الوقت- لا يزال الوضع في كشمير متفاقماً على خلفية الخلاف المتصاعد بين الهند وباكستان، والذي يمتد لما يقارب سبعة عقود على التوالي دون أن يصل أي من البلدين لحلّ توافقي يرضي جميع الأطراف، وعلى العكس من ذلك نجد أنه بعد مضي هذه العقود الأمور بدأت تتأزم وتتفاقم وهناك دماء تسيل من الجانبين.
مؤخراً تبادلت الهند وباكستان الاتهامات بالمسؤولية عن قصف عبر الحدود في منطقة كشمير المتنازع عليها أسفر عن مقتل وإصابة جنود ومدنيين من الجانبين، في واحد من أكثر الأيام دموية منذ أن ألغت نيودلهي الوضع الخاص بكشمير في آب.
وقالت الهند إن قصفاً باكستانياً عنيفاً عبر الحدود في منطقة تانغدار بشمال كشمير في ساعة متأخرة الليلة الماضية أودى بحياة جنديين هنديين ومدني.
في مقابل ذلك احتجت إسلام آباد لدى الهند على مقتل ثلاثة مدنيين في منطقة كشمير المتنازع عليها، وتم استدعاء دبلوماسي كبير من البعثة الدبلوماسية الهندية في إسلام آباد إلى وزارة الخارجية في أعقاب ما وصفت بأنها "انتهاكات غير مبررة لوقف إطلاق النار" من قبل قوات الحدود الهندية، وطُلب من الجانب الهندي احترام اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم إبرامه عام 2003 بشأن كشمير، المقسم إلى جزأين: أحدهما يخضع لسيطرة الهند والآخر باكستان. وقُتل ثلاثة أشخاص على الأقل وأصيب اثنان آخران في القتال الذي وقع الخميس على طول الحدود الفعلية في منطقة نيلوم.
دولياً جدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوغريك، دعوة الأمين العام غوتيريش لحل الخلافات في كشمير عن طريق الحوار.
وتشهد العلاقات بين الهند وباكستان توترات متصاعدة، على خلفية إلغاء نيودلهي الوضع الخاص لولاية "جامو وكشمير"، القسم الخاضع لسيطرتها من الإقليم المتنازع عليه مع إسلام آباد.
وتفرض نيودلهي، منذ أكثر من شهر، حظراً للتجول وقيوداً على الاتصالات في الإقليم، بحسب رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية حسين واني، ويضم الجزء الخاضع لسيطرة الهند من كشمير جماعات مقاومة تكافح منذ 1989، ضد ما تعتبره "احتلالاً هندياً" لمناطقها.
ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذا الأغلبية المسلمة.
أسباب الخلاف
باكستان ترى في سيطرة الهند على كشمير تهديداً لأمنها القومي والمائي باعتبارها منطقة حيوية لوجود ثلاث مناطق رئيسة للزراعة بالإضافة إلى خطوط التجارة وشبكة السكك الحديدية.
من جانبه حذّر خبير دولي بالشؤون الآسيوية من أن باكستان قد تواجه نقصاً حادّاً في المياه بحلول عام 2025 في ظل تفاقم حدّة التوتر مع الهند إثر قرار نيودلهي وقف تدفق مياه أحد الأنهار إلى جارتها الواقعة إلى الشمال الغربي منها.
وتقول مجلة فورين بوليسي الأمريكية المعنية بالقضايا الدولية إن قرار الحكومة الهندية ببناء سد على نهر رافي (أحد روافد نهر السند الستة) يذكي نار الصراع بين الجارتين النوويتين اللتين اشتبكتا في معارك حول إقليم كشمير المتنازع عليه بينهما.
أما الهند فترى في كشمير عمقاً استراتيجياً لها أمام الصين وباكستان وترى أن استقلالها على أساس ديني او عرقي سيفتح الباب أمام ولايات أخرى للانفصال وتتهمها منظمات حقوقية بارتكاب جرائم إنسانية ضد الإنسانية في كشمير.
قلق الهند هذا دفع الحكومة الهندية، يوم 5 آب إلى إعلان إلغاء الحكم الذاتي في الجزء الخاضع لإدارتها من كشمير، وفرضت حظراً على التجمّعات العامة في منطقة سريناغار والمدن المحيطة بها، بصورة أغضبت باكستان، التي وعدت برد مناسب.
