الوقت - منذ سقوط النظام البعثي حتی الآن، لم تكن عملية انتخاب رئيس الحکومة في العراق معقدةً ومتأزمةً إلی هذه الدرجة من الناحية السياسية، بحيث يخفق البرلمان في انتخاب رئيس للوزراء. فبعد استقالة عادل عبد المهدي من منصب رئيس الوزراء في نوفمبر 2019، لم تسفر الجهود العديدة للأحزاب السياسية لتحديد خلفه عن أي نتائج تذکر.
في البداية، تم تكليف محمد توفيق علاوي بتشكيل الحكومة، وعلى الرغم من الجهد الكبير، اضطر إلى الاستقالة بعد غياب النواب في جلسة منح الثقة للحكومة. ثم رشَّح "برهم أحمد صالح" رئيس العراق وفي خطوة شبه مستقلة "عدنان الزرفي" لتشكيل الحكومة، وبالطبع لم ينجح هو الآخر وسرعان ما ترك الساحة لشخص آخر. وأخيرًا، نرى أنه في 9 أبريل 2020، تم تکليف "مصطفى الكاظمي" بتشکيل الحکومة من قبل برهم صالح.
مسار التطورات ونوع رد فعل التيارات السياسية تجاه الكاظمي حتى الآن، يشير إلى أن الحكومة العراقية الجديدة ستُشكَّل على الأرجح بعد بضعة أشهر من الفراغ، وسيحصل خليفة عادل عبد المهدي على ثقة البرلمان، لأنه على الرغم من شهر من الوقت القانوني لتشكيل الحكومة، فإن معظم التيارات السياسية تعلن عن منح الثقة لتشکيلة الحکومة في الأيام القليلة المقبلة.
ومع ذلك، ما يثار الآن هو أن الكاظمي مع فوارق خاصة فيه عن الأشخاص الآخرين المکلفين بتشكيل الحكومة، هل يمكن أن يكون المنقذ للحكومة والحكم في هذا البلد أو لا؟
الإنتقال من الأزمة أسهل مما يُتصوَّر
بينما أمام مصطفى الكاظمي حتى 9 مايو 2020 لتشكيل الحكومة والحصول على ثقة البرلمان، تعلن معظم الأحزاب والشخصيات السياسية عن منح الثقة لحكومته في الأيام القليلة المقبلة قبل الموعد المحدد.
وفي هذا الصدد، شدد "سکر الدلفي" عضو مجلس النواب العراقي على أن معظم الأحزاب قد تركت مصطفى الكاظمي حراً في اختيار الوزراء المستقلين والمهنيين والخبراء، وأن حكومته من المرجح أن تحصل على الثقة في وقت أقرب مما كان مقرراً.
وفي موقف آخر، قال "بشار الكيكي" عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، إن حزبه يؤيد الإسراع في تشكيل الحكومة. وأضاف أن الأكراد يشکلون عاملاً في التوازن لتمكين رئيس الوزراء المکلف لاستكمال عملية تشكيل الحكومة.
لماذا الكاظمي مختلف ولديه فرص أكثر؟
على عكس المرشحين الآخرين لتشکيل الحكومة، فإن الكاظمي شخصية سياسية مستقلة، عمل كصحفي وناشط مدني بدلاً من المشاركة في السياسة والشؤون السياسية. في الواقع، إذا كان مرشحون مثل محمد توفيق علاوي وعدنان الزرفي لديهم خبرة سياسية كبيرة في الإدارة، فإن الكاظمي يفتقر إلى نقاط ضعف كبيرة في حياته السياسية.
هذا السياسي البالغ من العمر 53 عامًا، حتى بعد أن انتخبه حيدر العبادي رئيسًا لجهاز الأمن الوطني العراقي في 2016، لم يترك سجلاً سلبياً في هذا المنصب.
کما يدرك الكاظمي جيدًا ثقافة التسامح والحوار بين التيارات الرئيسية للهوية العراقية، وذلك بسبب العيش في مدينة كركوك المعروفة باسم العراق الصغير. ولذلك، بالنظر إلى كل هذه الجوانب، يمكن اعتباره مختلفًا عن السياسيين العراقيين الآخرين.
إن السمات الشخصية والسجل السياسي المختلف للكاظمي عن السياسيين العراقيين الآخرين، جعلاه أكثر شعبيةً بين التيارات السياسية وحتى الناس على جميع المستويات.
ونفس هذه السمات الشخصية المختلفة للكاظمي جعلت عملية التفاوض مع الأحزاب السياسية المختلفة لتشكيل حكومة جديدة، تخلو من وجود مفاهيم مسبقة أو معارضة فرد أو جماعة معينة.
وإذا كان محمد توفيق علاوي والزرفي معارضين لبعض الأحزاب، أو أثيرت تكهنات حول قربهما من الولايات المتحدة أو قوة سياسية محلية، فقد مر أقل من أسبوعين منذ ترشيح الكاظمي والبيئة السياسية والإعلامية العراقية لا ترى تكراراً لمثل هذه الشوائب، حول الشخصية السياسية للمرشح الجديد لمنصب رئاسة الوزراء، ولذلك فإن الأرضية مناسبة جداً له لتشكيل الحكومة.
تعبيد طريق الرئاسة علی المنطقة الخضراء من قبل الأكراد والعرب السنة
على صعيد آخر، من أهم القضايا التي أعطت الكاظمي المزيد من الشعبية والقبول، والتي أتاحت له الفرصة لتشكيل الحكومة، هي علاقاته الجيدة مع الأكراد والعرب السنة. وقد لعبت هاتان المجموعتان بالتأكيد أهم دور في إخفاق محمد توفيق علاوي في تشكيل الحكومة، ولكن نفس هاتين المجموعتين أيضًا أهم عامل مسهِّل لنجاح الكاظمي في تشکيل الحکومة.
بحيث منذ بداية ترشيحه لتشكيل الحكومة، أعلن العرب السنة والأكراد دعمهم له دون تأخير، وخلال الأيام القليلة الماضية لم تتضاءل هذه الرغبة والدعم فحسب، بل زادت. وبشكل عام، يمكن اعتبار دعم الأكراد والعرب السنة كضامن ومسهِّل لمسار تشکيل الحکومة من قبل الكاظمي.