الوقت - توفي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك يوم الثلاثاء، عن عمر ناهز 91 عاماً، وذلك بعد مرحلة من المرض طويلة نسبياً.
أقيمت مراسم التشييع والدفن، يوم الأربعاء بعد صلاة الظهر بحضور وفود أجنبية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وفي هذه المناسبة أعلن الرئيس المصري الحداد العام لمدة ثلاثة أيام في مصر.
ردود الفعل على وفاة حسني مبارك
بعد الإعلان عن نبأ وفاة حسني مبارك، شهدنا ردود فعل متباينة ومتضاربة على الصعيدين الداخلي والدولي ، حيث امتدحته بعض الجماعات المصرية ، بما في ذلك الجماعات السياسية القريبة من الحكومة، واعتبرت حسني مبارك بطلاً وطنياً في حرب أكتوبر. بينما وصفه متحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين في صفحته الشخصية بأنه ديكتاتور ، ما أدى إلى صراع في مواقع التواصل الاجتماعي بين مختلف المجموعات السياسية المصرية.
على الصعيد الدولي ، رغم الصمت الكبير لبعض الدول إزاء خبر وفاة حسني مبارك ، إلا ان السعودية والإمارات والكيان الصهيوني كانوا من أوائل الذين قدموا التعازي بوفاة حسني مبارك لعائلته وعبد الفتاح السيسي.
من الوجود في الجيش إلى قصر الاتحادية
محمد حسني مبارك ، الذي كان في السنوات الأخيرة من حكمه على مصر، على خلاف مع الجيش وكبار القادة حول بعض القضايا السياسية والاقتصادية ، بما في ذلك رغبته في جعل ابنه جمال مبارك خليفة له، كان من أسرة الجيش المصري والقوات الجوية في هذا البلد.
تم تعيين مبارك نائباً لأنور السادات في عام 1975 بعد ترقيته في الجيش المصري وجعله من بين كبار قادة القوات الجوية المصرية.
لعب مبارك سابقاً واثناء تواجده في القوات الجوية في الجيش دوراً مهماً في التخطيط لمعركة مصر مع الكيان الصهيوني في عام 1973 ، والتي كانت تُعرف بحرب 6 أكتوبر ، حيث تمكن الجيش المصري بدعم من القوات الجوية من عبور قناة السويس وكسر خط بارليف ، وسرعان ما جعل هذا النجاح حسني مبارك بطلاً وطنياً في عقول بعض المصريين.
بعد تعيينه نائبا لرئيس مصر ، لعب مبارك دورا مهماً في السياسة الخارجية للبلاد ، حيث لعب دورا رئيسيا في التفاوض مع الكيان الصهيوني واتفاق كامب ديفيد في عام 1978 واتفاق السلام في عام 1979.
بعد اغتيال أنور السادات على يد الجهاد الإسلامي احتجاجًا على علاقاته بإسرائيل ، تولى حسني مبارك رئاسة مصر عام 1981.
تجدر الإشارة إلى أن مبارك تعرض أيضاً لمحاولة اغتيال في عام 1995 ؛ لكنه نجا منها؛ على الرغم من أن البعض يعتقدون أن محاولة الاغتيال كانت بسبب علاقاته الوثيقة مع إسرائيل ، لكن البعض الاخر اعتبر تلك العملية مصطنعة واستخدمها كذريعة لقمع المعارضة الداخلية.
تنحى مبارك من منصبه بعد قرابة 30 عاما من حكم مصر نتيجة موجة احتجاجات شعبية واسعة النطاق في فبراير 2011 والتي أسفرت عن مقتل 800 محتجاً على الأقل.
سياسات مبارك: الشعبية في الغرب.. والسجل الأسود في مصر
خلال فترة رئاسته، تمتع حسني مبارك بشعبية كبيرة لدى الدول الغربية بسبب محاربته للإسلام السياسي والعلاقات الجيدة مع الكيان الصهيوني.
بعد وصوله إلى السلطة ، سعى مبارك إلى تحقيق توازن بين العناصر الثلاثة للهوية المصرية ، الهويات المصرية العربية والإسلامية. لذلك كان لديه سياسة محافظة كثيراً وكان يهدف إلى تبرير وتوسيع علاقاته مع تل أبيب من خلال ابراز عنصر الهوية المصرية.
بينما كان هذا الأمر يتناقض مع الهوية العربية والإسلامية لمصر ، وقرارات مبارك في السياسة الخارجية كانت في بعض الأحيان تؤدي على الصعيد المحلي إلى معارضة واسعة النطاق وأعمال فوضى.
خلال الهجوم الأمريكي على العراق من أجل تحرير الكويت، تماهى مبارك مع أمريكا في هذا الامر تماشياً مع الصفة الغالبة في السياسة الخارجية ، حيث قوبل هذا الامر باحتجاجات داخلية قوية لأن المصريين كانوا يعتبرون هذا الاجراء مخالفاً للمصالح العربية والإسلامية.
في النهاية عارض مبارك الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003 لإيجاد موازنة بين الهويات المذكورة والاهتمام بالهوية العربية المصرية ، ولكن بسبب خدماته القيمة لأمريكا في المضي قدمًا في خططها الإقليمية تجاه إسرائيل شكل هذا الامر عائقاً امام قطع العلاقات الجيدة والمساعدات المالية الامريكية للقاهرة.
تعرض مبارك لانتقادات واسعة في عام 1982 عند وقوع جريمة صبرا وشاتيلا ، واتُهم مرارًا بتوفير الامن للكيان الصهيوني في صحراء سيناء ، الأمر الذي كان سبباً في اطلاق يد الكيان الصهيوني في شمال الأراضي المحتلة واتخاذ إجراء ضد لبنان.
إن الإجراءات المحافظة والسلبيّة التي اتخذها حسني مبارك تجاه فلسطين وتشجيع الفصائل الفلسطينية للتفاوض مع الكيان الصهيوني جعلت الفلسطينيين يعتبرونه خائناً كبيراً للقيم الإسلامية والقدس.
لعب دوراً مهماً في تشجيع وعقد اتفاق السلام عام 1994 بين الكيان الصهيوني وبعض الفصائل الفلسطينية بحضور بعض الدول الغربية ، في حين ان هذا الاتفاق لم يؤدٍ إلى السلام فحسب، بل جعل الفلسطينيين في وضع أسوأ اكثر من أي وقت مضى.
على الرغم من الشعبية بين قادة الدول الغربية ، يتمتع حسني مبارك بسجل اسود في الداخل؛ فالتكاليف المرتفعة لمعيشه وأسرته من الميزانية العامة للبلاد ووجود الفقر والفساد والبطالة الواسعة من بين أهم أسباب عدم شعبيته في مصر. .
وبينما كان مبارك يفوز دائماً في الانتخابات الرئاسية التي كانت استعراضية، كان في السنوات الأخيرة من حكمه ، يسعى إلى تعزيز دور أسرة مبارك ، وخاصة ابنه جمال مبارك ، في المجالين السياسي والاقتصادي لبلاده من خلال تشكيل عصابات أمنية - اقتصادية. واعداده تولي الرئاسة بعده.
على الرغم من أن مبارك رفض التنحي عن السلطة ، وفقط نتيجة الضغوط الشعبية اعلن بأنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة واستخدم كل الوسائل للبقاء في السلطة ، لكن في نهاية المطاف منعت الانتفاضة الشعبية ضد الظروف الصعبة التي سببها للشعب، من بقائه في السلطة ، وبموته يكون جميع رؤساء الدول العربية الذين سقطوا نتيجة موجة الصحوة الإسلامية غادروا هذا العالم.