الوقت- ذكرت صحيفة الاتحاد الإماراتية في تقرير لها نشرته قبل عدة أيام بأن أبو ظبي أعلنت يوم الثلاثاء الماضي أنها ستبدأ في تشغيل أول مفاعل نووي عربي مطلع العام 2020 وقالت هذه الصحيفة الإماراتية إن محطة "براكة النووية" سيتم إدخالها في الخدمة خلال الربع الأول من العام 2020 ووفقاً للصحيفة، فإن المفاعل الذي سيتم تشغيله هو أحد المفاعلات الأربعة التي تنوي الإمارات بناءها كأول دولة عربية تتحول إلى دولة نووية. وعلى الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد أعلنت قبل عشر سنوات أنها ستتبع برنامجًا نوويًا مدنيًا للأغراض السلمية، إلا أنه بالنظر إلى السجل السلوكي لأبو ظبي على مدار السنوات الماضية ومبادئ سياساتها الخارجية الأساسية، يتضح أن هذه الدولة العربية لن تستفيد من تلك المفاعلات النووية للأغراض السلمية وإنما سوف تستخدمها لأغراض عسكرية وهذا الامر أثار مخاوف العديد من دول المنطقة.
البرنامج النووي الإماراتي
في عام 2008 أعلنت دولة الامارات العربية المتحدة تدشينها برنامجها النووي السلمي المزعوم، من خلال تشكيلها مؤسسة الإمارات للطاقة النووية، مرجحة بدء البناء الفعلي للمحطات في عام 2012 وفي عام 2009 أطلقت أبو ظبي برنامجها للطاقة النووية بمنح عقد بقيمة 40 مليار دولار لـ"كونسورتيوم كوري جنوبي" لبناء مفاعلات نووية وتشغيلها بصورة مشتركة لمدة 60 عاما ويهدف البرنامج المزعوم لإنتاج الكهرباء لتلبية الطلب المتزايد على الطاقة، حيث تُظهر التقارير أن الطلب على الكهرباء في الإمارات سيتضاعف بحلول عام 2020، بالإضافة لدعم التنمية الاقتصادية وتوفير العديد من فرص العمل لمواطني دولة الإمارات العربية المتحدة. وفي عام 2009، تم إنشاء مؤسسة الإمارات للطاقة النووية لتكون المالك والمطور الرئيسي للبرنامج النووي الإماراتي، لتتولى مسؤولية المساهمة في تنويع مصادر الطاقة في الدولة، وتأهيل جيل جديد من رواد الطاقة النووية، ودعم تطوير قطاع الصناعة المحلي، إلى جانب دعم أمن الطاقة من خلال توفير طاقة نووية آمنة وموثوقة وصديقة للبيئة. وبعد الانتهاء من عملية بحث طويلة وشاملة بقيادة فريق مكون من أكثر من 75 خبيراً ومتخصصاً بهدف اختيار المقاول الرئيسي، وقع اختيار مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على الشركة الكورية للطاقة الكهربائية "كيبكو"، لبناء وتصميم وتشغيل محطات الطاقة النووية الأربع، وفور تعيين "كيبكو"، بدأت مرحلة اختيار الموقع والتصميم، وخضعت جميع المراحل لموافقة الهيئة الاتحادية للرقابة النووية.
وبالفعل، منحت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية رخصة البناء لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية في يوليو 2012، وجرى تحديد موقع مشروع محطات الطاقة النووية في براكة في منطقة الظفرة بإمارة أبوظبي، بعد عملية تقييم شاملة من قبل الخبراء المحليين والدوليين، بناءً على الخصائص البيئية والتقنية والتجارية المثالية التي يتميز بها موقع براكة. وفي عام 2016، اتخذت المؤسسة خطوة نحو الأمام عبر توقيع اتفاقية ائتلاف مشترك طويلة الأمد مع الشركة الكورية للطاقة الكهربائية "كيبكو"، وتأسيس شركتين يكون على عاتقهما المسؤولية عن تشغيل وصيانة المحطات النووية الأربع في مشروع براكة للطاقة النووية.
