الوقت- يبدو أن سلام الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط للوفد السوري في الجمعية العامة للأمم المتحدة لم يعجب الإدارة الأمريكية التي لا نبالغ إذا قلنا أنها تخشى من عودة سوريا في الوقت الراهن إلى الجامعة العربية، لأنها ترى في ذلك انتصاراً لسوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد على جميع قوى الغرب، ولذلك سارعت للتحذير من عودة سوريا إلى الجامعة العربية، ما اضطر أبو الغيط لمناقضة أفعاله بالأقوال، وهذا ما يوضح تماماً سبب برودة سلام الجانب السوري عليه وعدم مبادلته نفس "الحرارة" في "السلام والمصافحة".
غضب واشنطن العارم من عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتمهيد أبو الغيط للأمر دفع الإدارة الأمريكية للتحذير من هذه العودة والوقوف في وجهها، وجاءت الحجة هذه المرة بأن سوريا غير ملتزمة بالقرار 2254، وأكدت ذلك عبر صفحة السفارة الأمريكية بدمشق على (الفيس بوك)، حيث طالبت الجامعة بـ "التصدي لأي جهد يرمي إلى إعادة الحكومة السورية قبل ذلك الشرط"، أي تنفيذ قرار مجلس الأمن 2254.
وحذّرت من أي "محاولة للترحيب بعضوية الحكومة السورية مرة أخرى في جامعة الدول العربية أو استئناف للعلاقات معه من شأنها أن تقوّض جهد واشنطن الجماعي الرامي إلى التحرك نحو التوصل إلى حل دائم وسلمي وسياسي للصراع الدائر في سوريا".
من هنا لم نستغرب انقلاب أبو الغيط على تصرفاته والتعلّيق، على مصافحته وزير الخارجية السوري وليد المعلم، مؤخراً خلال اجتماعات الدورة السنوية الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وأوضح أبو الغيط، خلال حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط"، أنها "لا تعني أن الأبواب باتت مفتوحة لتعود دمشق إلى شغل مقعدها في الجامعة"، موضحاً أن "الإرادة الجماعية العربية لم تتوافر بعد لتسوية المشكلة مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد".
ولاحظ الأمين العام للجامعة العربية أن "الشرط الرئيس هو ألّا تكون سوريا الجديدة، التي تصل تكاليف إعادة إعمارها إلى ما بين 600 مليار و800 مليار دولار، مرتمية في أحضان إيران"، على حد تعبيره.
في المقابل كان ردّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم على عودة سوريا إلى الجامعة العربية صريحاً وواضحاً وذا مغزى ومعنى وعلى أبو الغيط أن يسمعه جيداً، إذ قال المعلم في لقاء مع قناة "الميادين"، بثته مساء الأربعاء، حول عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية "إن موضوع الجامعة العربية يتعلق بالدول الأعضاء وهم مرتبطون بقرار أمريكي".
ولفت وزير الخارجية السوري إلى أنه من المفروض أن تأتي الجامعة إلى سوريا حتى تصبح عربية".
وفي سياق لقائه مع قناة "الميادين"، أكد وليد المعلم أنه "إذا لم يخرج الأمريكيون والفرنسيون من سوريا، هناك وسائل مشروعة تستطيع أن تُجبرهم على الخروج".
وأكد المعلم أن "إيران لم تأت كما جاءت أمريكا إلى سوريا فهي دُعيَت للمساهمة في حربنا ضد الإرهاب"، متابعاً: لا جيوش إيرانية إطلاقاً في سوريا بل يوجد بعض المستشارين... وهؤلاء المستشارون الإيرانيون يقومون بعمل مميز في مكافحة الإرهاب.
وجمّدت جامعة الدول العربية عضوية سوريا، في تشرين الثاني 2011، بعد شهور قليلة على اندلاع الأحداث فيها، وفي شباط الماضي، قال أبو الغيط إنه "لم يرصد توافقاً عربياً يمكن أن يؤدي إلى عودة سوريا إلى الجامعة العربية".
الدول العربية أدركت أنها أخطأت بحق سوريا وشعبها، لذلك بدأت تعود نحو سوريا وبالمقابل لم تقدم سوريا على أي خطوة لاسترضاء الجامعة العربية، خاصة بعد أن أصبحت في موقع قوة، واستطاعت أن تخرج من أصعب محنها بعيداً عن هذه الدول التي دعمت الفوضى في سوريا، ومع ذلك سوريا لم تغلق الباب في وجه أي دولة تريد أن تعيد العلاقة معها، وما يؤكد هذا الأمر فتح أبوابها لكل من البحرين والإمارات اللتين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر 2018، كما أعاد الأردن التمثيل الدبلوماسي بين عمّان ودمشق، وسبق ذلك زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير لسوريا ولقاؤه مع الرئيس السوري بشار الأسد نهاية العام الماضي.
كما خفَّف المغرب من لهجته أيضاً بشأن سوريا، حيث أشار وزير الخارجية ناصر بوريطة، في يناير 2019، إلى دعم دعوات من بعض الدول العربية إلى عودة دمشق لجامعة الدول العربية.
أما تونس فسبق أن أيَّدت على لسان وزير خارجيتها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فقال خميس الجهيناوي خلال تصريح له، في يناير الماضي، إنَّ "المكان الطبيعي" لسوريا هو داخل جامعة الدول العربية.
من جهتها لبنان لم تقبل منذ اللحظة الأولى بإخراج سوريا من الجامعة العربية، واعترضت على هذا القرار، إلا أن بقية الدول مجتمعة أصرّت على تجميد عضوية سوريا، لكن سوريا اليوم لم تعد تريد العودة إلى هذه الجامعة إلا بشروطها وليس بشروط الجامعة، خاصة وأن القوي هو من يفرض شروطه.
سوريا أصبح لها علاقات صادقة وحقيقة خارج الجامعة مع الكثير من الدول ولاسيما مع إيران وروسيا وغيرها من القوى التي ساهمت مجتمعة بإخراج سوريا من محنتها، ونجحت في ذلك، لتكون النتيجة تقوية محور المقاومة وتعاظم قدراته في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والعراق، وكان عدم سقوط سوريا هو بمثابة نصر لجميع قوى المقاومة في العالم وهزيمة لكل من أراد إسقاط هذا المحور، وبالتالي ما هي حاجة سوريا للعودة إلى الجامعة العربية؟، وماذا ستقدّم لها هذه الجامعة؟، الحماية؟ أم إشراكها في قرارات جديدة لنشر الفوضى في دولة جديدة؟.
سوريا ليست بحاجةٍ إلى العودة إلى الجامعة العربية في صورتها الحاليّة، وبعد الخطايا التي يصعُب غُفرانها وتمثّلت في "تشريع" مُؤامرات التدخّل والتّدمير الأمريكيّة لها، ولليبيا والعِراق واليمن، والعكس هو الصّحيح، بمعنى أنّ الجامعة، ومن جَلسوا أمام مِقودها القيادي في السنوات السبع الماضية، هم الذين بحاجةٍ إلى عودتها على أمل التّطهُّر من هذه الخطايا.
سوريا سيكون لها شروطها، وأي مساس بالعلاقة بين سوريا وإيران سيواجه رفضاً واستهجاناً سورياً عالي المستوى، حتى لو قدمت بعض الدول الخليجية مئات المليارات لإغراء سوريا لأن سوريا أصبحت على دراية تامة باختيار أصدقائها ولن تتخلى عن من قدّم الدعم والعون لها.