الوقت - عقدت الدورة الرابعة والسبعون للجمعية العامة للأمم المتحدة في أمريكا في وقت تمكّنت فيه القوات اليمنية قبل بدء القمة بفترة وجيزة، وفي حدث مهم جداً، من وقف جزء كبير من صادرات النفط السعودية، من خلال هجوم هائل وعنيف على منشآت النفط السعودية.
وقد أدّى هذا بدوره إلى ارتفاع أسعار الطاقة وزيادة بنسبة 15٪ في أسعار النفط، وكذلك أثار مخاوف السعوديين وحلفائهم الغربيين بشأن المسار المستقبلي للحرب اليمنية.
ومع ذلك، سعت السعودية وحلفاؤها الغربيون، وخاصةً أمريكا لتوجيه الرأي العام العالمي لإلقاء اللوم على إيران في الهجوم، مستغلةً فرصة قمة الأمم المتحدة والمخاوف الدولية بشأن ارتفاع أسعار النفط قبل موسم البرد، ومن خلال بناء إجماع عالمي وتكثيف الحملة غير المشروعة المتمثلة في الضغط الأقصى ضد إيران، حاولوا تحويل خسارتهم إلى الربح، أو التعويض عن هزائمهم الأخيرة جزئياً على الأقل.
تم التخطيط لسيناريو هذه المسرحية في عدة أبعاد، لكنها لم تسفر عن النتائج المتوقعة لهذه الدول في جميع الأبعاد.
لقد حاول الأمريكيون في البداية منع قدرة طهران على استغلال الموقف، عن طريق عرقلة قدوم الوفد الإيراني إلى الأمم المتحدة، لإحباط الجهود السياسية والإعلامية للأمريكيين الذين زعموا في الأشهر الأخيرة أنهم يريدون التفاوض دون شروط مسبقة، لإضفاء الشرعية على انسحابهم من الاتفاق النووي وانتهاك قرار مجلس الأمن.
لم تنجح جهود أمريكا في هذا الصدد، وتمكّن الوفد الإيراني من الحضور إلى الأمم المتحدة ومقابلة مسؤولين في دول أخرى، وإن كان ذلك بقيود كثيرة، وإبلاغ الرسائل المنطقية للجمهورية الإسلامية المتمثلة في الدعم الكامل للدبلوماسية ونهج التفاوض مع طلب عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، وإلغاء جميع العقوبات ووفاء الأطراف الغربية بتعهداتها.
وفي اجتماعاته الجماعية والمنفصلة مع النخب والسياسيين ووسائل الإعلام، أعلن الرئيس الإيراني "حسن روحاني" أن استمرار العقوبات التي يتم فرضها تحت عنوان أقصى قدر من الضغط، هي بمثابة الشروط المسبقة العملية لأمريكا للتفاوض، بينما بالنسبة لنا يجب أولاً إزالة أي شرط مسبق للتفاوض، وهو ما رفضه ترامب، الأمر الذي يثبت الطابع المسرحي لخطته التفاوضية غير المشروطة.
كذلك حضرت إيران في الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملةً مشروعاً تحت عنوان "خطة هرمز للسلام"، للحفاظ على الاستقرار والأمن البحري، وعبور البضائع والنفط في الخليج الفارسي وبحر عمان، ما يثبت مسؤولية إيران وعزمها الحقيقي للحفاظ على أمن الخليج الفارسي، على عكس الدعاية الإعلامية المكثفة.
في بعد آخر، فإن الدول الأوروبية ودون تقديم أي دليل، عن طريق إصدار بيان مشترك، ألقت باللوم على إيران في الهجوم على منشآت النفط السعودية، ثم انتقدت برنامج طهران الصاروخي الدفاعي.
وجاءت هذه الخطوة كجزء آخر من خطة سابقة لتسميم أجواء الأمم المتحدة ضد إيران، حتى تضطر طهران إلى التراجع وقبول مفاوضات جديدة نتيجةً للضغوط.
ومع ذلك، وصف روحاني هذه الادعاءات بأنها لا أساس لها من الصحة في مقابلة مع قناة "إي بي سي نيوز"، داعياً أمريكا والدول الأوروبية الثلاث أي ألمانيا وفرنسا وبريطانيا إلى تقديم ما لديهم من الأدلة، بالنظر إلى المعدات والأقمار الصناعية التي بحوزتهم لمراقبة المنطقة، بدلاً من توجيه الاتهامات، حتى يمكن للعالم الحكم على بطلان مزاعمهم.
عدم استسلام إيران ورفضها المستمر للمزاعم الأوروبية، جعلا دولاً أخرى مثل روسيا وتركيا، تشكك في صحة دور إيران في الهجوم على أرامكو، ما أدى إلى إضعاف البيان الأوروبي.
نتيجةً لذلك، بدأ رؤساء الدول الأوروبية الثلاث ببذل المساعي على الفور، تعويضاً للاتهامات التي وجهوها، وفي دوران تكتيكي، عن طريق اللقاء والتشاور مع الوفد الإيراني، لتمهيد الأرضية لعقد لقاء بين روحاني وترامب.
