الوقت- في حين أن الأزمة السورية ، وصلت الان مع الانتقال الناجح لدمشق وحلفائها من مرحلة التثبيت العسكري بسبب وجود الإرهابيين الأجانب ، إلى مرحلة التحدي المتمثل في إعادة الاعمار وتعقيد العملية السياسية ، وإن أحد أهم القضايا هو كيفية مواصلة التعاون العسكري مع الدول الداعمة ، خاصة فيما يتعلق بالاتفاقيات الأمنية ، والتي أصبحت ثغرة لاستمرار الضغط الإعلامي الغربي على دمشق وفرصة لتمهيد أجواء الخلاف والفتنة بين دمشق وحلفائها.
وفي غضون ذلك ، أثارت خطوة الكرملين في الأيام الأخيرة لانتخاب مبعوث بوتين الخاص إلى سوريا بدلاً من السفير موجة من التكهنات الإعلامية حول نشوب نزاع بين روسيا وسوريا ، ومن ناحية أخرى ، ركزت وسائل الإعلام الغربية على وجهات نظر موسكو حول مستقبل التعاون بين دمشق وطهران ، وأحجية نوع تنظيم العلاقات مع طهران وتل أبيب بشأن القضية السورية ، وفي هذا الصدد ، تحدث موقع "الوقت التحليلي" مع "شعيب بهمن" ، الخبير في شؤون روسيا والقوقاز ، لمعرفة المزيد.
الوقت: السؤال لماذا عيّن بوتين سفيرًا استثنائيًا أو مبعوثًا خاصًا بدلاً من السفير الرسمي في دمشق؟ هل يجب أن تتلقى دمشق رسالة خاصة من هذا العمل؟
بهمن: كان لروسيا مبعوث خاص في سوريا في الماضي ، وهذا ليس حدثًا جديدًا ، حيث شغل هذا المنصب سيرجي ريابكوف آنذاك ، ومؤخرا كان السيد لافرينتييف ، كمبعوث بوتين الخاص لسوريا ، في مفاوضات مختلفة وكان هو المسؤول عن القضايا السورية ، وفي الوقت الحاضر ، بالنظر إلى أنه ربما لتحول الوضع في سوريا من مرحلة المواجهات العسكرية إلى مرحلة الأمن وإعادة الإعمار ، فإن الشخص الموجود بشكل دائم ومتواصل في سوريا يمكن أن يكون أكثر فعالية في تتبع الأمور ، ونتيجة لذلك ، في الوضع الحالي حيث قد لا تكون هناك حاجة لاجراء عدد كبير من الرحلات الخارجية لمبعوث بوتين الخاص للتشاور بشأن مختلف القضايا السورية في الخارج ، وإذا كانت جميع الاختيارات في يد شخص مقيم في سوريا ، فيمكنه أن يكون أكثر كفاءة ، لذلك ، بالنسبة للروس ، دخلت سوريا مرحلة جديدة من عصرها ، والتي يمكن تسميتها مرحلة إعادة الإعمار ، وفي هذه المرحلة ، لكي تكون روسيا قادرة على أن تكون أكثر قوة في هذا المجال ، تحتاج إلى تعزيز تناغم سياساتها أكثر.
وفي حالة الممثل الخاص نفسه ، كما ذكرنا سابقاً ، فإن تعيين ممثل من قبل رئيس روسيا لمختلف الشؤون الداخلية والخارجية هي مسألة مسبوقة ، وبالنسبة لسوريا ، نظرا لأهميتها في السياسة الخارجية لروسيا ، كان المبعوث الخاص لموسكو فعالاً منذ نشأت الأزمة السورية ومنذ بداية التواجد العسكري الروسي في سوريا وهذه ليست قضية جديدة ، لذلك فهذا الاجراء لا يحتوي على رسالة محددة وخاصة لدمشق.
الوقت: هل ينظر الكرملين ، كما تدعي وسائل الإعلام الغربية ، إلى بشار الأسد على أنه بطاقة محترقة ويجب أن ينأى بنفسه عنها في المستقبل من أجل حماية مصالحه في سوريا؟
بهمن: إن ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية والعربية في الأسابيع الأخيرة حول تغيير النظرة الروسية لبشار الأسد يعتمد بشكل أكبر على نوايا تلك الدول أكثر من واقع الامر ، بالإضافة إلى الحرب النفسية التي تشن ضد موسكو ، وفي السنوات الأخيرة ، شهدنا العديد من موجات الحرب النفسية ضد الوجود العسكري الروسي في سوريا ، والتعاون الروسي السوري ، والتعاون الإيراني الروسي في الأزمة السورية ، حتى انه هذه المرة ، من أجل جعل الحرب النفسية أكثر تصديقًا ، قام بعض الهكر مؤخرًا باختراق موقع الفكر الروسي لمجلس العلاقات الخارجية ، ونشروا فيه مقالاً نُسبت إلى رئيس المجمع الفكري ، بعنوان تغيير سياسة روسيا في سوريا ومحاولة موسكو لاستبدال بشار الأسد.
