الوقت – العلاقات الإماراتية مع الكيان الإسرائيلي دائماً ما كانت تحت الطاولة ويحكمها نوع من السريّة، على الرغم من كل التقارير التي أكّدت مراراً على وجود علاقات متينة بين الكيان والإمارات، واليوم جهاراً نهاراً باتت العلاقات الإماراتية مع الكيان الإسرائيلي على الطاولة، وبات الغزل مُتبادل بين الطرفين على رؤوس الأشهاد، ليأتي اليوم وزير العمل والرفاه والخدمات الاجتماعية في الكيان الإسرائيلي إيتسيك شمولي ويُشيد بالإجراءات التي اتخذتها الإمارات في تطبيع العلاقات مع كيانه ويصفها بأنها بوابة الكيان الإسرائيلي للدخول إلى العالم العربي.
من الواضح أنّ مقال شمولي يأتي ردّاً على مقال يوسف العتيبة سفير الإمارات في واشنطن الذي رحّب به بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وعلى الرغم من اتخاذه موقفاً ضد مُخططات الضم المخطط لها في الضفة الغربية، غير أن التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب لن يكون مشروطاً بسياسة إسرائيل الخاصة بفلسطين، حسب ما أكّده العتيبة.
العلاقة بين الإمارات وبين الكيان الإسرائيلي يُمكن تشبيها بالزواج السري الذي حان موعد خروجه للعلن، بعد أن تعب الزوجان من حالة السريّة، أما أسباب خروج هذا الزواج للعلن هو التفاهم الذي الكبير الذي حصل على مدار عدّة سنوات بين الطرفين، وبات من غير المُمكن بقاء هذه العلاقات طي الكتمان.
ومن أبرز أسباب الترويج للعلاقات بين الطرفين هو ما أكّده إيتسيك شمولي حول وجود عدة اتفاقيات سلام مهمة بين الكيان الإسرائيلي والأردن ومصر، إلى جانب العلاقات مع دول المنطقة، وقال إن هذا يمكن أن يكون حلماً بالنسبة للكيان الإسرائيلي بإقامة علاقات علنيّة مع دول المنطقة بالإضافة لرغبة الكيان للاستثمار في الدول النفطيّة الغنيّة، حيث أكّد شمولي: "نتشارك الفرص ونتعامل مع الأخطار ذاتها، يجب على الكيان الإسرائيلي وضع معايير عملية لمنع الوضع من التفاقم" قاصداً بذلك تجميد العلاقات الحاصل مع عدد دول المنطقة التي ترفض الاعتراف بهذا الكيان.
وبالنظر إلى العلاقات العلنيّة بين الكيان الإسرائيلي والإمارات فإنّها تأتي بعد سنوات من التنسيق تحت الطاولة أو عبر وسطاء، غير أنّه وفي العام 2012 التقى رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو بوزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد في أحد فنادق نيويورك، وذلك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وناقشوا بشكلٍ مباشر وشخصي تطوير العلاقات بين الجانبين.
أكثر من ذلك؛ يُحاول الكيان الإسرائيلي تطبيع العلاقات مع الدول الخليجية بهدف زيادة حلفائه في مواجهة عدو الكيان الإسرائيلي التقليدي، وهو إيران، وعلى هذا الأساس كان التعاون الأول بين الإمارات والكيان الإسرائيلي ولأول مرّة وبشكلٍ علني في العام 2009، وذلك بعد فترة وجيزة من تنصيب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث تعاونت حكومة الكيان الإسرائيلية والحكومة الإماراتية في الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أقوى ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
أما السبب المهم الآخر الذي جمع الطرفان وأجبرهما على إعلان علاقتهما هو الشعور المُشترك تجاه الربيع العربي، ودعم الثورات المضادة من قبل الطرفين كما في مصر وليبيا والسودان، ناهيك عن موقف الطرفين من الإسلام السياسي ومحاربته بشراسة، حيث يخشى الكيان الإسرائيلي ومنذ فترة طويلة حركة الإخوان المسلمين، حيث يعتبر الكيان والإمارات القوة المتزايدة للإسلاميين بعد الثورات مصدر قلق أمني كبير.
وعلى سبيل المثال ففي برقية أمريكية مسربة، نُقل عن ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، تحفظاته القوية بشأن الانتخابات في الشرق الأوسط، ليؤكد أن وجود الديمقراطية في المنطقة من شأنه تمكين الإخوان المسلمين وحماس وحزب الله من الوصول إلى السلطة، وهو الأمر الذي صرّح به مراراً وتكراراً سياسيون ومحللون في الكيان الإسرائيلي.
أكثر من ذلك؛ فإنّ العلاقات العسكرية بين الكيان الإسرائيلي والإمارات لا تقتصر على الأعمال التجارية أو السياسية كما تُحاول الإمارات أنّ تُشيع، بل تعدّاه الأمر ليصل التنسيق والتعاون إلى التدريبات العسكرية المشتركة وتبادل المعلومات الاستخبارية، فقد تم تعيين عسكريين وأمنيين يتبعون لوزارة الدفاع بالكيان الإسرائيلي وبعد تفرغهم أو تقاعدهم بمناصب عليا في الشركات العسكرية والأمنية الإماراتية.
وفي النهاية، يبدو الهدف الأساس من التقارب الإماراتي مع الكيان الإسرائيلي هو ما أعلنه شمولي ذاته، ليؤكد أنّ الهدف من التقارب مع الإمارات هو لتأخذ الإمارات زمام المبادرة وتعود بالفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات وتحت إشراف أمريكي وبدعم من الإمارات والدول التي تسعى للتطبيع مع الكيان، والسبب برأيه أنّ "صفعة القرن" لديها القدرة على التوصل إلى حل وسط بين الكيان الإسرائيلي والفلسطينيين حسب ما يزعم.