لكن بعد هذه الإخفاقات، حاول ممثلو السعودية والكيان الإسرائيلي في جهد منسَّق، استغلال فرصة الحديث أمام الجمعية العامة، لتكرار اتهام إيران بالضلوع في الهجوم على أرامكو، لخلق جو معادٍ لإيران في الأمم المتحدة.
ففي البداية، "يسرائيل كاتس" وزير خارجية الكيان الإسرائيلي الذي كان يتحدث إلى المقاعد الفارغة للأمم المتحدة يوم الخميس، لأن جميع مسؤولي العالم تقريباً غادروا القاعة، كرَّر مسألة تورط إيران المزعوم في الهجوم على أرامكو السعودية، وحثّ المجتمع الدولي على الانضمام إلى حملة العقوبات الأمريكية لزيادة الضغط على إيران.
ويأتي الاتهام الإسرائيلي لإيران بدعم الإرهاب في حين أنه في كل أسبوع تقريباً يقتل ويجرح عدد من الفلسطينيين في قطاع غزة، الذين يشاركون في "مسيرات العودة" السلمية كل يوم جمعة منذ مارس من العام الماضي.
وفي أحدث حالة، ذكرت وزارة الصحة الفلسطينية بالأمس أنه في أعقاب العنف العسكري الإسرائيلي خلال هذه المسيرات، استشهد شاب فلسطيني وأصيب 68 آخرون.
الجرائم الصهيونية الأخيرة جعلت اجتماع الأمم المتحدة هذا العام مريراً جداً للصهاينة، بحيث في البداية، دعا الرئيس التركي "أردوغان" إلى مواجهة عالمية للنزعة التوسعية لهذا الكيان وخططه غير المشروعة للاستيلاء على الأراضي منذ البداية وحتى الآن.
ثم جاء الدور لرئيس الوزراء الماليزي "مهاتير محمد" الذي قال إن جذور العديد من الحروب في المنطقة كانت بعد تشكيل الكيان الصهيوني، وأضاف: بعد إقامة الكيان الصهيوني، شهدت المنطقة انتشاراً هائلاً للإرهاب، في حين كانت هذه الأحداث نادرةً من قبل.
وزير خارجية السعودية "إبراهيم العساف" أيضاً وخلال كلمته، تماشياً مع تصريحات وزير خارجية الكيان الصهيوني في اتهام إيران بمهاجمة أرامكو، دعا العديد من الدول للانضمام إلى حملة الضغط القصوى الأمريكية ضد طهران.
ودون أدنى إشارة إلى المجازر اليومية بحق الشعب اليمني، بما في ذلك النساء والأطفال اليمنيين، وكذلك استمرار الحصار اللا إنساني للشعب اليمني، وهو مثال واضح على جرائم الحرب، اتهم إيران بزعزعة استقرار المنطقة وتهديد السلام.
لم تبق هذه الكلمات دون رد، إذ قال "إسحاق آل حبيب" السفیر ومساعد مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة مساء الجمعة: قد يكون من الضروري تذكير السعوديين بأن السعودية، وليس إيران هي التي أنفقت مليارات الدولارات لنشر الكراهية والتطرف لعقود في جميع أنحاء العالم.
كما وصف النظام السعودي بأنه تهديد كارثي للسلام والأمن في المنطقة، قائلاً إن أسرة آل سعود الفاسدة، حوَّلت أرض السلام والتسامح إلى مصدر للتطرف والإرهاب.
وأضاف: بينما كان الإيرانيون يقاتلون القاعدة وغيرها من الجماعات الإرهابية في أفغانستان، كانت السعودية هي التي تموّلهم وتزودهم بالأسلحة بسخاء.
كما أشار المندوب الإيراني إلى المساعدات الإيرانية للشعبين العراقي والسوري وحكومتيهما لهزيمة إرهابيي داعش، مذكّراً بدور السعودية في الدعم الإيديولوجي واللوجستي والمالي لهؤلاء الإرهابيين.
كما تحدّث عن جرائم الحرب الكاملة التي ترتكبها السعودية ضد أفقر جار لها، وقال: إن السعودية، وليس إيران، هي التي تقطع رقاب خصومها السياسيين المسالمين، وقامت برفع مستوى سلاحها من "السيف" إلى "المنشار".
ولكن في هذه الأثناء، من المؤكد أن أهم ضربة للخطة السعودية الأمريكية الصهيونية لبناء الإجماع ضد إيران في الأمم المتحدة، كانت لليمنيين الذين تمكّنوا من القبض على "آلاف" المسلحين في عملية كبيرة بالقرب من الحدود مع محافظة "نجران" السعودية يوم السبت، بعد ساعات فقط من مزاعم السعودية، ليثبُت أن اليمنيين لا يحتاجون إلى جهة أخرى لهزيمة السعودية في الحرب.