الوقت- على الرغم من تكليف الرئيس التونسي قيس سعيّد لمرشح حركة النهضة، الحبيب الجملي، بتشكيل حكومة جديدة، إلا أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول مدى قدرة الجملي على تشكيل حكومة جديدة تُرضي جميع الأحزاب التونسية، وكذلك الشارع التونسي الذي ينتظر على أحرّ من الجمر أن يشهد عرساً جديداً للديمقراطية في بلاده وفي حال فشل الجملي في تشكيل الحكومة سيكون تونس أمام أزمة لن يكون من السهل الخروج منها.
الواضح حالياً في المشهد التونسي أن حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية تتصدر المشهد السياسي التونسي، خاصة بعد انتخاب راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة رئيسا للبرلمان، وكذلك اختيار الجملي لتشكيل الحكومة الجديدة، على اعتبار أن الجملي مقرب من الإخوان المسلمين إلا أنه نفى انتماءه إلى أي جهة او حزب، ويبقى السؤال إلى أي مدى يمكن لحركة النهضة تجاوز الصعوبات لتشكيل الحكومة؟، وما هي التحالفات الحزبية التي يمكن للحركة الاعتماد عليها ؟، وما هي آفاق تشكيل الحكومة المقبلة في ظل الأزمة الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها تونس؟.
التونسيون فخورون ببلادهم ودينهم، وقد برز هذا الأمر عندما أثنى ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي على الكتاب الرئاسي الذي خطّه الرئيس قيس سعيد بخط يده للجملي، من حيث شكله ومضمونه، وأشاروا إلى أن الخط الذي استخدم في كتابته هو الخط المغربي، كما أشاروا إلى تقديم التاريخ الهجري على التاريخ الميلادي فيه، ما يعبّر -حسب رأيهم- عن موقف الرئيس المتمسك بهوية البلاد العربية الإسلامية.
وفي أول كلمة له بعد تسلّمه كتاب التكليف، قال الجملي (60 عاما): إن "مقياس اختيار أعضاء الحكومة سيكون الكفاءة والنزاهة مهما كانت الانتماءات، وسأكون منفتحاً على كل القوى السياسية دون تحفّظ على أي حزب، لا سيما التي ترغب في المساهمة في بناء خطط الإصلاح وإعداد برنامج لإنقاذ تونس من هذه الوضعية الصعبة التي تمرّ بها، كما سأنطلق فعلياً في الاتصال بجميع الأحزاب والمنظمات الوطنية لسماع آرائهم ومقترحاتهم، وأطلعهم على تصوري لمسار الحكومة وبرنامج عملها.
ولا ينتمي الجملي، البالغ من العمر 60 عاماً، إلى أي حزب، وهو حائز على درجة الماجستير في "التنمية الفلاحية والتصرف في المؤسسات".
ولا يُعرف للجملي أي توجه سياسي أو حزبي، سواء قبل الثورة التونسية أم بعدها، لكنه شغل منصب كاتب دولة (مساعد وزير) لدى وزير الفلاحة (الزراعة) بين عامي 2011 و2014، في عهد حكومتي النهضة برئاسة حمادي الجبالي وعلي العريض.
الجملي نفى في حديث صحفي مع "الجزيرة نت" انتمائه إلى حزب ودحض الشائعات التي تقول إنه محسوب على حركة النهضة، واعتبر أنه مستقل، ليس فقط عن النهضة بل عن جميع الأحزاب السياسية، وقال: المقربون مني يعرفون ذلك، أما عن حقيقة اقتراحي من قبل النهضة بخطة كاتب دولة للفلاحة خلال فترة "الترويكا" فقد تم ذلك على أساس أني شخصية مستقلة ذات كفاءة، وأؤكد أني لم ولن أنتمي لأي حزب، وهدفي الوحيد هو خدمة تونس، والتعاون مع جميع الأحزاب والمنظمات لإيجاد حل وبرنامج مشترك لإخراجها من وضعها الحالي.
أولى المشكلات التي ستواجه الحكومة الجديدة في حال تشكيلها هي إقرار الموازنة العامة لعام 2020، حيث تواصل نفقات أجور موظفي تونس نسقها التصاعدي في الموازنة الجديدة 2020، بعكس ما طلبه صندوق النقد الدولي، الذي دعا الحكومة بمقتضى اتفاق بين الجانبين إلى النزول بكتلة الأجور إلى حدود 12.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وتصبّ توقعات المراقبين نحو اصطدام الحكومة الجديدة بصعوبات في إقناع مؤسسة القرض الدولية بمواصلة صرف ما تبقى من شرائح القرض المتفق عليها.
وحول الوضع الاقتصادي في تونس ومستقبل البلاد في هذا الاطار، قال الجملي إنه سيفعل دور القطاع الخاص، واعتبر أنه من الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الذي سيمضي فيه، لأن فيه رهاناً على الاستثمار وعلى المؤسسات الخاصة، لما لها من دور في تحقيق النمو وتراكم الثروة وخلق مواطن شغل، لأن أجهزة الدولة لم تعد قادرة على استيعاب جميع طلبات الشغل، والرهان الأكبر سيكون على الاستثمار في القطاع الخاص، وعلى رجال الأعمال من أبناء تونس، دون أن ننسى طبعاً دفع الاستثمار الأجنبي وانفتاحنا عليه سواء من أشقائنا العرب أم باقي دول العالم.
لقد جاء تعيين الجملي بعد أن اشترطت معظم الأحزاب الممثلة في البرلمان التونسي تعيين رئيس حكومة من خارج حركة النهضة حتى تدخل في مشاورات لتشكيل ائتلاف حكومي، وأمام الجملي مهلة لا تتجاوز 60 يوماً لتشكيل حكومة تحظى بموافقة أغلبية نواب البرلمان.
في الختام يمكن القول إن الساحة التونسية تشهد ما بعد الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة وضعاً سياسياً من نوع آخر ... حيث تحدثت حركة النهضة ذات التوجه الإسلامي بصراحة عن "حقها" في رئاسة الحكومة التونسية القادمة أيضاً كونها الحزب الذي فاز بأكبر عدد من المقاعد في الانتخابات التشريعية الأخيرة حيث (فازت بــ52 مقعداً)، وترى أن من حقها دستورياً أن ترأس الحكومة.
وأياً يكن مصير الطموح السياسي لحركة النهضة في رئاسة الحكومة التونسية القادمة، فإن هذا الطموح يبقى مشروعاً شأنه شأن طموح أي من الأحزاب التونسية المشاركة في العملية السياسية بكل توجهاتها الفكرية، فالخلاف السياسي والأيديولوجي، هو خلاف مشروع وصحي إذا ما صدقت النوايا السياسية، فالشرط الوحيد لإبقاء هذه الخلافات في إطار التنافس المشروع، هو الالتزام بالدستور التونسي واحترام الإرادة الشعبية والحريات العامة والشخصية بعيداً عن التسلط الفكري أو الأيديولوجي وغير ذلك.