الوقت – لايختلف اثنان على ان أزمة النفايات في لبنان هي أزمة متعددة الجوانب وليست أزمة محصورة بموضوع خدمي في وقت يعاني فيه لبنان من اوضاع معقدة وشائكة على مختلف الصعد، لكن أزمة النفايات الأخيرة أدت الى تفجير احتجاجات شعبية في بداية الاسبوع المنصرم في وسط بيروت حيث تجمع جمع كثير من اهالي هذه المدينة حول مقر رئاسة الوزراء ونظموا تظاهرات واسعة ضد عجز الحكومة عن جمع نفايات العاصمة وقد اشتبكت العناصر والقوى الامنية اللبنانية مع المحتجين ما ادى الى مقتل مواطن وجرح عدد كبير من المواطنين وتم وضع حواجز وجدران اسمنتية حول مبنى رئاسة الوزراء المسمى بالسراي الحكومي.
ويشهد لبنان حاليا أزمات كثيرة فهناك مؤسستين من اصل 3 مؤسسات رئيسية في البلاد هما معطلتان بشكل عملي وهما رئاسة الجمهورية والبرلمان، ويمضي حاليا اكثر من 460 يوما على انتهاء نهاية فترة حكم رئيس الجمهورية السابق ومازال لبنان من دون رئيس والسبب في ذلك هو الخلافات بين الجماعات السياسية وعدم الاتفاق على شخص واحد كما ان البرلمان ايضا معطل بعد الفشل في جمع عدد كاف من النواب لتعيين رئيس للجمهورية كما ان النواب اللبنانيين ليسوا مستعدين في هذه الايام حتى للجلوس معا من اجل البت بقضايا اقتصادية والقيام بالمحاسبة وممارسة الضغط على الحكومة من اجل جمع النفايات في بيروت، ووسط هذا كله تستمر الحكومة لوحدها في عملها حسب الظاهر لكنها تعاني من الانقسامات السياسية والطائفية وتنصب معظم جهدها على حل الخلافات بين ممثلي الاطراف السياسية.
وقد بدأت أزمة النفايات في لبنان عندما عجزت شركة سوكلين الموكلة بجمع النفايات عن القيام بواجباتها او انتهت فترة عقدها مع الحكومة وقد تسبب طرح موضوع عقد قرار مع شركة جديدة بنشوب أزمة كبيرة وتم نشر فضائح لسياسيين لبنانيين كانوا يجنون ثروات كبيرة من خلال صفقات عملية جمع النفايات وعندها شعر المواطنون اللبنانيون ان عدم جمع النفايات في بيروت هو ازمة مفتعلة للضغط على الناس لكي يقبلوا بجمع النفايات بأي ثمن كان ويصبح الطريق مفتوحا امام فساد التيارات السياسية الموجودة في داخل الحكومة خاصة اذا أخذنا بعين الاعتبار ان وزير البيئة محمد المشنوق ينتمي الى تيار المستقبل وهو تيار سعدالدين الحريري.
ان ازمة النفايات في لبنان قد تحولت اليوم الى ازمة سياسية جديدة رغم انها تكشف عن فساد مالي واسع ايضا، ان الاصوات المرتفعة للمحتجين ضد الحكومة هي رسالة سياسية سواء من قبل المحتجين الذين يطرحون مطالب حزبية وفئوية وطائفية (انصار ميشال عون في بعض الاحيان) او باقي فئات المجتمع التي رفعت هذه المرة سقف مطالبها واختارت شعار "ريحتكم طلعت" وتحدثت عن تغيير الواقع الطائفي وتغيير التقسيم السياسي الموجود وقد توقع المحللون ان استمرار هذه الاوضاع سيضع لبنان امام اوضاع معقدة جدا.
وفي هذه الاثناء هدد رئيس الحكومة تمام سلام بالاستقالة من منصبه واذا حصل هذا الامر فإن لبنان سيصبح من دون ادارة سياسية وسيصبح امام طريق مسدود وسيتزايد احتمال حدوث ازمات امنية فيه، ومع الأخذ بعين الاعتبار ان لبنان كان يتأثر دوما بالاوضاع الامنية السائدة في جارتها الشرقية أي سوريا فإن حدوث ازمة امنية في لبنان سيفسح المجال امام تدخل الجماعات المسلحة التي تقاتل في سوريا وهذا ما كانت تتمناه هذه الجماعات، لكن في نفس الوقت يجب القول ان هذا الاحتمال لايعني ان لبنان الذي مرت عليه تجارب كثيرة بات يفتقد الى وجود مسؤولين حكماء واصحاب التجربة والخبرة والذين يمكنهم استيعاب هذه المرحلة واجتياز هذا المنعطف الخطير باتباع اسلوب الحوار والتفاهم.
ان التوصل لاتفاق في لبنان بين الاطراف المختلفة ليس خيارا فقط بل هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، ان الاتفاق والتفاهم ليس انتخابا بل قدرا لايمكن الفرار منه، ان الحوار والتفاهم هو السبيل الوحيد الذي ينقذ لبنان من عدم الاستقرار والحرب كما حصل في السابق مرارا وتكرارا.