الوقت- يعيش لبنان لحظات صعبة مثلما هو الحال بالنسبة للعالم أجمع بخصوص انتشار "فيروس كورونا" وتعمل الدولة اللبنانية على الحد من انتشار هذا الفيروس واحتوائه قدر المستطاع، وفي ظل تخييم رعب هذا الفيروس على العالم أجمع، خرجت للعلن قضية العميل اللبناني_الأمريكي عامر الفاخوري والتي بدأت تتحول إلى قضية "رأي عام" بعد محاولات قادتها الولايات المتحدة الأمريكية للضغط على أصحاب القرار في لبنان واخراج الفاخوري من قبضة العدالة واعادته إلى الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي كان بمثابة امتحان صعب للقضاء اللبناني، وحتى يوم الاثنين 16 آذار 2020، كان قرار المحكمة العسكرية الدائمة اسقاط التهم الموجهة ضد العميل الاسرائيلي الفاخوري، بناءً على أوامر أمريكية، ولكن هل رضخ لبنان والقضاء اللبناني لهذه الضغوط أم حدث طارئ ما؟.
في الأمس 17 مارس 2020 حصل تطور جديد في قضية العميل فاخوري، حيث أصدر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر قراراً بمنع سفر "جزار الخيام"، المتهم بارتكاب جرائم قتل ومحاولة قتل أسرى داخل سجن الخيام، وخطف وتعذيب آخرين خلال الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان قبل الانسحاب عام 2000، وذلك لمدة شهرين.
تحرّك القاضي مزهر أتى نتيجة استدعاء تقدّم به المحاميان حسن بزي وهيثم عزو بالوكالة عن الأسرى المحررين سهى بشارة (التي تعرف بزهرة الجنوب وهي التي حاولت اغتيال قائد "جيش لبنان الجنوبي" الموالي للاحتلال الإسرائيلي في العام 1988 أنطوان لحد)، وجهاد عواضة ورفاقهما، بعد ثبوت معلومات لدى المحامي بزي بخروج الفاخوري قبل أمس الاثنين من مستشفى سيدة الجبل فور إصدار المحكمة العسكرية قرارها بوقف التعقبات بحقه وتوجهه إلى السفارة الأميركية في عوكر (قضاء المتن)، حيث تمّ نقله بسيارة إسعاف مجهزة بطاقمٍ طبيّ لمواكبة حالته الصحية الدقيقة نتيجة إصابته بمرض السرطان.
الضغط الأمريكي أصبح ضدها وأصبح الساسة الأمريكيين يبحثون عن حل جديد لإخراج الفاخوري من لبنان، ولايوجد حل امامهم سوى اخراجه عبر طوافة عسكرية من قاعدة أمريكية، وهنا على السلطات اللبنانية التحرك لمنع حصول مثل هذا الامر.
تفاصيل القضية
في بداية فبراير/شباط الماضي، أصدرت قاضية التحقيق العسكري نجاة أبو شقرا، قراراً بحق الفاخوري اتهمته فيه بارتكاب جرائم قتل، ومحاولة قتل أسرى داخل سجن الخيام، وخطف وتعذيب آخرين، والتي تصل عقوبتها إلى الإعدام، وأحالت الملف إلى المحكمة العسكرية الدائمة لمحاكمته، أصدرت المحكمة العسكرية، برئاسة العميد حسين عبد الله، يوم الاثنين، حكماً قضى بكف التعقبات عن الفاخوري في قضية خطف مواطنين لبنانيين واعتقالهم وتعذيبهم داخل سجن الخيام، واعتبرت المحكمة، في حكمها الصادر، أن الجرائم المسندة إلى المتهم الفاخوري، لجهة تعذيب سجناء في عام 1998، سقطت بمرور الزمن، وقررت إطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بقضية أخرى.
موقف "حزب الله"
خلال الأسبوع الماضي، تسارعت الاتصالات بين جميع الأطراف، وعمد رئيس المحكمة العسكرية القاضي حسين العبدالله الى إبلاغ حزب الله أن هناك وجهة لدى قضاة المحكمة العسكرية بقبول الدفوع المقدمة من وكلاء الفاخوري، وأن أربعة من القضاة سيوافقون. ولكن موقف حزب بالله الذي تبلّغه رئيس المحكمة قال بأن الحزب يحترم ويدعم الاتهام الذي وجّهته القاضية نجاة أبو شقرا إلى الفاخوري، وأنه لا يرى أي منطق في اعتبار التهم قد سقطت بمرور الزمن. وسمع العبدالله من مسؤولين في حزب الله مباشرة: "إذا كنتَ تتعرّض لضغوط، ولا تستطيع مقاومتها، فأرجئ الجلسة إلى حين معالجة الأمر، بدل اتخاذ قرار ستحمل أوزاره في الدنيا والآخرة". وانتهى التواصل بين الحزب ورئيس المحكمة بقول الأخير إنه لن يفرج عن الفاخوري. موقف حزب الله نفسه تم إبلاغه أيضاً الى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، علماً بأن الأخير صار يتصرف بطريقة مختلفة مع الجميع بعدما تبيّن له أنه صار خارج الجسم القضائي، فيما يشيع العبدالله أنه سيغادر لبنان نهائياً بعد إحالته على التقاعد، بحسب صحيفة "الأخبار".
الضغوط الامريكية
تحاول الولايات المتحدة الامريكية بكل ما اوتيت من قوة الضغط على المسؤولين اللبنانيين عبر جميع القنوات المتاحة لتحرير الفاخوري، واتبعت عدة اساليب في هذا الخصوص، واعتمدت على تهديد كل من يقف في وجه تحرير العميل الفاخوري ومحاسبته، ورضخ البعض لهذه الضغوط التي جاءت على الشكل التالي:
أولا: ضغوط رسمية، وتولّتها وزارة الخارجية، واعتمدت على اتصالات مباشرة مع رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل والمستشار الرئاسي سليم جريصاتي.
ثانياً: ضغوط امنية وعسكرية، وتولّتها السفارة الأميركية في بيروت وممثلون عن الأجهزة الأمنية الأميركية وشمل قيادة الجيش ومديرية المخابرات والقضاء العسكري ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
ثالثاً: ضغوط أمنية_سياسية، وتولّتها الاستخبارات الأميركية بالتعاون مع دبلوماسيين أميركيين، وجرت لقاءات في بيروت وباريس وواشنطن مع شخصيات لبنانية يعتقد بأنها يمكن أن تتحدث مع حزب الله من أجل الأمر. وترددت معلومات عن مفاجأة تقول بأن شخصية سياسية لبنانية على صلة قوية بحزب الله اجتمعت مع الجانب الأميركي في باريس وسمعت الرسالة التي يفترض بها نقلها الى بيروت.
الضغوط الامريكية حتى اللحظة باءت بالفشل، وجميع المساعي الامريكية لم تفلح حتى كتابة هذه السطور، ويبدو ان الشارع اللبناني يرتقب بحذر نتيجة هذه القضية، وسيكون من الصعب على الحكومة ضبط الشارع في حال جاءت النتيجة معاكسة لمطالب الشعب اللبناني ومتوائمة مع التطلعات الامريكية.