الوقت- تصاعدت الأزمة في العلاقات بين أنقرة ودمشق بشكل غير مسبوق منذ الأسبوع الماضي، مع مقتل عدد من القوات التركية في شمال غرب سوريا، حيث أشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم امس إلى مقتل 14 جنديًا تركيًا في سوريا قائلا: "من الآن فصاعدًا، وبغض النظر عن اتفاقيات أستانة وسوجي، سنستهدف القوات السورية إذا كان هناك هجوم على قواتنا في سوريا". وتشير هذه التصريحات إلى أن الأزمة في تصاعد مستمر، مع احتمال نشوب صراع محدود.
وفيما يتعلق بشرعية أو مشروعية تحركات تركيا في شمال غرب سوريا والتهديدات التي وُجهت للحكومة السورية، تجدر الإشارة إلى أن تركيا كان عليها الالتزام ببعض الاجراءات وفقًا لاتفاقيات أستانة وسوجي، التي فشلت او عجزت عن الوفاء بهذه الالتزامات. وفي هذا المقال نحاول استكشاف جوانب أخرى من الموضوع، الا وهي ردود فعل الدول الغربية والأمريكية تجاه هذه الأزمة.
عند اندلاع الأزمة الأخيرة عندما غضبت تركيا من رد فعل الجيش السوري (قصف المناطق التي توجد فيها القوات التركية)، أعلن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف أنه مستعد للتوسط بين الجانبين.
كما رفض الكرملين تصريحات المسؤولين الأتراك وقال إن روسيا قد امتثلت بالتزاماتها، لكن تركيا فشلت في الوفاء بالتزاماتها بحماية وتأمين الطرق السريعة وشُنت هجمات متكررة على القوات الروسية والسورية، على الرغم من التحذيرات المتكررة التي لم يُلتزم بها.
لعبة سياسية غربية حول التطورات في إدلب
في هذا السياق، دعمت أمريكا أنقرة على مختلف المستويات، حيث أدان وزير الخارجية الأمريكي الهجمات المستمرة وغير المبررة والقاسية لدمشق على سكان مدينة حلب من خلال إصدار بيان، متهماً كلّاً من روسيا وإيران وحزب الله بالمشاركة في هذه الهجمات. وقال بومبيو في هذا البيان: "نحن ندعم تركيا، حليفنا في منظمة حلف شمال الأطلسي، الناتو، التي استُهدفت قواتها بهجمات بقذائف الهاون في إدلب".
ومن ناحية أخرى، رددت المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورغان اورتاغوس ما قاله مايك بومبو في بيانه، في إشارة إلى الهجمات التي تشنها القوات السورية في إدلب باعتبارها انتهاكاً لوقف إطلاق النار وتهديداً للأمن الإقليمي مضيفةً: ان هذا يمنع اللاجئين السوريين من العودة بأمان إلى بلادهم.
كما صرّح يوم الثلاثاء الممثل الخاص لأمريكا في سوريا جيمس جيفري، الذي سافر إلى تركيا: "ان تركيا حليفة لأمريكا في حلف الناتو وتواجه قواتها في إدلب تهديداً كبيراً من روسيا والحكومة السورية. أتقدّم بأحر التعازي لعائلات الجنود الأتراك الذين قتلوا من قبل الجيش السوري يوم أمس. لقد جئنا إلى أنقرة لدراسة الوضع في إدلب وسنبذل قصارى جهدنا في هذا الصدد.
وبالإضافة إلى المسؤولين الأمريكيين، كان موقف الناتو من هذه القضية مهماً أيضًا. حيث قال ينس ستولتنبرغ الامين العام لمنظمة حلف شمال الاطلسي (الناتو) متحدثاً للصحفيين قبل اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء في بروكسل "أدين الهجمات على إدلب وأدعو الأسد وروسيا لوقف الهجمات على الفور." كما أكد وزير الدفاع التركي خلوصي آكار الذي حضر هذا الاجتماع أيضًا، على الحاجة إلى بذل جهود جادة وملموسة من قبل منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وأوروبا والمجتمع الدولي لوقف هجمات الحكومة السورية في إدلب.
ويشير هذا الاستقبال الخاص من قبل مسؤولي أمريكا وحلف الناتو بالغضب التركي من التطورات الأخيرة في شمال غرب سوريا والعمليات العسكرية التركية، إلى ارتياحهم من ابتعاد تركيا وإيران المحتمل عن القضية السورية.
وخلال السنوات الثلاث الماضية، تمكنت تركيا وروسيا وإيران من العمل معاً للحد من الأزمة السورية إلى حد كبير، والحد من شدة الحرب وإراقة الدماء بشكل كبير عن طريق نهج سياسي وعسكري.
التجربة المدمّرة للغرب تجاه سوريا
جاءت اتفاقيات استانة وسوجي في الوقت الذي حاولت فيه بعض الدول العربية والغربية لعدة سنوات السيطرة على الحرب الأهلية في سوريا. حيث فشلوا في أول عامين من الحرب في عامي 2011 و 2012 في تحقيق مطالبهم المتمثلة بالإطاحة بحكومة دمشق، وحاولوا تخريب النفوذ السياسي من خلال اجتماعات كثيفة مثل اصدقاء سوريا.
لكن كل هذه الجهود فشلت، وقد سيطرت موسكو وطهران وأنقرة على الساحة وقلّصت تدريجياً هذه الأزمة المتواصلة إلى درجة تسيطر فيها الحكومة السورية الآن على جزء كبير من الأراضي، وتم كذلك القضاء على تنظيم داعش الإرهابي وتضاءلت قوة الإرهابيين التكفيريين المحليين والأجنبيين بشكل هائل في سوريا.
وفي هذه الظروف التي كان دور المثلث الإقليمي المتمثل بطهران وموسكو وأنقرة إيجابي للغاية وهمّش عملياً دور أمريكا والسعودية والإمارات وفرنسا وبريطانيا في هذه الأزمة الإقليمية بشكل حاد، من الممكن أن يؤدي الخلاف والصراع بين أحد الأطراف المثلث الاقليمي الى ارتياح الغرب. ولهذا السبب نشهد ارتياح الجانب الأمريكي وحلف الناتو من هذه الأحداث.
يبدو أن تركيا يمكنها إيجاد حلول عن طريق التفاوض مع أطراف المثلث كما كان في السابق حتى لا تصل الأزمة إلى مرحلة لا رجعة فيها. وهي الخطوة التي رحبت بها طهران وموسكو بل بادروا فيها.