الوقت- تدخل المنطقة حالياً في "أزمة نفوذ" حيث يمكن تقسيم كعكة الشرق الأوسط على ثلاثة محاور أساسيّة، محور المقاومة، محور ما يسمى بالإعتدال العربي، ومحور الجماعات التكفيرية التي برزت في الآونة الأخيرة.
وعند الدخول في تفاصيل النفوذ، نرى أن الجماعات التكفيرية حقّقت تقدما ملحوظاً في سوريا والعراق، في حين لم يحقّق محور "الإعتدال العربي" أي تقدّم يذكر بل تلقى الهزيمة تلو الأخرى، حسب ما يصرّح قادته، وأما محور المقاومة الذي خسر بعضاً من نفوذه على الأراضي السورية والعراقية، إلا أنه حقّق تقدماً ملحوظاً على الساحة اليمنية، فضلاً عن تمتين العلاقة بين أجزاءه، ما دفع بالمنافسين وعلى رأسهم السعودية لإتهام طهران باحتلال أربع عواصم عربية، هي بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء.
في الواقع، إن المشهد الإقليمي العام يشهد ضبابية غير مسبوقة في ظل الحروب الحالية، سواء في سوريا، العراق، مصر، ليبيا أو اليمن. وبما أن الحرب تستعر حالياً في كافّة هذه الدول لمواجهة المحور الثالث أي الجماعات التكفيرية، لاسيّما المدعومة تركياً، سوف نقتصر البحث هنا على الحرب اليمنية وتأثيرها على النفوذ الإقليمي بإعتبارها تمثّل الكباش الأقوى بين المحورين الأول والثاني، المقاومة والإعتدال العربي، في حين يبدو السؤال مشروعاً وأكثر من ملح عما حققته السعودية في عدوانها على الشعب اليمني فـ "هل نجحت الرياض فعلاً في "إزالة التهديد" كما أعلن العميد العسيري بعد إنتهاء عاصفة الحزم وبدء ما يسمى بـ"إعادة الامل"؟ وأين إعادة ما يسمونها بالشرعية الى اليمن وأين هادي؟ وهل قضى العدوان على حركة أنصار الله واقتلعها من صنعاء؟ كيف يمكن قراءة النفوذ السعودي في المنطقة؟ وكيف ستؤثر الحرب اليمنية على مستقبل النفوذ في المنطقة؟
بكل بساطة، نجح الشعب اليمني في ترسيخ رسالة "الصمود الإستراتيجي" بالتوازي مع مقولة "الصبر الإستراتيجي"، لترتسم معها معالم مشهد جديد عنوانه يمن المقاومة والممانعة، بعد ان كان حديقة خلفيّة "لمملكة الخير" التي باتت حالياً "جارة السوء".
لم تنجح القوات السعودية رغم سياسة الإستنجاد بالعديد من دول العالم في تحقيق أهدافها الموسومة من العدوان الهمجي على الشعب اليمني، ورغم التقدّم الميداني الحاصل في بعض المحافظات الجنوبية، والتي خسرت الجزء الاكبر منه لصالح تنظيم القاعدة والحراك الجنوبي إلا انها لازالت مع القوّة الإماراتية تحتل المرتبة ما قبل الاخيرة من القوى المسلّحة في اليمن، اذ تستحوذ اللجان الشعبية والجيش اليمني على حصّة الأسد، في حين يحتل تنظيم القاعدة المرتبة الثانية، وميليشيات هادي والسعودية والقوة الإماراتية المرتبة ما قبل الاخيرة، في حين يقبع الحراك الجنوبي حالياً في المرتبة الاخيرة بفارق قريب عن السعودية، خاصةً إذاما أخدنا بعين الإعتبار أهمية عدن من الناحية الإستراتيجية في المشهد اليمني.
أما هدفهم، أو بالأحرى إدعائهم بنجاج "عاصفة الحزم" في "إزالة التهديد" رغم مرور آلاف الطلعات الجويّة منذ هذا الإعلان، فقد إنكشف زيفه ووهنه بعد دخول معادلة الرعب الجديدة المتمثلة بصواريخ سكود الإستراتيجية، ولاحقاً صواريخ الكورنيت المضادة للدروع.
