الوقت - بعد العديد من عمليات القمع في مصر، بدأت أول مظاهرة مناهضة للحكومة منذ عام 2011 يوم السبت الماضي في ميدان التحرير ضد الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي".
بغض النظر عن توقيت هذه الاحتجاجات وأبعادها، فإن السؤال المهم الذي أثارته هذه الاحتجاجات هو، إلى أي مدى تبشّر هذه الاحتجاجات بانتفاضة الشعب المصري مجدداً وكيف سيكون انتشارها في الأيام القادمة؟
جذور الاحتجاجات
في أعقاب الإطاحة بمحمد مرسي، عندما احتشد أنصاره في ميدان "العدوية"، استخدمت القوات المصرية القوة المفرطة والعنيفة ضدهم ما أسفر عن مقتل 250 من المحتشدين، الأمر الذي مهَّد الأرضية لوصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة.
وبعد عام من هذه المجزرة، وصل السيسي الذي كان رئيس هيئة الأركان المشتركة سابقاً إلى الرئاسة المصرية في انتخابات مثيرة للجدل، وخلال هذه الفترة، استمرت عمليات إعدام وقمع قادة جماعة الإخوان المسلمين وبعض الأحزاب الأخرى.
خلف الهدوء الذي ساد مصر بعد عام 2014، كانت هناك أحداث أخرى قيد التشكيل وراء التطورات في مصر.
بالتزامن مع القمع وصعود السيسي، زاد الفساد في الدولة المصرية أيضاً، إلى جانب ذلك، كانت الحكومة تتبع سياسات التقشف التي فرضت المزيد من الضغوط على الشعب.
لكن الحكومة المصرية، ومن دون إصلاح هيكلي للفساد، بنت مهمتها على أساس قمع الإخوانيين ومنع أي حزب آخر من الوصول إلى السلطة، وكانت هذه السياسة في مصلحة بعض الدول العربية والكيان الإسرائيلي.
ولهذا السبب، حتى في سياسات الاقتصاد الكلي أيضاً، كانت الحكومة المصرية تعتمد على المؤسسات والحكومات الأجنبية.
حصلت مصر على حزمة من صندوق النقد الدولي بقيمة 12 مليار دولار في عام 2008، كما تلقّت مساعدات بمليارات الدولارات في عدة مراحل من السعودية والإمارات والكويت، لكن هذه المساعدات ليس فقط لم تؤد إلى تعزيز الاقتصاد المصري، بل نشرت الفساد وأوسعت الفجوة بين المسؤولين الحكوميين أيضاً.
الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أعلن أن الفقر في هذا البلد قد بلغ 32.5٪. والحكومة المصرية التي كانت تتوقّع موجةً جديدةً من الاحتجاجات، كانت لا تزال خائفةً من خطر "محمد مرسي".
ومع ذلك، توفي مرسي في المحكمة وفاة مشبوهة أواخر يونيو. وبعد موته بفترة وجيزة، توفي أيضاً ابنه "عبد الله" البالغ من العمر 24 عاماً، والذي كان قد تم اعتقاله عدة مرات وأفرج عنه بكفالة، في حادث وفاة مشبوه.
ولأنه لم يتم حل المشكلات السياسية والاقتصادية في مصر من الجذور، فإن إزالة الزعماء والأحزاب والشخصيات المؤثرة لم يكن لها تأثير في منع الشعب المصري من الاحتجاج مرةً أخرى، وهذه المرة كان الناشط الاقتصادي والممثل المصري "محمد علي" الموجود في إسبانيا، هو الذي اتخذ الخطوة الأولى في تشجيع الناس على تنظيم المظاهرات.
ففي رسالته على وسائل التواصل الاجتماعي، كشف محمد علي عن هدر الجيش المصري للممتلكات العامة وبناء 5 فيلات من قبل مساعدي السيسي وعائلته، ما أثار غضب الرأي العام ضد الحكومة.
بدء الاحتجاجات
بدأت الاحتجاجات في ميدان "طلعت حرب" في القاهرة عاصمة مصر والميادين الأخرى، وكذلك استمرت في المدن الشمالية مثل "الإسكندرية" في منطقة "دلتا النيل"، وفي مدينة "السويس" في شمال شرق مصر.
في البداية حاولت الحكومة ووسائل الإعلام المرتبطة بها إظهار الأوضاع على أنها هادئة، ومن خلال إذاعة النشيد الوطني واستخدام الشخصيات الفنية، دعت الناس إلى تجاهل الاحتجاجات.