في حين يمكن تحليل هذه الإجراءات على شكل حرب نفسية ضد روسيا ، كما أن الروس أنفسهم صرحوا مرارًا وتكرارًا صراحة أنهم لم يغيروا سياستهم في سوريا ، وفي الوقت نفسه ، لا ترى روسيا في ظل التطورات والأحداث الحالية ولا حتى الدول الغربية بديلاً لبشار الأسد داخل سوريا ، حيث أن جميع الحكومات والأطراف التي تحدثت ذات مرة عن ضرورة تنحي بشار الأسد ، لم تعد تريد ذلك الان ، لأنهم يدركون أن كلاً من الهيكل السياسي والجو السياسي في سوريا بحيث انه لا يوجد حاليًا بديل واضح للأسد.
ونتيجة لذلك ، ليس فقط سياسة الروس ولكن سياسة أي دولة لن تكون تغيير النظام السياسي وتغيير شخصية الرئيس السوري ، لذلك ، من وجهة نظر موسكو ، فالأسد ليس بطاقة محترقة على الاطلاق وسيستمر في العمل كرئيس شرعي لسوريا ، وسيحدد مستقبله من خلال الانتخابات المقبلة.
الوقت: بشكل عام ، إلى أي مدى ستغير روسيا من استراتيجيتها في سوريا؟
بهمن: لا يوجد تغيير جاد في استراتيجية روسيا الكلية في سوريا ، ولكن كما ذكرت سابقاً ، بسبب انتقال سوريا من المرحلة العسكرية إلى مرحلة إعادة الإعمار ، باستثناء منطقة إدلب ، التي لا تزال تعتبر منطقة توترات عسكرية ولم يتم إيجاد حل لها ، فقد حققت سوريا استقرارًا نسبيًا الان ، ونتيجة لذلك ، يدرك الروس جيدًا أنهم إذا لم يشاركوا بجدية في عملية إعادة الإعمار ، فسوف يتخلفون عن المنافسين الأجانب ، لكن هذا الامر لا يعني تغييرًا في الاستراتيجية المستقبلية لموسكو في سوريا.
الوقت: القضية الاخرى هي التحالف بين موسكو وطهران في سوريا ، فما رأيك في مستقبل التعاون الإيراني الروسي في سوريا؟
بهمن: في المقام الأول ، يجب أن نلاحظ أنه على الرغم من وجود تعاون عسكري واستخباراتي وسياسي وأمني واسع النطاق بين روسيا وإيران في سوريا ، فإن هذا لا يعني أننا نتشاطر وجهة نظر مشتركة حول جميع القضايا ، ولكن كلا من إيران وروسيا تعاونتا في الدفاع عن النظام الشرعي في سوريا ، ومكافحة الإرهاب ، وتقييد الطموحات الغربية وبعض الدول العربية في سوريا ، لذلك ، الحقيقة هي أنه كان هناك اختلاف في الرأي منذ البداية بين طهران وموسكو ، كما ان كل جانب سعى لتحقيق أهدافه الخاصة ، فإيران على سبيل المثال ، ترى سوريا في سياق وحدة محور المقاومة والحفاظ على دمشق كجزء من هذا المحور ، لكن الروس يضعون سوريا في معادلاتهم الجيوسياسية والجيو استراتيجية في العالم ، وإن حرب إيران ضد الإرهاب ، علاوةً عن جرائم هذه الجماعات ، تقوم على خلافات أيديولوجية مع التكفيريين وخطرهم على وحدة العالم الإسلامي ، بينما تشعر روسيا بالقلق من انتشار التطرف والإرهاب في البيئة الأمنية المجاورة لها وحتى داخل حدودها ، وينطبق الشيء ذاته على القضايا الإقليمية.
لذلك ، فعلى الرغم من حقيقة أن إيران وروسيا تشتركان في نفس الآراء حول العديد من القضايا والتعاون المكثف ، ولكن على الرغم من الاختلافات التي لا يمكن إنكارها ، لا يمكن تسمية هذه العلاقات باسم تحالف استراتيجي ، ومع ذلك ، لا ينبغي النظر إلى هذا على أنه صراع بين الجانبين في سوريا ، حيث انه أولاً ، ان التعاون في سوريا غير مسبوق في تاريخ العلاقات الإيرانية الروسية ، وثانياً ، بين جميع الجهات الفاعلة الحاضرة في التطورات السورية ، كان التحالف والتعاون بين طهران وموسكو أقرب التحالفات وأكثرها استقرارًا ، في حال ان التحالفات التي تموضعت في الجهة الاخرى مثل التحالف الأمريكي التركي ، والتحالف السعودي القطري والاتحاد الأوروبي ، جميعا انهارت وباءت بالفشل.
لذلك ، وخلافاً للتحليلات والحجج غير الواقعية ، فإن الاختلافات بين إيران وروسيا ليست على هذا النحو بحيث يحاول الجانبان استبعاد بعضهما البعض من التطورات السورية ، لكن طهران وموسكو يمكن أن تكونا منافسين جيدين في سوريا في مرحلة إعادة إعمار سوريا.