الوقت- أعلن مكتب السلطنة العُمانية فجر يوم السبت 11 يناير 2020 خبر وفاة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور ، وبعد ساعات فقط قام المجلس الملكي ، بناءً على توصية مكتوبة من الملك الراحل بتعيين هيثم بن طارق كملك جديد لسلطنة عمان.
بالنظر إلى حكم السلطان قابوس الذي دام 50 عامًا وسياساته المعتدلة والسلمية المتبعة على المستوى الإقليمي من أجل تحقيق التوازن بين القوى الإقليمية في المنطقة, ومع تولي السلطان الجديد الحكم في سلطنة عُمان ، يأتي السؤال حول ماهية التغييرات التي ستطرأ على سياسة السلطنة الإقليمية تجاه القوى الإقليمية، ولا سيما السعودية باعتبارها أهم ممثل عربي في المنطقة.
العلاقات بين السعودية وسلطنة عمان في عهد السلطان قابوس
لفهم العلاقة بين عُمان والسعودية بشكل أفضل، ينبغي للمرء أولاً وقبل كل شيء الاخذ بعين الاعتبار أن السلطنة العمانية مستقلة من حيث المذهب والجغرافيا في شبه الجزيرة العربية وهي معزولة إلى حد ما ، حيث ان لها حدوداً برية مع الإمارات والسعودية واليمن.
وبالنظر إلى النزاعات العمانية الحدودية مع الإمارات وخاصة السعودية كلاعب إقليمي رئيس، فقد تسببت هذه الظروف الجغرافية في انعزال السلطنة العمانية جغرافياً نوعاً ما كنوع من مواجهة التهديدات المحتملة من قبل جيرانها ، وخاصة السعودية التي لطالما وضعت الأراضي العمانية نصب أعينها مرارًا وتكرارًا. لذا فهي تسعى للحصول على الدعم من الجهات الفاعلة خارج شبه الجزيرة وتعمل على المستويين الإقليمي والدولي للقيام بذلك.
سعت السلطنة العمانية دائماً خلال فترة حكم السلطان قابوس والذي دام لمدة 50 عامًا ، للحفاظ على علاقات جيدة مع إيران حتى تتمكن ارتقاء أمنها على المستوى الإقليمي من خلال ايجاد توازن بين السعودية وإيران وبالإضافة الى ذلك العمل بشكل وثيق مع أمريكا حتى تصبح قادرة على التعامل مع التهديدات المحتملة.
ومن ناحية أخرى ، بالنظر إلى أن معظم العمانيين يتبعون مذهب الاباضية ، بينما يكفّر الوهابيون هذه الطائفة ، فمن الواضح أن العناصر الجغرافية والمذهبية من ضمن العناصر المؤثرة في العلاقات العمانية السعودية ، وبالأخص في المجال الأمني.
والى جانب هذا لا ينبغي غض النظر عن المشكلات طويلة الأمد للعائلة المالكة في عُمان مع آل نهيان والتي تعتبر أقوى عائلة حاكمة في الإمارات، وهذا بدوره كافٍ لان يؤدي إلى تفاقم الانعزال الجغرافي العماني.
لقد حاولت السلطنة العمانية دائمًا من خلال التعاون مع ايران احتواء سياسات السعودية المحفوفة بالمخاطر، ومن جهة اخرى تابعت التعاون الثنائي مع الرياض في المجالات المشتركة. وقد أدى ذلك إلى تعرض عمان لضغط مستمر من دول الخليج الفارسي الأخرى، وخاصة السعودية من أجل تغيير نهجها ودعمها للسعودية بشكل أكبر، ولكن على الرغم من كل هذه الضغوط ، سعت مسقط في عهد السلطان قابوس للحفاظ على استقلاليتها قبال القرارات والإجراءات المعقدة التي تتخذها الرياض.
أهداف الرياض من الضغط على مسقط في عهد السلطان قابوس
لطالما ضغطت السعودية على سلطنة عمان خلال عهد السلطان الراحل ، من أجل تغيير سياساتها الإقليمية ؛ وكانت معظم الاختلافات الأساسية بين سلطنة عمان والسعودية مرتبطة بقضايا إيران وقطر واليمن.
