الوقت- ملف الغاز بشقيه التنقيب والتصدير يحتل واجهة الصراع الخفي حاليا في البحر المتوسط، والخلاف دائر هذه الأيام بين تركيا واسرائيل واليونان وقبرص من جهة وتركيا ومصر من جهة أخرى، وكذلك هناك خلاف بين مصر واسرائيل على هذا الملف وان كان أقل وطأة من الخلاف مع تركيا، وما فجر الأوضاع هذه الفترة هو الاتفاق الذي وقعته تركيا مع ليبيا والذي أثار حفيظة بقية الدول الآنفة الذكر، والجديد أيضا أن البحرية التركية اعترضت سفينة اسرائيلية شرقي المتوسط.
الحدث الأخير جرى قبل أسبوعين بحسب ما نقلت القناة 13 الإسرائيلية، عن مصادر اسرائيلية رفيعة المستوى، وقالت القناة إن البحرية التركية، اعترضت قبل نحو أسبوعين، سفينة إسرائيلية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وطردتها من منطقة بحرية تابعة لجمهورية قبرص.
ونقلت العبرية عن مصادر رسمية، أن "سفن البحرية التركية طاردت سفينة أبحاث إسرائيلية أجرت اختبارات في المياه الاقتصادية القبرصية".
وقال مسؤولون إسرائيليون مطلعون للقناة إن الحادث "غير العادي" وقع قبل نحو أسبوعين مع سفينة الأبحاث الإسرائيلية "بات غاليم"، التابعة لمعهد دراسة البحار والبحيرات لوزارة الطاقة الإسرائيلية، موضحين أنها كانت في مهمة بالمنطقة، وعلى متنها عدد من الباحثين من جامعة بن غوريون مع عالم جيولوجي قبرصي، وعملوا بمشاريع مشتركة بموافقة من الحكومة القبرصية.
ووقع هذا الحادث على خلفية التدهور الكبير في العلاقات بين تركيا من جهة واليونان وقبرص من جهة أخرى بسبب الخلافات الحادة حول حقول الغاز والنفط شرق المتوسط، حيث بدأت الحكومة التركية، في مايو الماضي، أعمال التنقيب عن الطاقة في منطقة تعتبر تابعة للجمهورية القبرصية.
الاتفاقية التركية_الليبية
في اجتماع للرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس حكومة الوفاق الليبي فائز السراج، في 27 من تشرين الثاني/ نوفمبر باسطنبول وقع الجانبان على اتفاقية تعاون أمني وتسريم للحدود البحرية.
وشمل الاتفاق الموقع إلى جانب تحديد حدودهما اتفاقا حول توسيع التعاون الأمني والعسكري، وهي خطوة قالت بشأنها تركيا إنها تحمي حقوقها.
إلا أن هذه الاتفاقية أدت إلى إثارة حفيظة كل من مصر وقبرص وإحداث خلاف تركي يوناني.
وفي هذا الصدد قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنه بعد توقيع الاتفاق مع طرابلس: ليس بإمكان أي دولة التنقيب في تلك المناطق التي رسمتها تركيا بموجب هذا الاتفاق من دون إذن.
وأضاف "قبرص اليونانية ومصر واليونان وإسرائيل لا يمكنها إقامة خط لنقل الغاز من دون الحصول على إذن من تركيا أولاً".
وازداد التصعيد بعد توقيع تركيا، يوم 27 نوفمبر الماضي، مع حكومة الوفاق الوطني الليبية مذكرة تفاهم حول تحديد الصلاحيات البحرية، وقالت اليونان وقبرص إن هذا الاتفاق ينقل جزءا من حقوقهما في مياه البحر المتوسط إلى تركيا.
تركيا وقبرص
تشهد العلاقات بين قبرص وتركيا المتوترة منذ أكثر من أربعين عاما بسبب مسألة تقسيم الجزيرة المتوسطية، تصعيدًا حول مسألة احتياطات الغاز قبالة السواحل القبرصية، بعدما قررت أنقرة القيام بعمليات تنقيب.
