الوقت- قبل أيام قليلة، وبعد تصريحات الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" التي أدلى بها بين أعضاء حزب العدالة والتنمية حول الحاجة إلى مراقبة وإنشاء آليات مناسبة لفرض قيود جديدة على مواقع التواصل الاجتماعية في البلاد، أصبحت قضية حرية التعبير مرة أخرى مشكلة تؤرق الرأي العام التركي. وحول هذا السياق، قال الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، إن "أنقرة ستضع قواعد للتحكم بمنصات التواصل الاجتماعي أو إغلاقها، وجاء ذلك عقب تصريح له قال فيه إن عائلته تعرّضت للإهانة على الإنترنت". وفي حديثه لأعضاء حزب العدالة والتنمية الحاكم، يوم الأربعاء الماضي، أكد "أردوغان" أن الحزب سيقدّم لوائح جديدة لمراقبة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، مضيفا أن زيادة "الأعمال غير الأخلاقية" على المنصات في السنوات الأخيرة ترجع إلى عدم وجود قواعد تنظيمية. وأضاف: "هذه المنصات لا تليق بهذه الأمة. نريد إغلاقها ومراقبتها عن طريق طرح (مشروع قانون) على البرلمان في أقرب وقت ممكن". وذكر أن شركات التواصل الاجتماعي ستضطر إلى تعيين ممثلين في تركيا للرد على المطالبات القانونية، التي قال إنه يتم تجاهلها حاليا. وتابع أردوغان: "نحن عازمون على القيام بكل ما يلزم حتى يكون لمنصات وسائل التواصل الاجتماعي تمثيل مالي وقانوني في بلدنا. سنطبق الحجب والعقوبات القانونية والمالية بعد الانتهاء من اللوائح".
وعلى صعيد متصل، قال الرئيس "إردوغان" عن منصات التواصل الاجتماعي، "لماذا (اليوتيوب)؟ لماذا (تويتر)؟ لماذا (نتفليكس)؟ هل تفهمون ماذا يعني أن نكون ضد منصات التواصل الاجتماعي...؟! لهذا السبب لا بد أن ننقل هذا الموضوع إلى البرلمان في أقرب وقت ممكن. ونريد من البرلمان أن يزيل ويسيطر على قنوات التواصل الاجتماعي بشكل كامل". وبخلاف واقعة ابنة الرئيس التركي، شهدت تركيا جدلاً آخر حول واقعة البث المباشر لـ"إردوغان" عبر يوتيوب، في لقائه مع الشباب التركي عشية امتحانات القبول الجامعي، حيث وضع عشرات الآلاف من المتابعين للبث علامة عدم الإعجاب، وعلقوا بتحدي إردوغان بتعليقات مثل: "لن نصوت لكم مرة أخرى"، و"موعدنا صناديق الاقتراع". وانتشر هاشتاغ على تويتر: "لا تلمس وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا"، وشارك فيه عدد كبير من قياديي الأحزاب المعارضة والسياسيين المعارضين.
ونشر الحساب الرسمي لـ"إردوغان" على تويتر خطابه حول منصات التواصل الاجتماعي في تركيا، ثم قام بحذفه، بعد توالي التعليقات الساخرة. وحدث الارتباك ذاته في وكالة الأنباء التركية الرسمية؛ فعند نشر خطاب "إردوغان" على حسابه في تويتر، نشرت الوكالة تغطيتها للخطاب، وحين حذف المنشور حذفت الوكالة تغطيتها، ثم عادت ونشرت التغطية مرة ثانية بعد إعادة المنشور على تويتر. وسخرت المعارضة التركية من تلويح "إردوغان" بإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، وقالت رئيسة حزب الجيد "ميرال أكشنار" في تغريدة على تويتر: "إذا أغلقت منصة نتفليكس قبل انتهاء مسلسل Dark فسأكون مستاءه جداً"، ليرد عليها الرئيس التركي قائلاً: "هم يشاهدون الأفلام والمسلسلات، ونحن مستمرون في كتابة التاريخ وخدمة المجتمع"، قبل أن تعقب "ميرال أكشنار" بتغريدة تحمل صورة للرئيس وزوجته أمينة إردوغان أثناء احتفالهما بمسلسل أرطغرل التركي في موقع تصويره معلّقة: "هل أنت متأكد؟!".