في الواقع ان زيادة ضغط الرياض على مسقط في القضية الإيرانية كان سعياً إلى وقف التجارة بين إيران وعمان ، وحاولت مرارًا وتكرارًا إقناع المسؤولين العمانيين بالتوقف عن التداول التجاري مع الجمهورية الاسلامية الإيرانية حتى تصبح وسط ضغوط عقوبات اقتصادية أمريكية أكبر ما سيجبرها إلى تغيير سلوكها في المنطقة. هذا وقد رفضت السلطنة العمانية مراراً الطلب السعودي ، وصمدت أمام الضغوط السعودية ، وتابعت سياستها المستقلة في المنطقة على أسس اعتباراتها السياسية والأمنية ، وخلال زيارة قام بها مؤخراً وزير الخارجية العماني يوسف بن علوي إلى طهران ، أعلن الجانبان عن عزمهما على تعزيز التبادلات التجارية مع مسقط ، وأعلنا أن الموانئ العمانية ستصبح موانئ تجارية رئيسية للمبادلات التجارية الإيرانية في المستقبل.
وفي القضية القطرية، حثت السعودية سلطنة عمان مراراً وتكراراً على اتباعها نهج الدول المحاصرة لقطر وقطع العلاقات معها بشكل كامل.
ومنذ بداية تشكل الأزمة اليمنية، حثت السعودية الحكومة العمانية أيضاً على الانضمام إلى التحالف الذي تقوده وقطع علاقاتها مع الحوثيين، بينما حافظ السلطان قابوس على علاقته بالحوثيين حتى وفاته, حتى ان مسقط تلعب دور الوساطة وتستضيف محادثات السلام بين الجانبين.
لذلك يبدو أن الرياض سعت دائمًا إلى تغيير سياسات مسقط الإقليمية لجعلها دولة تابعة بدلاً من كونها دولة محايدة ووسيطة ، هذا في حين قاومت السلطنة العمانية ضغوط المملكة العربية السعودية بذكاء وحتى مع تحركاتها الجديدة ، مثل إقامة العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني ، فهي لا تسعى فقط لزيادة دورها في المنطقة ، بل تسعى أيضًا إلى إخراج السعودية من المعادلات الفلسطينية الصهيونية.
أدوات ضغط السعودية على عمان
أظهرت السعودية على مدى السنوات الماضية من خلال استراتيجتها , سعيها إلى تقويض دور عمان في المنطقة وعملت على إقناع أمريكا بأن مسقط هي لاعب ضعيف في تطوير الإستراتيجية الإقليمية الأمريكية. وفي الحقيقة فان الرياض تحاول إقناع أمريكا بأن مسقط تلعب دوراً في تملص طهران من العقوبات الامريكية ، لذلك ، يجب إخراجها من إستراتيجية أمريكا بشأن إيران حتى تتمكن من خلال أداة الضغط هذه من إملاء سياساتها على مسقط بسهولة.
ومن ناحية أخرى ، فإن استثمارات السعودية في سلطنة عمان ، وخاصة صندوقها الاستثماري البالغ 210 ملايين دولار في منطقة الدقم ، هي أداة أخرى للرياض للضغط على مسقط.
وعلى وجه العموم يمكن القول عن العلاقات بين مسقط والرياض في عهد السلطان قابوس ان السعودية سعت دائمًا إلى منع سلطنة عمان من لعب دور الفعال والوسيط ، وبالطبع تحقيق التوازن في المنطقة وحاولت من خلال الضغط بوسائل الضغط المتاحة ، وضع مسقط في محور الرياض-أبوظبي-المنامة. هذا الجهد الذي قاومته ورفضته السلطنة العمانية وباء بالفشل لتعارضه مع المصالح الأمنية والسياسية العُمانية.
المنظور المستقبلي لعلاقات مسقط - الرياض في ظل عهد السلطان الجديد
على الرغم من اعلان قطر والكويت والإمارات والبحرين ومصر الحداد العام لمدة ثلاثة أيام عقب اعلان خبر وفاة السلطان قابوس، الا ان الرياض لم تعلن الحداد ولو ليوم واحد حتى.
في حين ساهمت السعودية في تقديم أعلى مستوى ممكن من التعازي لسلطان عُمان الجديد وأظهرت ان عمان لطالما كانت لاعباً فاعلاً ومهماً في المنطقة في نظر الرياض ، وقد أوضح الملك سلمان بن عبد العزيز خلال زيارته إلى مسقط هذا الامر بشكل جيد داعياً ان تكون العلاقات مع عمان أكثر دفئاً في العهد الجديد.
بالنظر إلى الظروف الجغرافية الخاصة والسياسات الإقليمية لسلطنة عمان التي تضمن أمن البلاد بالإضافة الى حقيقة أن السلطان الجديد لديه خلفية واسعة في السياسية الخارجية ، يبدو أن مستقبل العلاقات بين مسقط والرياض واضح بالنسبة الى هيثم بن طارق ، ففي أول تصريح له بعد انتخابه كسلطان عمان الجديد قال: سنواصل نهج السلطان قابوس في العلاقات الخارجية.