الوقت- كشف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ مدة عن وثيقة رؤية 2030 التي تهدف إلى توفير أرضية للوصول إلى سدة العرش. حيث حدد بن سلمان رؤية المملكة العربية السعودية حتى عام 2030.
حدد ولي العهد السعودي في رؤية 2030 سلسلة من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وما إلى ذلك، وأوحى إلى الرأي العام في المملكة العربية السعودية بأن حكمه هو حكم سيكون مختلفاً عما كانت عليه المملكة طيلة تاريخ حكم آل سعود. في الواقع ، كما ذكر، إن الهدف الرئيسي لولي العهد السعودي هو إعداد الرأي العام لقبول حكم بن سلمان.
وفي اطار تنفيذ بعض البنود المتعلقة برؤية 2030، اتخذ بن سلمان أيضاً خلال السنوات الأخيرة، خطوات لتنفيذ ما يسمى بالإصلاحات الثقافية والاجتماعية.
ومن ضمن هذه الاجراءات يمكن الإشارة الى السماح للنساء بقيادة السيارة، وافتتاح دور السينما، وتشغيل الموسيقى في الأماكن العامة وغيرها. اتخذ ولي العهد السعودي بالفعل خطوات جديدة لتنفيذ رؤية 2030 ليمضي على هذا النحو بالخطوات النهائية للوصول الى السلطة في المملكة العربية السعودية.
وفي هذا السياق، سمح ولي عهد السعودية محمد بن سلمان لأول مرة خلال السنوات الأخيرة بإجراء حفل موسيقي لفرقة إيرانية في البلاد. وعلى هذا النحو ، قدمت مجموعة من الفنانين الإيرانيين المغتربين حفلاً في الأيام الأخيرة بإذن من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. هذا الحفل هو جزء من مهرجان طنطورة للفنون الذي أقيم في شمال غرب المملكة العربية السعودية.
أقيم الحفل المذكور يومي الخميس والجمعة من الأسبوع الماضي. سعى ولي العهد السعودي بن سلمان لصرف الرأي العام عن ضرورة تنفيذ الإصلاحات الرئيسية الموعودة من خلال إقامة هذا الحفل الموسيقي، مع الايحاء بأنه جاد بشأن الإصلاح الثقافي في المملكة العربية السعودية. والسبب هو أن بن سلمان يدرك تمام الإدراك أن الصورة السخيفة لمجموعة من الفنانين الإيرانيين المغتربين في المملكة العربية السعودية لا يمكن أن تلبي مطالب عامة الشعب السعودي.
والحقيقة هي أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بذل كل جهوده من خلال القيام بهكذا خطوات تتم في اطار تنفيذ الاصلاحات الاجتماعية والثقافية لكي يوحي بأن قطار تنفيذ الإصلاحات الشاملة في المملكة العربية السعودية قيد الحركة. بينما المطلب الرئيسي للرأي العام في المملكة العربية السعودية كان الوعود بالإصلاح الشامل بدلاً من التركيز على المجال الثقافي والاجتماعي.
في الواقع ، يحاول ولي العهد السعودي اظهار نفسه كشخص يميل الى التطور في المملكة العربية السعودية. فهو يسعى عبر هذا الطريق إلى منع الرأي العام من المطالبة بالإصلاح الأساسي من جهة ، ومن ناحية أخرى ، جعل المملكة العربية السعودية اكثر قرباً ثقافيًا واجتماعيًا من الغرب. باختصار ، يبحث ولي العهد السعودي عن اظهار وجه جديد داخل المملكة العربية السعودية وخارجها.
تتم جميع خطوات بن سلمان في المجالين الثقافي والاجتماعي لتظهر له صورة حضارية للمملكة العربية السعودية امام دول المنطقة والعالم ، الصورة التي شوهت لعقود ومئات السنين بسبب نشر التطرف في المملكة العربية السعودية. والان يسعى بن سلمان الآن إلى إعادة تحسينها.
تأتي محاولات بن سلمان لإيجاد هذا النوع من الإصلاحات الاجتماعية والثقافية في وقت يحتاج فيه المجتمع السعودي اليوم إلى إصلاحات حقيقية في هذه المجالات المذكورة، لأن العديد من المشكلات الاجتماعية والثقافية الحالية في المملكة العربية السعودية ناجمة عن أيديولوجية الوهابية التي روجت إليها اسرة آل سعود في البلاد منذ عقود.