وتطمح قبرص لأن تصبح لاعبا كبيرا في مجال الطاقة بعد اكتشاف حقول ضخمة من الغاز شرقيّ البحر المتوسط في السنوات الأخيرة.
ووقعت السلطات القبرصية عقودًا مع شركات عملاقة للطاقة، مثل "إيني" و"توتال" و"إكسون موبيل" للتنقيب عن الغاز، لكنّ تركيا التي يحتل جيشها شماليّ الجزيرة تعارض أي عملية تنقيب واستخراج للغاز يتم إقصاء القبارصة الأتراك منها.
وأرسلت في مطلع العام 2019 ثلاث سفن للتنقيب قبالة قبرص متجاهلة تحذيرات الاتحاد الأوروبي وواشنطن، وتوعدت، بتكثيف أنشطة التنقيب رغم تصويت الاتحاد الأوروبي على سلسلة تدابير بحقها لردعها عن القيام بهذه الأنشطة "غير المشروعة" في المنطقة الاقتصادية الخاصة لقبرص.
وقبرص مقسمة منذ أن اجتاح الجيش التركي ثلثها الشمالي عام 1974، ردًا على انقلاب كان يهدف إلى إلحاق الجزيرة باليونان وأثار مخاوف الأقلية القبرصية التركية.
لا تمارس جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الاوروبي سلطتها سوى على القسم الجنوبي من الجزيرة، في حين أُعلنت في الشطر الشمالي "جمهورية شمال قبرص التركية" غير المعترف بها دوليا.
الخلافات التركية_اليونانية
جمعتهما أربعة حروب كبيرة، واقتسما جزيرةً وتنازعا على المياه بما فيها، هكذا يمكن أن توجز العلاقة بين تركيا واليونان. تاريخ طويل من النزاع، رواسب قومية واجتماعية ودينية عمّقت الخلاف بين الجارتين، حتى لم يعد يَبدُ من ورائها أية بادرة ممكنة للتسوية، على الرغم من المحاولات المتكررة، وعلى الرغم كذلك من كونهما معًا أعضاءً في "حلف شمال الأطلسي".
الاتفاقية التي سترسم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا والتي من شأنها تعزيز "التعاون العسكري الموجود أصلا" و"العلاقات بين جيشي" البلدين، على حد وصف الجانب التركي، رأت فيها اليونان تجاهلا لجزيرة كريت اليونانية الواقعة بالقرب من المياه التركية الليبية.
وتعتبر العلاقات التركية-اليونانية حساسة، خصوصا أن تركيا كانت بوابة دخول لآلاف اللاجئين إلى الجزر اليونانية.
وبمناسبة نقاش في البرلمان أعلن رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس أن الاتفاق "يلغي من الخارطة بعض الجزر اليونانية" ويفرض "عزلة دبلوماسية على تركيا".
كيف دخلت مصر إلى الواجهة؟
عام 2013 قامت مصر وإسرائيل وقبرص بترسيم الحدود البحرية فيما بينها بعدما كثر الحديث حول الاكتشافات الهائلة من الغاز الطبيعي في المنطقة، الاتفاق الذي لم تقبله أنقرة وحذرت من المساس بحقها في مياه المتوسط، ومعها حقوق القبارصة الأتراك شمالي الجزيرة.
عجلت الظروف الإقليمية من المواجهة بين شركات المتوسط، إذ استغلت مصر وقبرص انشغال تركيا بتأمين حدودها الجنوبية ضمن عملية درع الفرات وغصن الزيتون وتحركتا للتقسيم وبدء العمل في أعمال الحفر والتنقيب، تمكن هذه الاكتشافات الضخمة قبرص من بناء محطة لتسييل الغاز وبدء تصديره إلى أوروبا، وهو الشيء ذاته التي ترغبه أنقره، وكان دافعًا لها للإقدام على إيقاف سفينة الحفر الإيطالية التابعة لشركة إيني.
