن أهم المعارضين لعودة البيشمركة إلى كركوك هم العرب والتركمان الذين يعيشون في هذه المحافظة ، حيث احتجت هاتين المجموعتين القوميتين مرارًا وتكرارًا على إدارة أمن كركوك من قبل الأكراد منذ بداية 2003 إلى 2017 ، وفي الوقت الراهن أعربتا عن عدم رضاهما على الاطلاق عن قرار الكاظمي ، وفي هذا الصدد ، أعلن الممثلون العرب والتركمان من جمعية محافظة كركوك في بيان مشترك لهما ما يلي:
"نحن ممثلون العرب والتركمان نرفض بشدة هذا الإجراء الذي قامت به القيادة العامة للقوات المسلحة ، والذي تم بالاتفاق مع إقليم كردستان ، دون الرجوع الينا ونحن لدينا ذكريات سيئة عن وجود هذه القوات في المحافظة ، حيث دمرت هذه القوات عشرات القرى بعد تحريرها من داعش ، ونحن نذكر بأن وجود هذه القوات سيضر بالسلام والاستقرار والأمن الداخلي الذي تحقق بعد تنفيذ عملية تطبيق القانون في كركوك عام 2017."
الكاظمي في ظل السقوط والضغط المضاعف
إذا جمعنا الإدارة السياسية والتصرفات السياسية لمصطفى الكاظمي معًا كقطع من الأحجية ، يبدو أن ما يظهر هو صورة لمسير هابط ومنحدر ، حيث انه ومنذ تشكيل الحكومة الوطنية العراقية عام 1923 ، حتى الان كانت قضية كركوك موضع جدل كبير بين الفاعلين المحليين والإقليميين وحتى فوق الإقليميين ، وفي السنوات التي تلت عام 2003 ، كان يُشار إلى كركوك بوضوح باسم "برميل البارود" وعامل لوقوع حرب أهلية في العراق.
وبينما نرى هدوءً نسبيًا يسود المحافظة مع إعادة سيطرة الحكومة المركزية على كركوك ، فإن قرار الكاظمي يمكن أن يعيد إحياء أزمة كركوك ويسبب أزمة داخلية أخرى ، حيث تمضي عملية صنع القرار التي يتخذها رئيس الوزراء العراقي قدماً في اتجاه يبدو نحو إقالته من السلطة.