على سبيل المثال ، تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجه المجتمع السعودي اليوم في هيمنة المفتيين الوهابيين على الاوضاع. ستظل هذه المشاكل الاجتماعية والثقافية موجودة في المجتمع السعودي طالما تستمر تلك الهيمنة. ومع ذلك ، لا تزال الأسرة السعودية تفضل دعم المفتيين الوهابيين في المملكة العربية السعودية بشكل كبير.
على هذا الأساس، يمكن القول أن تنفيذ البرامج الموسيقية والمهرجانات والحفلات الموسيقية هو مجرد سيرك أكثر من أن يكون تنفيذاً لإصلاحات اجتماعية وثقافية حقيقية. هناك نقطة أخرى حول الإجراء السعودي في اقامة حفلات موسيقية سخيفة في المملكة العربية السعودية ، بحضور فنانين إيرانيين مغتربين، وهي هل سلطات الرياض مستعدة القيام بإصلاحات سياسية واجتماعية إلى جانب ما يسمى بالإصلاحات الثقافية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية؟
بالتأكيد الإجابة على هذا السؤال ستكون بالنفي، لأن آل سعود أثبتوا على مدى مئات السنين الماضية أنه لا يرون السلطة السياسية محصورة فقط في عائلتهم اعضاء تلك العائلة هم الذين لديهم الحق في حكم الشعب. لذلك ، من الواضح أن السعوديين لا يولون أدنى اهتمام للجوانب المختلفة لهذه الإصلاحات ، بما في ذلك بعدها السياسي ، على الرغم من الشعارات الصاخبة في القيام بإصلاحات واسعة النطاق في بلدهم.
من جهة أخرى ، يسعى المسؤولون السعوديون من خلال دعوة الفانين الايرانيين الى الايحاء بأن بلادهم تتمتع بحرية اكثر مقارنة بإيران. ولكن السؤال المهم هنا هو ما إذا كانت الحرية في قاموس السلطات السعودية يمكن فهمها فقط من خلال اقامة حفلات فنانين لا قيمة وهوية لهم ولا تمتد إلى أبعاد أخرى مثل الديمقراطية. الجواب بالتأكيد نعم.
والسبب هو أن آل سعود لم يروا حتى صندوق اقتراع واحد خلال ما يقرب قرن من حكمهم على الشعب السعودي، مما يدل على أن برنامج الإصلاح الخاص بهم ، الذي هو وصفة من قبل مراكز الفكر البريطانية، يقتصر على القضايا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية فقط. وهذه الإصلاحات لا تتماشى بشكل أساسي مع مطالب الشعب السعودي الذي يريد حريات أساسية في شكل تنمية سياسية ونقد النخبة الحاكمة.
على أي حال ، لا يمكن للفنانين الإيرانيين المغتربين الذين لا يدينون بالولاء لبلدهم أن يجلبوا إصلاحات اجتماعية وثقافية لبلد مثل المملكة العربية السعودية. هؤلاء الفنانون الذين يغنون في المملكة العربية السعودية "إن العالم الذي لا يصنع فيه القنابل والصواريخ لا يلقي الصواريخ على مكان نوم الأطفال" تماماً كما تقتل المملكة العربية السعودية الشعب اليمني بقنابلها الخاصة. لذلك ، لا ينبغي للمملكة العربية السعودية أن تتوقع من هؤلاء الفانين ان يجلبوا لها إصلاحات ثقافية واجتماعية.
الحقيقة هي أن الإصلاحات الثقافية والاجتماعية التي يريدها محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية لن تتحقق بدون أرضيات وتمهيدات مناسبة ، رغم أنه يقال إن هذه الإصلاحات يتم تنفيذها لأغراض خاصة أخرى وليس الغرض منها تحسين وضع المجتمع السعودي.
على أي حال، لا يمكن للإصلاحات الحالية أن ترضي المجتمع السعودي على المدى القصير أو المتوسط ، وليست قادرة على أن تغطي جرائم النظام السعودي في مختلف البلدان والهزائم الكبيرة التي تلقاها خارج حدوده.