الوقت - بعد أيام قليلة من بدء عمل الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة "حسان دياب" ووسط الاحتجاجات الشعبية المستمرة، يدرك رئيس الوزراء الجديد الطريق الصعب أمامه لتحقيق الاستقرار في الأسس المهزوزة لبقاء الحكومة، ويعطي الأولوية القصوى لانتعاش وازدهار الوضع الاقتصادي للبلد.
وبينما تعمل حكومة دياب على إصدار البيان الوزاري للإعلان عن خططها وسياساتها لمدة عام قادم، يبدو أن أولوية خروج الاقتصاد اللبناني من الوضع الحرج هي محور اهتمام دياب. وفي هذا الصدد، التقى دياب أول أمس مع أعضاء مجلس الوفود الاقتصادية، وفي إشارة الى الأزمة الاقتصادية في البلاد، قال: "إن الوضع الاقتصادي الحالي في البلاد وقطاعاتها المختلفة يواجه العديد من الصعوبات، وهذا يتطلب الصبر والتحمل، ونأمل أن تحقق الحكومة الجديدة بعض الإنجازات التي ستقود لبنان في النهاية إلی الخروج من الأزمة الحالية".
ومن أجل مرافقة المحتجين لإصلاحاته، قال دياب في وقت سابق إن حكومته تتماشى مع توقعات المحتجين، وأضاف: "إنهم (المتظاهرون) يعملون على استرداد الأموال العامة المنهوبة واستقلال القضاء". مع ذلك، يمكن للمرء أن يتخيل من الآن الطريق الوعر الذي يجب على الحكومة الجديدة السير فيه للوفاء بتوقعات الجمهور.
الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان
في أكتوبر 2019، أعلنت الحكومة اللبنانية عن تغييرات في ضريبة الوقود والتبغ والإنترنت، ما دفع الشعب اللبناني إلى الخروج إلى الشوارع للمطالبة بالإصلاح الاجتماعي والاقتصادي. وقد أدى ذلك إلى استقالة حكومة الحريري في خضم أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990.
وفقًا لوزارة المالية اللبنانية، تعاني البلاد من بطالة مرتفعة ونمو اقتصادي منخفض وأحد أعلى نسب الدين بالقياس إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، حيث بلغ الدين 86.2 مليار دولار في الربع الأول من عام 2019، وفقًا لهذه الوزارة.
ونظرًا إلی أن لبنان من المقرر أن يسدد قروضه في مارس وأبريل بکميات کبيرة، فإن الأمور سوف تسوء أکثر مع استمرار الوضع الحالي. ووفقًا لرويترز، سيشمل الأمران 1.34 مليار دولار من فوائد الديون السابقة و 842 مليون دولار لسداد الأقساط الفعلية. وبشكل عام، يواجه لبنان سداد 4.4 مليار دولار في عام 2020.
بناءً علی ذلك، حذر وزير المالية اللبناني الجديد "غازي وزني" يوم الأربعاء المنصرم من أن الأزمة المالية والنقدية الحالية في البلاد "غير مسبوقة".
وقال الوزير بعد ساعات من تعيينه في لقاء مع قناة "الجديد" اللبنانية: "يحتاج السوق المحلي إلى دعم محلي وأجنبي للتغلب على الأزمة وإلا ستؤدي الأزمة إلى الإفلاس".
وأکد وزني على أن الاقتصاد اللبناني يحتاج إلى دعم خارجي فوري، وعلى حكومته أن تقرر عرض سندات بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس.
يحتفظ البنك المركزي اللبناني حالياً بحوالي 13.9 مليار دولار من الذهب و 5.7 مليار دولار من السندات الحكومية. ومع ذلك، يعتقد الخبراء أن الديون اللبنانية ستفوق قريبًا أصول العملات الأجنبية وأن مبيعات السندات ستكون بمثابة مهدئ مؤقت. هذا في حين أن بيع كميات كبيرة من الذهب ليس بالمهمة السهلة، لأنه في حالة البلدان التي تعاني من الأزمة الاقتصادية مثل فنزويلا، للوصول إلى العملات الدولية، فإنها تتبادل احتياطياتها من الذهب كضمان.
من ناحية أخرى، يواجه لبنان أزمة سيولة حادة، وتُمارَس الرقابة غير الرسمية وغير المنتظمة على رأس المال في قطاعه المصرفي، وقد أدى ذلك إلى تسريح العمال وتخفيض رواتب الموظفين.