ومن جهته، علق "كليتشدار أوغلو" على تغريدة "أكشنار" بشكل ساخر، قائلاً: "حقاً يا سيدة ميرال، من شغفك هذا ستجعلينه يحرق لك المسلسل". وعلق المرشح السابق للرئاسة التركية من حزب الشعب الجمهوري، "محرم إينجه"، على تصريحات الرئيس التركي قائلاً في سلسلة تغريدات عبر تويتر: "ليس لدينا المزيد من القنوات للتعبير عن أنفسنا سوى وسائل التواصل الاجتماعي؛ فالصحف والتلفزيونات تحت سيطرة الحكومة". ومن جانبه، قدّم رئيس حزب الحركة القومية الحليف لحزب العدالة والتنمية دعمه لحديث "إردوغان" عن فرض ضوابط على منصات التواصل الاجتماعي قائلاً إنه سيغلق حسابه في تويتر. وأضاف: "وسائل التواصل الاجتماعي تعني الإرهاب للناس وللمجتمع. لهذا السبب، أعلق شخصياً حساباتي على وسائل التواصل الاجتماعي بالكامل حتى يتم الاستخدام النظيف لوسائل الإعلام الاجتماعية والتنظيم القانوني بشأن هذه المسألة في البرلمان التركي؛ لن أستخدم حساب تويتر ولا فيسبوك، مرة أخرى، حتى ينتهي التلوث المرعب والعنيف على وسائل التواصل الاجتماعي، وبذلك فأنا أؤيد بالكامل اقتراح القانون الذي سيطرح على البرلمان التركي". وقبل يومين، كتب "سميح يالك ین"، المعروف بالرجل الأيمن لحكومة "باغشالي"، على حسابه على تويتر: "سيستمر هذا حتى تتم إزالة الافتراءات والمنافقين والمبتذلين من وسائل التواصل الاجتماعي". يذكر أن تصريحات قادة حزب الحركة القومية، جاءت في الوقت الذي لم يطلب فيه حزب العدالة والتنمية المساعدة منهم بشكلاً رسمياً.
وفي المقابل، وصفت المعارضة "أردوغان" وحزب العدالة والتنمية والإجراءات المستقبلية المحتملة، بأنها خطوة للحد من الحريات المدنية وحرية التعبير في البلاد. ويقول العديد من النقاد إن الحزب الحاكم سيطر على جميع وسائل الإعلام المرئية والصحافية ولا يسمح بسماع أي أصوات جديدة، معتقدين أن الحزب الحاكم يتحرك الآن نحو فرض قيود من أجل إغلاق أفواه النقاد في البلاد. ويعتقدون أن "أردوغان" متوتر من إهانة ابنته على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا أن جيشه الإلكتروني وجه الكثير من الإهانات للمعارضة، وكان المثال الأكثر وضوحا لهجماتهم تلك، هو الهجوم على زوجة "صلاح الدين دميرتاس". ويمكن القول أن قوة المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي، تسببت في انزعاج "أردوغان" وفريقه كثيراً.
وفي بيان مكتوب انتقدت نائبة رئيس حزب الشعب الجمهوري "غوكتشه غوكتشن" تصريحات أردوغان، وقالت: "أولئك الذين حاولوا الظهور بهيئة اللطيفين مع الشباب يحاولون إغلاق وسائل التواصل الاجتماعي عندما رأوا أنهم غير محبوبين وأنهم لن يكونوا محبوبين أبدًا". وأضاف البيان "الشباب يريدون حياة حرة ووظائف آمنة وبلدا يحلمون به، نصف المجتمع يتكون من الشباب، والشباب لا يريدون السياسيين الذين يحكون لهم قصصاً طويلة، ويحدون من حريتهم، لكن الناس في القصر الرئاسي منفصلون عن الشعب، لدرجة أنهم يصرون على إغفال الحقيقة بدلاً من رؤيتها".
ويرى الصحفي التركي "مايكل ماكنزي"، أن الدور المحوري الذي لعبته وسائل التواصل الاجتماعي في احتجاجات عام 2013، أقنعا الحكومة بالحاجة لإحكام قبضتها على الإنترنت، مشيرًا إلى أنه خلال عام 2014، جرى تمرير مشروع قانون شامل، وضع إطار العمل لمزيد من السيطرة الحكومية على الإنترنت، ووصفه النشطاء وقتها بأنه بداية النهاية لحرية الإنترنت في تركيا. وأضاف في مقال له، أن مشروع القانون كان تحديثًا للتشريعات التي شملها قانون للإنترنت عام 2007، وكان القانون جاء بالفعل بعد حملات متقطعة على حرية الإنترنت استمرت لسنوات؛ فقد جرى حظر يوتيوب لفترات طويلة، وكانت المواقع الإلكترونية الكردية تتعرض للحظر من آن لآخر.
وعلى صعيد آخر، كشفت مؤسسة "برتلسمان" الإعلامية الألمانية الرائدة، آخر تحديثات مؤشرها الخاص بالتحول الديمقراطي لدول العالم، واضعة تركيا ضمن الدول "المتوسطة الاستبداد" لتحل في المركز 77 بين 137 دولة حول العالم، مشيرة إلى أن النظام في تركيا ديكتاتوري بأمر الواقع. وأشارت المؤسسة إلى أن السبب وراء ذلك التصنيف المنخفض فرض القيود على الصحافة، وانتهاك حقوق الإنسان وتعليق الفصل بين السلطات. ولفت التقرير إلى أن تركيا بدأت تشهد راديكالية في العلاقات الدولية والسياسات الداخلية، مؤكدة أن التطورات الأخيرة تجعل من غير الممكن وصف تركيا على أنها ديمقراطية.
لذلك، يمكن القول أن شبكات التواصل على الإنترنت أصبحت بديلاً مهماً في مجال حرية التعبير في تركيا، ومع تطبيق القوانين التقييدية على هذه المجالات، ستصبح مساحة حرية التعبير في هذا البلد محدودة بلا شك.