وقبل ساعات من الاحتجاجات، ألقى مسؤولو الأمن القبض على "ضياء سعد الكتاتني" نجل رئيس مجلس الشعب المصري السابق، والذي كان قد سجن من قبل، بتهمة الاستعداد للمشاركة في المظاهرات.
مع انتشار المظاهرات، أُجبرت وسائل الإعلام الحكومية على الاعتراف بذلك، لكنها وصفت المظاهرات في ميدان التحرير بالمحدودة، وحاولت تصويرها على أنها محاولة من قبل متفرجي كأس السوبر المصري، ولكن الإجراءات لم تمنع الناس من الخروج إلى الشوارع في اليوم التالي.
مع انتشار الاحتجاجات، ذكرت قناة "الجزيرة" يوم الأحد أن الشرطة المصرية قد اعتقلت أكثر من 220 متظاهراً حتى الآن مع استمرار الاحتجاجات في ميدان التحرير.
كما أعلنت المفوضية المصرية للحقوق والحريات في تقرير لها، أنه تم اعتقال أفراد من 112 محافظة.
وقد دعا "محمد علي" ونشطاء مصريون آخرون الناس إلى مظاهرة حاشدة يوم الجمعة 27 سبتمبر.
هذه المرة أيضاً ومن أجل حرف الرأي العام، أحالت الحكومة المصرية في إجراء عاجل وبناءً على أمر أصدره جهاز "الكسب غير المشروع" في وزارة العدل، أحد المسؤولين البارزين في المكتب الرئاسي ومسؤول آخر في "شركة المقاولون العرب" الحكومية لمحاكمة عاجلة.
ومع ذلك، لا تزال تواصل الحكومة محاولة منع التجمع يوم الجمعة من خلال اعتقال القادة.
وفي هذا السياق، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على المهندس "عبد العزيز الحسيني" نائب رئيس حزب "الكرامة"، وأحالت قضيته إلى نيابة أمن الدولة.
السيسي نفسه وفي خطاب ألقاه عام 2015، أقسم ثلاث مرات بلفظ الجلالة بأنه إذا اختارت الإرادة الشعبية أي شخص آخر غيره لرئاسة مصر، فسوف يتنحّى عن السلطة، وها هو الشعب المصري الآن يطالب في الشوارع والفضاء الإلكتروني بتنحي السيسي.
كذلك، دعا محمد علي وزير الدفاع المصري "محمد زكي إبراهيم" إلى اعتقال السيسي لوقف إراقة دماء المصريين، وأكد على أنه إذا لم يتم اعتقاله، فسوف يسافر إلى القاهرة شخصياً، وسيتعيّن على وزير الدفاع حينئذ دفع ثمن عواقب إهماله.
بعض المحللين يشككون في نجاح محمد علي في مواصلة إدارة الاحتجاجات على المدى الطويل، كما قال الدكتور "محمد عماد الدين" العضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري في هذا الصدد: يبدو أن بعض منتقدي السيسي داخل الدوائر الحكومية يريدون استخدام محمد علي کـ "كعب أخيل" الحكومة لخدمة مصالحهم، ولكنهم سيجتازونه في المستقبل.
ومع ذلك، فإن الاحتجاجات المصرية هي نتيجة خمس سنوات من الغضب الكامن وتجاهل الطلب العام، ولا يمكن أن تعتمد على محمد علي أو عدد قليل من الشخصيات المحددة.
وكان العديد من المحللين قد تحدثوا عن زلزال سياسي في مصر قبل بدء الاحتجاجات.
في هذا الصدد، كتب المحلل السياسي المصري "محمد أبو رزق" مقالاً في موقع "الخليج أونلاين"، قال فيه إن السيسي: "تلاعب بسمعة جيش بلاده وجعله مادةً للتشكيك في نزاهته وشفافيته، من قبل المقاولين والمواطنين العاديين، والمؤسسات غير الرسمية، ووسائل إعلام عربية ودولية، هذا ما صنعه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالجيش المصري."
لذلك، بالنظر إلى وعود "السيسي" عام 2015 وعجزه عن إدارة البلاد لعدة سنوات، تزداد الآن التوقعات الشعبية بإبعاده عن السلطة يوماً بعد يوم، مع توقع استمرار الاحتجاجات في الأيام المقبلة.