مشروع غاز شرق المتوسط.. طموح سياسي وجدوى اقتصادية غامضة
وهو مشروع إسرائيلي قبرصي يوناني، ولم يطرح اسم مصر بشكل أساسي فيه. بل على العكس فإن مصر تطرح مشروعاً منافساً يقوم بالأساس على تصدير الغاز المسال عن طريق المنشآت المصرية لتصبح مصر مركزاً لتصدير وتسويق الغاز بالمنطقة مع التركيز على الغاز المسال.
ويكتسب مشروع غاز شرق المتوسط أهمية خاصة لأسباب سياسية أكبر منها اقتصادية. فالمشروع تتحمس له أمريكا والاتحاد الأوروبي لأنه قد يكون بديلاً للغاز الروسي الذي يمثل أداة ضغط في يد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على القارة الأوروبية.
أما من الناحية الاقتصادية فتبدو جدواه غير محسومة حتى الآن، خاصة في ضوء تذبذب وتراجع الطلب في دول جنوب أوروبا والبلقان على الغاز وغياب رؤية حول جهة إدارته، حسبما قال الباحث نيكولاس تسافوس في مقال نشرته مجموعة الأزمات الدولية.
إسرائيل الأكثر تحمساً للفكرة لخوفها من مصر
إسرائيل هي الدولة الأكثر حماساً لمشروع غاز شرق المتوسط، والمفارقة أنه بسبب عدم ثقتها في دوام العلاقة القوية الحالية بمصر.
إذ يقول تسافوس: يمكن للمرء أن يتخيل سيناريو حيث تتعثر القدرة على بيع الغاز الإسرائيلي إلى الأردن أو مصر في معارك سياسية تؤدي إلى الانقطاع.
وفي هذا الصدد تظهر منافسة مصرية لإسرائيل على الغاز القبرصي.
مصر تطرح بديلاً للخيار الإسرائيلي
وعلى الأرجح سيتحقَّق أحد خيارين متنافسين؛ وهما خط أنابيب شرق المتوسط الذي يواجه صعوبات تكنولوجية، وباهظ التكلفة نسبياً، أو منشآت الغاز الطبيعي المسال في مصر، بالإضافة إلى إقامة خط أنابيب تحت البحر.
وتضغط إسرائيل باتجاه خيار خط أنابيب شرق المتوسط، لحصد أكبر قدر من المكاسب السياسية والاقتصادية من خلال الحصول على اتصال مادي فعلي مع أوروبا القارية.
ولتحقيق هذا، اتفقت إسرائيل وقبرص واليونان، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، على إجراء دراسة جدوى تبلغ كلفتها عدة ملايين من الدولارات لإنشاء خط أنابيب تحت البحر، بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي. وسيتطلَّب هذا المشروع أكثر من 7 مليارات دولار لإنجازه، ويطرح تحدياتٍ فنية بسبب عمق المياه.
بالمختصر يمكن القول أن أزمة تركيا في غاز شرق المتوسط تصاعدت واختيار مصر لكي تكون مركزا لتسييل الغاز الخاص بجنوب المتوسط وتصديره لأوروبا ونجاح القاهرة وقبرص واليونان في عزل أنقرة في هذا الملف وهو أمر مصيري بالنسبة لتركيا ولن تتخلى عن التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط
على المقلب الأخر تعقد الأزمة الليبية وفي ظل غياب حكومة وبرلمان ودستور جديد الذي نصت عليه اتفاق الصخيرات في المغرب عام 2015 ويظل الدور المصري والتركي متنافران تماما ولكن قد يحدث تنسيق في الملف الليبي مستقبلا بوساطة من الاتحاد الأوربي أو روسيا لتنسيق الأدوار خاصة أن القاهرة تريد أن تحمي أمنها القومي على الحدود الغربية.