الوقت- في الوقت الضائع، علمت السلطة الفلسطينية بوجود العديد من الدول التي تهدف إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي (والتي رُبّما قد طبّعت بالفعل)، أو أنّها كانت تنتظر الفرصة المُناسبة لإعلان ذلك التطبيع على الملأ العام، وأنّ مشروع الضّم برمّته ربما مشروع تطبيعي ولا يهدف إلى ضم المستوطنات الموجودة في الضفة الغربيّة، حيث حذّر أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وكبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات من خطوات عربية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، مقابل سحبها مخطّط الضم الذي يُهدد به الكيان.
التطبيع مقابل إيقاف الضم
لا يخفى على الفلسطينيين تهافت بعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، كما لا يخفى عليهم الزيارات المُتبادلة بين ساسة تلك الأنظمة وساسة الكيان الإسرائيلي، الأمر الذي أجبر السلطة الفلسطينية التي آثرت في وقتٍ ما الانضمام لمحور تلك الدول أملاً بقليل من الأموال التي تُساعدها في تأمين رواتب موظفيها، لتتحوّل تلك الأموال لاحقاً إلى مصدر لابتزاز الفلسطينيين للقبول بإملاءات تلك الدول التي تهدف إلى تطبيع علاقاتها "بشكلٍ علني" مع الكيان الإسرائيلي، ولا تستطيع فعل هكذا أمر دون وجود تطبيع فلسطيني.
تلميحاً لا تصريحاً؛ هاجم اليوم المُفاوض الفلسطيني العريق صائب عريقات بعض الدول التي باتت تلهث وراء تطبيع علاقاتها مع الكيان الإسرائيلي لتحقيق مكاسب مرحليّة، أو أهداف اقتصادية ضيّقة، ولا سيما الإمارات والسعودية، وهما الدولتان اللتان لم تُضيّعا أيّ فرصة لتطبيع علاقاتهما مع الكيان الإسرائيلي، وآخر خطط التطبيع هو ما كتبه سفير الإمارات في أمريكا يوسف العتيبة، والذي رفض وبشكلٍ قاطع تطبيع علاقات بلاده مع الكيان الإسرائيلي ما دام الكيان الإسرائيلي مُصرّاً على تطبيق خطط الضم.
عريقات وبشكلٍ جيّد فهم ما ترمي إليه الإمارات، ليخرج مؤكداً أنّ من يتحدث أنه إذا تراجعت إسرائيل عن الضم، سنطبع العلاقات معها، "خطأ" لأن لدينا مبادرة السلام العربية التي تقول إن التطبيع يأتي إذا انسحب الكيان الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967، والجولان، وحُلّت قضية اللاجئين، حسب تأكيده.
زيت ونار
خفيّاً ومُبطّناً كان تهديد صائب عريقات لنتنياهو وساسة الكيان الإسرائيلي؛ إذ أكد أنّه وفي حال تنفيذ مشروع الضم فإنّ السلطة الفلسطينية ستُدمر، وسيكون نتنياهو مسؤولا حتى عن جمع القمامة في بلدات الضفة ومسؤولاً عن كل شيء، ما لم يقله عريقات بالتأكيد وصل إلى ساسة الكيان، ومفاده أنّ عملية الضّم هذه ليس أكثر من وضع للزيت بجانب النار، كما أنّها وصفة سحرية لمزيد من العنف والاقتتال، وسيعود بالمقاومة الفلسطينية مرّة أخرى للوقوف بوجه آلة الكيان العسكرية.
أكثر من ذلك؛ من المؤكد أنّ تحذيرات جهاز الأمن الداخلي في الكيان الإسرائيلي (الشين بيت) وصلت لأسماع نتنياهو، حيث أكدت تلك التحذيرات أن عملية الضم من جانب واحد ستؤدي إلى موجة من العنف، ونتنياهو يعلم جيّداً أنّ جيش الكيان الإسرائيلي غير قادر على تنفيذ عملية الضم، فهو لا يملك لا القوّة ولا العدد المناسب لتنفيذ هذه الصفقة ولا يُمكّنه تعداده من الانتشار على كل الأراضي الفلسطينية التي ومن المؤكّد أنّها ستشهد عمليات عسكرية بين المقاومة الفلسطينية وذلك على طول المحاور الموجودة في الضفة الغربية وغور الأردن، ناهيك عن الحاجة لحماية المستوطنات المعزولة والموجودة بين أراضي الفلسطينيين، والتي سيكون استهدافها يومياً من قبل المقاومة.
وأخيراً، وكما يقول المثل أن تأتي مُتأخراً أفضل من أن لا تأتي، وعلى هذا وقد علمت السلطة الفلسطينيّة أنّها وحيدة في هذا الصراع إلّا من بعض القوى الإقليمية التي فضّلت ومنذ زمن خيار المقاومة على خيار الاستسلام، وهنا ينبغي على حركة فتح والسلطة الفلسطينية برمّتها أن تعود إلى الشارع وترفع شعار المقاومة بعد أن شاهدت وبأمِّ عينها فشل جميع مبادرات السلام، وأنّ القضيّة الفلسطينية ومن دخولها نفق المفاوضات سارت من سيء إلى أسوأ، ومنذ بدء تلك المفاوضات لم تجنِ السلطة الفلسطينية إلّا الهزائم التي يتلوها هزائم، ولم يحصل الفلسطينيون إلا على الخيبات منذ البدء بتفاهمات أوسلو قبل سبعٍة وعشرين عاماً، واليوم تعود الحالة الثوريّة للقضيّة الفلسطينية إلى أوجها وتُشرّع سياسات الكيان الإسرائيلي المُتهوّرة الباب أمام تصحيح مسار وبوصلة الفلسطينيين، كما أنّه يفتح الباب أمام المقاومة الفلسطينية للبدء بعمل مقاوم فعلي على أراضي الضفة الغربية والعودة بالقضيّة الفلسطينية إلى أوجها بعد أن أسكتت المُفاوضات أصوات البنادق الحامي والحارس الفعلي للقضية الفلسطينية.