الوقت- يمكن لصورة فوتوغرافية واحدة ان تهز العالم وتجعل سكانه يدركون بعض الحقائق والوقائع اذا حضر ملتقط هذه الصورة في المكان والزمان اللذين يناسبان نقل الحدث الى العالم، وكانت صورة الطفل السوري الكردي "آيلان" الذي غرق في البحر وقذفت المياه جسده الى السواحل التركية من هذه الصور النادرة التي هزت العالم.
ان مأساة غرق هذا الطفل السوري الذي كانت عائلته تسكن مدينة كوباني المنكوبة سلطت الضوء على قضية آلاف اللاجئين والمشردين السوريين الذين يريدون الهجرة الى الدول الاوروبية عبر بحر ايجة في وقت تغلق الدول الاوروبية حدودها في وجه هؤلاء وقد انتشرت في الآونة الاخيرة تقارير عديدة عن غرق الزوارق في السواحل اليونانية ووصل الامر الى اعلان بعض وسائل الاعلام التركية بأن قوات مقنعة تقف على أهبة الاستعداد لغرق الزوارق التي تحمل اللاجئين الآسيويين بشكل متعمد قبل اقترابها من السواحل اليونانية.
لكن المصور التركي "نيلوفر دمير" الذي التقط صورة آيلان يوم الثلاثاء الماضي قد وصل الى مكان غرق القارب الذي كان يحمل 12 لاجئا سوريا بعد غرق هذا القارب ولم يكن هناك ناجون الا مالك القارب ورجل آخر فقد كل افراد عائلته في البحر ويدعى عبدالله الكردي.
وصرح المصور التركي انه عندما وصل الى الساحل لالتقاط صور للاجئين السوريين وجد جسد آيلان بعد ان كان قد فارق الحياة وقال المصور انه لم يكن بامكانه ان يفعل شيئا لانقاذ الطفل وان العمل الوحيد الذي كان بامكانه ان يفعله كان التصوير لايصال صوت جسد هذا الطفل الى انحاء العالم، وقال المصور انه يشعر بأنه قد عاش فقط لأجل التقاط هذه الصورة في حياته وان هذا كان قدره ومهمته الوحيدة في الحياة.
وهكذا انتشرت صورة آيلان في جميع انحاء العالم في اقل من 24 ساعة وتم نشرها في الصفحات الاولى للجرائد الاوروبية وجرائد باقي دول العالم وقد استشاط الرأي العام العالمي غضبا واعلنت النمسا والمانيا فتح حدودها امام اللاجئين السوريين الموجودين في اليونان ومقدونيا والمجر واعلن رئيس الوزراء الفنلندي انه سيضع بيته تحت تصرف المهاجرين السوريين كما اعلن العديد من الساسة والمسؤولين الاوروبيين بأنهم سيتخذون اجراءات من اجل تسهيل هجرة لاجئي الحرب السوريين.
ان صورة آيلان كانت من الصور القليلة المؤثرة خلال القرن الماضي وهي تشبه الى حد كبير صورة الطفلة الاثيوبية الجائعة والنسر والتي التقطه المصور الجنوب افريقي "كوين كارتر" في مارس 1993 عندما كان يغطي اخبار المجاعة في اثيوبيا في ذلك العام وقد ظهرت في تلك الصورة طفلة جائعة مطروحة على الارض وهي تحتضر من شدة الجوع ونقص المواد الغذائية وكان بالقرب منها نسر ينتظر موت الطفلة الاثيوبية ليبدأ أكل جسدها.
وقد التقط كوين الذي كان يبلغ من العمر 33 عاما صورة للطفلة الاثيوبية والنسر ونشرت صحيفة نيويورك تايمز تلك الصورة في 26 مارس 1993 واحدثت ضجة عالمية وتم نشرها في العديد من الوسائل الاعلامية بعد ذلك وقد حصل المصور كوين كارتر على جائزة "بوليتزر" الشهيرة بسبب هذه الصورة لكن العديد من الافراد قد اتهموا كوين بعد ذلك بانه لم يفكر في انقاذ الطفلة الاثيوبية واهتم فقط بجني الارباح والتقاط الصور وقالت صحيفة نيويورك تايمز انها تلقت اتصالات من مئات الاشخاص للاستفسار عن مصير هذه الطفلة لكن كوين كان يجهل مصيرها.
وكان كوين قد قام بمهامه المهنية بأفضل شكل ممكن وقنص الفرصة الذهبية لالتقاط الصورة لكن المنتقدين كانوا يسألونه هل أقدم على فعل شيء لانقاذ حياة هذه الطفلة الاثيوبية أم لا؟ ولم يكن كوين يملك جوابا للرد على هؤلاء بل اكتفى بالقول بأنه لم يكن في ظروف تساعده على اغاثة هذه الطفلة الاثيوبية ومئات الاطفال مثلها وان العمل الوحيد الذي كان يستطيع القيام به كان التصوير، وقد اقدم كوين على الانتحار في صيف عام 1994 بعد 16 شهرا من التقاط تلك الصورة التاريخية وكتب في رسالة حررها قبل موته بأنه كان كئيبا وخائبا وان ذهنه كان مليئا بالصور والمشاهد الحية عن العنف والآلام والقتل والبيوت المدمرة والاطفال الجائعين.
وعلى غرار كوين قال المصور التركي الذي صور جسد الطفل آيلان انه عند وصوله الى جانب جسد الطفل لم يكن بامكانه فعل شيء لانقاذه لأنه كان قد فارق الحياة لكن رغم هذه الاقوال فإن المنتقدين ربما لايفرقون كثيرا بين مأساة الطفلة الاثيوبية ومأساة الطفل السوري وما كان يجب القيام به قبل التصوير.