برنامج نووي هادئ
في الوقت الذي كان فيه الشرق الأوسط مشغولا بالحرب الأهلية العراقية والسورية، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة من يوليو 2012 إلى 2014، ببناء أربع أجزاء رئيسية من مفاعلاتها النووية وخلال تلك الفترة أعلنت دولة الإمارات الغنية بالموارد النفطية والغازية، إنها سوف تسعى للحصول على الطاقة النووية وذلك من أجل حماية البيئة ولتغيير مصادر الطاقة في البلاد. وخلال الفترة الماضية بذلت أبو ظبي جهودًا كبيرة لإظهار أن برنامجها النووي سلمي وأنها سوف تستفيد منه لأغراض مدينة، وفي هذا السياق، قالت إنها تعتزم توفير 5.12٪ من الطاقة التي تحتاج إليها من محطات الطاقة النووية ونظراً إلى أن هذه التصريحات أطلقها ولي عهد أبو ظبي "محمد بن زايد" المعروف بتقلباته والصديق المقرب لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، فإنه من المؤكد أن "بن زايد" سوف يبحث بذكاء خلال الفترة القادمة عن فرص لتغيير نواياه النووية.
يذكر أن المملكة العربية السعودية أعلنت في أغسطس عام 2009، أنها تخطط للبدأ ببرنامجها النووي المستقل، وفي أبريل عام 2010، أصدر الملك السعودي مرسوما ملكياً للبدأ بتأسيس مدينة للطاقة الذرية والمتجددة في العاصمة السعودية الرياض. كما أعلنت الكويت عن استراتيجيتها النووية في ذلك العام وقامت بتشكيل الهيئة الوطنية للطاقة النووية وقبل عدة سنوات، وقعت مصر أيضا عقدًا مع شركة روسية لبناء محطة جنرال إلكتريك للطاقة وهنا تجدر الاشارة إلى أنه مع تحرك دولة الإمارات العربية المتحدة نحو الطاقة النووية، بذلت العديد من الدول العربية الأخرى الكثير من الجهود لإمتلاك طاقة نووية وذلك لأنها تدرك جيداً طموحات أبو ظبي الخبيثة وسعيها للحصول على اسلحة نووية.
وعلى الرغم من أنه لدى أبو ظبي علاقات قوية وسرية مع الكيان الاسرائيلي، إلا أن عدداً من القادة الاسرائيليين كشفوا خلال الفترة الماضية عن مخاوفهم من البرنامج النووي الإماراتي وحول هذا السياق، قال "موشية يعلون" وزير الدفاع الاسرائيلي السابق، "إن مفاعل الإمارات النووي قد يؤدي إلى سباق تسلح في الشرق الأوسط، وهذا الامر قد تتسبب في كارثة نووية على غرار كارثة تشرنوبل في منطقة الخليج الفارسي". وتأتي هذه المخاوف جراء افتقار بعض الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة إلى العمق الاستراتيجي وقيامهما خلال السنوات الماضية بدعم العديد من الجماعات الارهابية في المنطقة وتدخلهما في شؤون عدد من بلدان المنطقة وشنهما حرب عبثية ووحشية في اليمن.
وفي سياق متصل، قال "بول دورفمان"، رئيس المجموعة النووية الاستشارية، إن "مفاعل براكة في الإمارات يفتقر إلى إجراءات الأمان الأساسية ويمثل خطرا على البيئة وقد يمثل هدفا للجماعات الإرهابية وقد يكون جزءا من مخطط لإنتاج أسلحة نووية". مضيفاً، "إن دوافع بناء هذا المفاعل قد تكون مختفية عن العيان. إنهم يفكرون بصورة جدية في الانتشار النووي". وفي السياق نفسه، قالت قطر في رسالة ارسلتها إلى وكالة الطاقة الذرية، إن "محطة براكة النووية تشكل تهديدا خطيرا للاستقرار الإقليمي والبيئة وطالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوضع إطار عمل يخص الأمن النووي في الخليج." وأضافت قطر، أن "غبار مواد مشعة ينجم من حادث عرضي يمكن أن يصل إلى الدوحة خلال خمس ساعات إلى 13 ساعة وأن تسربا إشعاعيا سيكون له تأثير مدمر على إمدادات المياه في المنطقة بسبب اعتمادها على محطات التحلية". وفي الختام يمكن القول بأن السياسة الخارجية الهجومية لإمارة أبوظبي تؤكد بأن هذه العاصمة العربية لن تستخدم الطاقة النووية للاغراض السلمية كما تدّعي، وهذه القضية قد خلقت معضلة أمنية جديدة في منطقة الشرق الأوسط من شأنها زيادة حدة التنافس النووي بين دول المنطقة.