الوقت- لم يكن سلاماً عادياً حتى ولو بدا عفوياً إلا أن السياسة علمتنا أنه لا عفوية في "السياسة"، وبالتالي فإن سلام الأمين العام لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط على وزير الخارجية السوري، وليد المعلم ومصافحته الحارة له وللوفد المرافق تعكس الكثير من الدلالات عن المناخ السياسي الذي يدور في كواليس الجامعة العربية وبين الدول العربية على وجه العموم.
اللقاء بين أبو الغيط والمعلم حصل في أروقة الأمم المتحدة، بحسب ما أظهرته لقطات منشورة على "تويتر"، واللقاء كان قصيراً للغاية، إذ يصل أبو الغيط من خلف وليد المعلّم، وقال أبو الغيط باللهجة المصرية: "مساء الخير! يعني مش معقول. إزَّيَك"، قبل أن يصافح المعلّم ويُقبّله على وجنتيه.
ومن ثم صافح أبو الغيط نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد والسفير السوري لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، وقال أبو الغيط للمسؤولين السوريين: "والله، أنا بفرَح جدّاً لمّا بشوفكم"، قبل أن يربت على كتف المعلّم، ليرد عليه المقداد باللهجة السورية "باين"، ليتجه بعدها نحو المعلم ويهمس بأذنه عدة كلمات سريعة قبل أن يخرج.
المشهد القصير أظهر مدى اندفاع أبو الغيط نحو الوفد السوري ومدى برودة ردة فعل الجانب السوري، وهذا يعدّ أمراً طبيعياً بعد أن جمّدت الجامعة العربية عضوية سوريا وساهمت في نشر الفوضى على الأراضي السورية، ودعمت الجماعات المسلحة في سوريا حتى أنها منحتهم مقعد سوريا في الجامعة العربية في العام 2013 عندما عقدت هذه القمة في دولة قطر، حيث كانت الكفة ترجّح حينها للجماعات المسلحة بعد أن تلقّت دعماً بالمال والسلاح من بعض الدول الخليجية والعربية، إلا أن انتفاضة سوريا في وجه الإرهاب بعد العام 2015 كانت كفيلة بطرد المعارضة السورية من الجامعة العربية، ليبقى المقعد شاغراً حتى اللحظة.
الدول العربية أدركت أنها أخطأت بحق سوريا وشعبها، لذلك بدأت هذه الدول تعود نحو سوريا وبالمقابل لم تقدم سوريا على أي خطوة لاسترضاء الجامعة العربية، خاصة بعد أن أصبحت في موقع قوة، واستطاعت أن تخرج من أصعب محنها بعيداً عن هذه الدول التي دعمت الفوضى في سوريا، ومع ذلك سوريا لم تغلق الباب في وجه أي دولة تريد أن تعيد العلاقة معها، وما يؤكد هذا الأمر فتح أبوابها لكل من البحرين والإمارات اللتين أعادتا فتح سفارتيهما في دمشق في ديسمبر 2018، كما أعاد الأردن التمثيل الدبلوماسي بين عمّان ودمشق، وسبق ذلك زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير لسوريا ولقاؤه مع الرئيس السوري بشار الأسد نهاية العام الماضي.
كما خفَّف المغرب من لهجته أيضاً بشأن سوريا، حيث أشار وزير الخارجية ناصر بوريطة، في يناير 2019، إلى دعم دعوات من بعض الدول العربية إلى عودة دمشق لجامعة الدول العربية.
أما تونس فسبق أن أيَّدت على لسان وزير خارجيتها عودة سوريا إلى الجامعة العربية، فقال خميس الجهيناوي خلال تصريح له، في يناير الماضي: إنَّ "المكان الطبيعي" لسوريا هو داخل جامعة الدول العربية.
من جهتها لبنان لم تقبل منذ اللحظة الأولى بإخراج سوريا من الجامعة العربية، واعترضت على هذا القرار، إلا أن بقية الدول مجتمعة أصرّت على تجميد عضوية سوريا، لكن سوريا اليوم لم تعد تريد العودة إلى هذه الجامعة إلا بشروطها وليس بشروط الجامعة، خاصة وأن القوي هو من يفرض شروطه.
سوريا أصبح لها علاقات صادقة وحقيقة خارج الجامعة مع الكثير من الدول لاسيما مع إيران وروسيا وغيرها من القوى التي ساهمت مجتمعة في إخراج سوريا من محنتها، ونجحت في ذلك، لتكون النتيجة تقوية محور المقاومة وتعاظم قدراته في لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والعراق، وكان عدم سقوط سوريا هو بمثابة نصر لجميع قوى المقاومة في العالم وهزيمة لكل من أراد إسقاط هذا المحور، وبالتالي ما هي حاجة سوريا للعودة إلى الجامعة العربية؟، وماذا ستقدّم لها هذه الجامعة؟، الحماية؟ أم إشراكها في قرارات جديدة لنشر الفوضى في دولة جديدة؟.
سوريا ليست بحاجةٍ إلى العودة إلى الجامعة العربية في صورتها الحاليّة، وبعد الخطايا التي يصعُب غُفرانها التي تمثّلت في "تشريع" مُؤامرات التدخّل والتّدمير الأمريكيّة لها، ولليبيا والعِراق واليمن، والعكس هو الصّحيح، بمعنى أنّ الجامعة، ومن جَلسوا أمام مِقودها القيادي في السنوات السبع الماضية، هم الذين بحاجةٍ إلى عودتها على أمل التّطهُّر من هذه الخطايا.
سوريا سيكون لها شروطها، وأي مساس بالعلاقة بين سوريا وإيران سيواجه رفضاً واستهجاناً سورياً عالي المستوى، حتى لو قدمت بعض الدول الخليجية مئات المليارات لإغراء سوريا لأن سوريا أصبحت على دراية تامة باختيار أصدقائها ولن تتخلى عن من قدّم الدعم والعون لها.
سوريا اليوم قوية وموقف الجامعة العربية اليوم ضعيف جداً، ولن تعود سوريا إلى هذه الجامعة إلا بشروطها التي من حقها الحصول عليها بعد أن قدمت آلاف الشهداء للحفاظ على تراب أرضها ولن تتخلى عن كل هذه التضحيات مقابل أن يقول ابو الغيط للسوريين "والله انا بفرح لما بشوفكم".
فرحتك يا أبو الغيط دعها لنفسك لأن فرح السوريين أصبح يختلف عن فرحك، وعلى أبو الغيط وغيره أن يعتذروا مئات المرات من الشعب السوري لكي تقبل سوريا العودة إلى الحضن العربي الذي لم يكن دافئاً على الأقل طوال الـ8 سنوات الماضية.