الوقت - على الرغم من تخفيف التوترات والهدوء النسبي في التطورات الميدانية في العراق بعد تنصيب "مصطفى الكاظمي" رئيسًا للوزراء، ولکن في صباح 26 يونيو 2020 انتشرت أنباء عن عملية مشتركة لقوات مكافحة الإرهاب العراقية والعسکريين الأمريكيين ضد كتائب حزب الله العراقي.
وبحسب المصادر العراقية، فقد هاجمت وحدات من قوات مكافحة الإرهاب العراقية، وبمساعدة القوات الأمريكية، مقر اللواء 45 التابع لحزب الله العراقي في منطقة "البوعيثة" في جنوب شرق بغداد.
وفي هذا الصدد، تم نشر بعض الإحصاءات التي تحدثت عن اعتقال ثلاثة من قادة كتائب حزب الله العراقي في هذا الهجوم. وقدرت بعض المصادر عدد المعتقلين بـ 13شخصاً.
قوبل هذا الحادث على الفور برد فعل عنيف من السياسيين العراقيين، حيث دعا "نوري المالكي" زعيم ائتلاف "دولة القانون" في رسالة على تويتر، رداً على اعتقال أعضاء في حزب الله العراقي، إلی احترام قوات الحشد الشعبي.
وكتب قائلاً: إن " الحشد الشعبي قائد النصر وعنوان لقوة الشعب والدولة، وعلينا احترامه وحفظ هيبته، ولا يجوز الاعتداء عليه أو الانتقاص منه. الدولة دولتنا وقوات "مكافحة الإرهاب" أبناؤنا الذين نعتز بجهادهم وبسالتهم ولا يجوز الانتقاص منهم ومن كل قوة وطنية للدولة".
في هذه الأثناء، النقطة التي لا يجب تجاهلها هي أن خطة الولايات المتحدة تتمثل في الفصل وخلق الفرقة بين القوی العسکرية العراقية. وهذا يعني أن القوات الموجودة في الحشد الشعبي، الذي يضم أكثر من 40 مجموعة وفصيل، تتخندق في جانب، والقوات العسكرية العراقية مثل الشرطة والجيش العراقي وكذلك قوات مكافحة الإرهاب، في الجانب الآخر.
لقد كانت الجهود المبذولة لإضفاء الطابع المؤسسي على هذه المواجهة وترميزها من قبل الأمريكيين واضحةً في السنوات الأخيرة، وحتى أن الأمريكيين ولتنفيذ هذا السيناريو قد وضعوا على جدول أعمالهم فرض عقوبات واعتبار الفصائل المنضوية في الحشد الشعبي عناصر إرهابية.
ومع أخذ ذلك في الاعتبار، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي أهداف واشنطن من التخطيط لهذا السيناريو؟ وإلى أي مدى ستنجح هذه الدولة في تحقيق أهدافها؟
أهداف الولايات المتحدة من بث التفرقة في صفوف الجيش العراقي
في تحليل وتقييم أسباب الولايات المتحدة لخلق الانقسامات والتفرقة بين الجيش العراقي، يمكننا أن نذكر عدة أسباب مهمة، وأهمها هي:
1 – لقد كان الحشد الشعبي أهم قوة في مكافحة الإرهاب في العراق، في الماضي وكذلك في الوضع الحالي. وفي السنوات التي شهدت ذروة صعود داعش، كانت قوات الحشد هي التي أحبطت مؤامرة الولايات المتحدة لتدمير البلاد والحكومة العراقية بتضحيات لا تعد ولا تحصى.
کذلك، خلال مؤامرة الولايات المتحدة لتقسيم العراق دعماً لاستفتاء استقلال الأکراد في الشمال، كانت قوى الحشد الشعبي هي التي نجحت في إنهاء خطة تقسيم البلاد. أيضاً، في الأشهر الأخيرة، استطاعت قوات الحشد الشعبي إفشال مؤامرة واشنطن وشركائها الإقليميين لإحياء داعش، عبر تنفيذ عدة عمليات.
وفي المجموع، خلص الأمريكيون إلى أن أي محاولة منهم لزعزعة استقرار العراق ستُحبط من قبل الحشد الشعبي. ولذلك، يسعون في المرحلة الأولی إلى إضعاف الحشد الشعبي من خلال تعريفه كمنافس للقوات العسكرية العراقية، وخلق الأرضية لحله تدريجياً.
2 - ومن جهة أخرى، توصل الأمريكيون إلى استنتاج خلال السنوات القليلة الماضية، بأنه ليس لديهم مستقبل في العراق ما بعد داعش، والشعب العراقي سينبذهم قريباً خارج المعادلة. وفي مثل هذه الأجواء، تحاول واشنطن خلق التفرقة والانقسام بين التيارات السياسية والعسکرية العراقية، مما يمهد الطريق لبقائها في العراق.
وفي هذه الأثناء، يدرك الأمريکيون بوضوح أن قوات الحشد الشعبي هم أهم المعارضين لاستمرار وجود القوات الأمريكية في البلاد؛ ونتيجةً لذلك، يحاول الاستراتيجيون الأمريكيون عزل وإضعاف الحشد الشعبي باعتباره منافسهم الرئيسي.
3- السبب الآخر لقيام الولايات المتحدة بإحداث الانقسام بين القوات العسكرية العراقية، هو المحاولة لعدم تعزيز وتقوية الجيش العراقي. حيث من الواضح أنه كلما كان الجيش العراقي أكثر تماسكًا وقوةً، كلما زاد الاستقرار السياسي والاجتماعي في العراق من جهة، وزالت الحاجة إلى استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق من جهة أخری.
وفي مثل هذه الأجواء، يبدو أن واشنطن تنوي استخدام أي سياسة لإضعاف الجيش العراقي، وفي هذا الصدد فإن إثارة الانقسام بين الحشد الشعبي والقوات العسكرية للجيش العراقي، يمكن أن يكون هو الخيار الأكثر سهولةً.
وبناءً على ذلك، فإن الهدف الرئيسي لواشنطن هو انتزاع الشرعية من الحشد الشعبي ومحاولة حل هذه القوة من قبل البرلمان والحكومة العراقية. لكن جهود واشنطن تأتي في وقت ترتكز فيه الإرادة العامة للتيارات السياسية وكذلك المواطنين العراقيين، على الحماية والدفاع الكاملين من طبيعة الحشد الشعبي.
لأنه من منظور الرأي العام العراقي، ليست قوات الحشد الشعبي غير قانونية فحسب، بل هم أيضًا أبطال وطنيون دافعوا ببسالة عن وحدة أراضي البلاد وأمنها في الحرب ضد داعش.
وبالإضافة إلى ذلك، بموجب قرار البرلمان العراقي في عام 2016، تم الاعتراف بقوات الحشد الشعبي كجزء من بنية الجيش العراقي، وتخضع أنشطتها لإشراف رئيس الوزراء بوصفه القائد العام للقوات المسلحة.
وعلى الرغم من أن الحشد الشعبي قد اتخذ في ساحات القتال موقفاً مستقلاً إلى حد ما في القتال ضد أعداء الشعب العراقي، ولکنه كان دائماً خاضعاً للقانون والأوامر العسكرية العليا، في تحديد سياساته الرئيسية على المستوى الاستراتيجي.
وبشكل عام، تظهر الملاحظات المقدَّمة أن قوات الحشد الشعبي هي قوة قانونية وجزء من الجيش والقوات العسکرية العراقية، والمحاولات الأمريکية لانتزاع الشرعية من الحشد والعمل علی حل هذه القوات، لن يکتب لها النجاح ولن يکون لها مستقبل إيجابي.