في الواقع، ستسعی الحكومة اللبنانية للبقاء على قيد الحياة تحت أنقاض 90 مليار دولار من الديون، الانخفاض في احتياطيات النقد الأجنبي، والعملة التي فقدت أكثر من 30٪ من قيمتها منذ أن بدأت الأزمة في أكتوبر 2019.
محاولات شلّ الحكومة الجديدة
بالنظر إلى أن أحد أهم أسباب تراجع المساعدات الخارجية للحكومة اللبنانية والدور المتزايد للجهات الأجنبية، وخاصةً الولايات المتحدة والسعودية، لتفاقم الأزمة في هذا البلد، يتمثل في معارضة مشاركة حزب الله الواسعة والمقاومة اللبنانية في الهيكل الحكومي السابق والبرلمان الحالي، فبالطبع سيكون من الصعب اجتذاب المساعدات الخارجية اللازمة لدياب من داعمي لبنان التقليديين في أوروبا والدول الخليجية.
من ناحية أخرى، فإن طلب حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي يحتاج إلى إصلاحات كبيرة، ولا يمكنه سوی أن يثير المزيد من الغضب الشعبي ويذكي الاضطرابات.
في الواقع، إن الخطة الأمريكية للبنان، كما كانت منذ عقود، تسير وفق المصالح الإسرائيلية، وهي تريد لبناناً منخرطاً في الأزمات السياسية والاقتصادية الداخلية، حتى لا يقف على قدميه. وتسعى السعودية، التي تنفذ السياسات الأمريكية في المنطقة، إلى تصوير حزب الله وتيار المقاومة بأنه غير فعال لدی الرأي العام، للحد من شرعيته.
من ناحية أخرى، يعمل جزء كبير من التيارات السياسية المناهضة للمقاومة في لبنان عملياً علی عرقلة تشكيل الحكومة، لتوفير الأرضية لاستسلام حزب الله و8 آذار، ويمكن رؤية ذلك بوضوح أثناء الموافقة على الميزانية اللبنانية لعام 2020.
لقد تمت الموافقة على هذه الميزانية بينما قاطع نواب کتلة "الجمهورية القوية" التابعة للقوات اللبنانية برئاسة "سمير جعجع"، وکتلة "الکتائب" برئاسة "سامي الجميل" الجلسة البرلمانية، أما ممثلو کتلتي "المستقبل" برئاسة "سعد الحريري" و"اللقاء الديمقراطي" التابعة لزعيم الحزب التقدمي الاشتراكي "وليد جنبلاط"، فإما لم يصوتوا لمصلحة الميزانية أو لم يصوتوا على الإطلاق.
الآمال الموجودة لدی حسن دياب
مع ذلك، على الرغم من الوضع الحالي للأزمة، لا تزال الحكومة اللبنانية الجديدة تتمسك بالأمل في انتقال لبنان من الوضع الحالي.
أولاً، يمكن للبنان أن يتطلع إلى الدعم القطري للحصول على التمويل الخارجي. ومساعدة الدوحة الاقتصادية هذه في التنافس الجيوسياسي الإقليمي بين الإخوان والسعودية، يمكن أن تقلل من النفوذ السعودي في المنطقة.
في الوقت نفسه، من خلال دعم حكومة دياب مالياً، يمكن لدوحة أن تضفي الشرعية على دورها الإقليمي كحافظ على الاستقرار وأن توازن سياساتها الإقليمية، حيث تستضيف الدوحة مقر "سنتكوم" في قاعدة العديد، وهو تهديد لإيران.
من جهة أخرى، قد تعتقد بعض الحكومات الغربية، وخاصةً في أوروبا، أن هذه المساعدات (أو مساعداتها المالية) يمكن أن تهدئ المنطقة وتمنع موجات اللاجئين المستقبلية من الوصول إلى شواطئها.
ومن المتوقع الآن أيضًا أن يبدأ حسان دياب البرامج الإصلاحية الجادة، وأبرزها تفعيل العمل الحكومي المشترك بين لبنان وسوريا وإحياء عدة مصادر للدخل، وخاصةً خط النقل العابر كشريان اقتصادي من بيروت إلى بغداد والخليج الفارسي.