قبل الدخول في النتائج المترتبة على العدوان السعودي على اليمن، لا بد من سرد بعض الوقائع التي تعرّضت لها السعودية والدخول من خلالها لواقع الازمة اليمنية وتداعياتها، وفي هذا السياق لا بد من ذكر التالي:
أولاً: تنفق السعودية مليارات الدولارات في سبيل مواجهة محور المقاومة، والفكر الشيعي تحديداً، سواءً عبر الترويج للهلال الشيعي أو "إيران فوبيا"، أو عبر دعم المدارس التكفيرية في آسيا الوسطى، إلا أن كافّة مشاريعها الإستثمارية لم تأت أُكُلها، بل على العكس بات محور المقاومة يؤرق آل سعود أكثر فأكثر.
ثانياً: رغم إستخدام السعودية لكافّة قدراتها في سبيل تشويه صورة ايران، إلا أننا نشاهد اليوم أن الجماعات التكفيرية، سواءً داعش أو القاعدة، التي تربّت على أيدٍ سعودية والعديد من قياداتها سعودية الجنسية أيضاً، تهاجم نظام آل سعود، وتتهدده بين الفينة والأخرى.
ثالثاً: لم تنجح جهود رفيق الحريري في لبنان، أردوغان في تركيا، أياد علاوي في العراق، حمد بن خليفة في قطر، والملك عبدالله في السعودية بإبعاد دمشق عن محور المقاومة، أو بالأحرى قطع حلقة الإرتباط بين طهران والضاحية.
رابعاً: رغم أن الرياض تعتبر نفسها حليف أمريكا الأقوى في المنطقة، إلا أننا نشاهد بين الفينة والأخرى تردداً لدى واشنطن في تقديم أي خدمة مجانية للرياض، رغم أن الاخيرة تمتلك باعاً طويلاً في خدمة "السخرة" لسيد "البيت الأبيض".
من خلال هذه النقاط نرى أن الرياض التي بذلت مليارات كفيلة بالقضاء على البطالة والفقر في العالم العربي، تسببت سياستها الشعواء في الحد من نفوذها الإقليمي، وأما بالنسبة لتداعيات الحرب اليمنية، تجدر الإشارة إلى الأمور التالية:
أولاً: وضع آل سعود أنفسهم في مواجهة الشعب اليمني بأكمله حيث لم تستثن غارات طائراتها الأمريكية الصنع أي منطقة او فصيل في اليمن، وبالفعل باتت السعودية اليوم "جارة السوء" بعد أن كانت لعقود عنواناً "لمملكة الخير"، كما كان يروّج النظام المستفيد سعوديا.
ثانياً: لم تعد السعودية الشقيقة الكبرى للعديد من دول مجلس التعاون، سواءً عمان، أو قطر المصابة بداء العظمة، أو حتى الإمارات التي تفتش عن دور أكبر من حجمها يعترضه الدور السعودي.
ثالثاً: إن التكلفة المالية الضخمة للحرب اليمنية باتت ترهق الميزانية السعودية، حتى أن الحديث بات يطرح بجدية حول سياسة التقشف كما أوضح الإعلامي المقرب من النظام خالد خاشقجي. وسياسة التقشف لا تنذر بالخير للرياض على الصعيدين الداخلي والخارجي.
رابعاً: سياسة التقشف تعني أن مصر ستبتعد عن الفلك السعودي وكذلك البحرين، كما أن حلفاء الرياض في لبنان الذين يعانون من ازمات مالية، سيُجبرون على التعامل بواقعية مع كافّة الأفرقاء، وربما نشهد تشكيل حكومة جديدة تتلائم مع تطلعات حركة الثامن من آذار، حكومة يسعى من خلالها سعد الحريري لتامين مصاريف تياره.
خامساً: قد نشهد في المستقبل القريب صعوداً إماراتياً على حساب السعودية، كما أن اليمن بالتاكيد لن يعود حديقةً خلفيةً لآل سعود.