ويقطن الجزء الخاضع للإدارة الهندية من كشمير، أغلبية مسلمة، منذ تقسيم الهند وإعلان دولة باكستان في عام 1947، بينما يدّعي كلا البلدين سيادته الكاملة على مجمل كشمير.
كما ذكرنا آنفاً كشمير الهندية، هي المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند، وهو واقع يزعج القوميين الهندوس في حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء، ناريندرا مودي.
ويخشى المسؤولون المحليون في الولاية، من أن يفتح الإجراء الهندي أبواب الولاية أمام استقرار القادمين من خارجها بصورة، ربما تؤدي إلى تغيير الوضع الديموغرافي، الذي يمثل المسلمين نسبة الأغلبية فيه، بحسب "بي بي سي".
في المقابل تخشى باكستان من احتمال تدفق كبير للهندوس على كشمير الهندية، حيث إن تغيّر ديموغرافية المنطقة سيؤدي إلى ترجيح الكفة الجيوسياسية في تلك المنطقة، لمصلحة الهند، بحسب صحيفة "التايمز" البريطانية.
يجب ألّا ننسى أمراً مهماً تفكر فيه الهند يتمثل بأنها تنظر لنفسها على أنها نظير للصين وليس منافساً لباكستان، وترى أن الوقت قد حان للتوقف عن تبديد طاقاتها بالمنافسة مع جارتها التي تنتمي للدرجة الثالثة.
وذكر تقرير نشرته مجلة أجنبية أن اقتصاد الهند يناهز عشرة أضعاف نظيره الباكستاني، كما أن الفجوة آخذة في الاتساع، وللهند مصالح متعددة مع أمريكا واليابان، وينظر إليها باعتبارها عملاقاً في المنطقة.
وأفاد التقرير بأن سياسة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي تجاه باكستان تتمثل في قطع الصلات مع باكستان، إذ لم تكتف الهند بالرد على الهجمات "الإرهابية" القادمة من باكستان بهجمات عسكرية في 2016 و2019 وحسب، بل ركّزت جهودها الدبلوماسية على عزل باكستان دولياً.
وتصاعد التوتر على جانبي الحدود في كشمير منذ في الآونة الأخيرة، بعد أن نشرت نيودلهي أكثر من 10 آلاف جندي في الإقليم، وفرضت تدابير أمنية عدة بينها الدعوة إلى تخزين الطعام والوقود.
وتقول الهند، إن باكستان تموّل متشددين مسلحين وجماعات انفصالية في الجزء الخاضع للهند من كشمير، بينما تنفي إسلام آباد الاتهامات الهندية وتقول إنها لا تقدّم سوى الدعم الدبلوماسي والمعنوي للحركة الانفصالية.
ماذا عن الوضع داخل كشمير؟
الحال في الداخل ليس أكثر استقراراً، حيث إن حركات المقاومة في كشمير، توزّعت بين الحركات الداخلية، ويغلب عليها الطابع السياسي، والحركات الخارجية التي تنتهج مبدأ المقاومة المسلحة وتتهم الهند باكستان بدعمها.
وصف رئيس تحرير صحيفة ميللي جازيت الهندية ظفر الإسلام خان الوضع في كشمير الهندية على أن الناس في الداخل "يعيشون في سجن كبير، وقد فرضت الأحكام العرفية، وتم تقييد الذهاب لصلاة الجمعة وجعلها في المساجد القريبة فقط، حتى ماكينات الصراف الآلي (ATM) لا تعمل".
ومع استمرار العزل التام عن كشمير الهندية منذ 4 أغسطس الحالي بعد إلغاء الحكم الذاتي، الذي استمر لسبعة عقود، تتصاعد التوترات بين الجارتين النوويتين بعد مقتل خمسة جنود باكستانيين ومثلهم من الهنود في اشتباكات على الحدود، مع حالة غليان، وانتظار ما ستسفر عنه جلسة لمجلس الأمن الدولي الجمعة، تثار التساؤلات حول سيناريوهات الأزمة المحتدمة.
في الختام.. بين آمال ووعود الاستقلال يظل سكان كشمير بين مطرقة الهند وسندان باكستان.