الوقت- يمرّ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي باختبار صعب خلال هذه الأيام بعد أن انتقل الغضب الشعبي من وسائل التواصل الاجتماعي إلى أرض الميدان، وبالتحديد إلى الميادين والمناطق التي أسقطت الرئيسين حسني مبارك ومحمد مرسي، ما يفتح الباب أمام تساؤلات عديدة حول التظاهرات الجديدة التي خرجت إلى الشارع يوم الجمعة 20 سبتمبر، وكيفية تعامل الشرطة معها، وإمكانية استمرارها وهل من الممكن أن تطيح بالسيسي أم سيتمكن بذكائه من امتصاص غضب الشارع؟.
التظاهرات خرجت في العاصمة المصرية "القاهرة" وعدة مدن أخرى، منها " الشرقية"، والإسكندرية، والسويس، وطالب المتظاهرون برحيل السيسي، وبهذا يكون الفنان والمقاول محمد علي قد خطا أولى خطواته العملية في التهديدات التي أطلقها في وجه السيسي، ولا نبالغ إذا قلنا أن محمد علي تفاجأ هو نفسه بخروج هذا العدد من المتظاهرين إلى الشارع والذي ينذر بتوسّع غضب الناس خلال الفترة المقبلة، ومن هنا وجد علي أن الفرصة مناسبة للدعوة إلى مليونية جديدة يوم الجمعة المقبلة، وما علينا سوى الانتظار لنرى إلى أين ستسير الأمور، وإذا صحّت الشائعات بأن رجالاً من داخل النظام المصري هم من يقفون خلف محمد علي ويدعمونه من داخل مصر، سيكون التحدي كبيراً جداً أمام السيسي، وعليه أن يتعاطى بجدية مع هذه المظاهرات لأن تجربة ثورة يناير لاتزال حاضرة في عقول المصريين ولن يردعهم أحد عن النزول إلى الشارع.
الأمر الذي سيدفع الناس للعودة إلى الشارع هو تعاطي رجال الأمن مع المتظاهرين، والذي يمكن أن نصفه بأنه لم يكن عنيفاً، على الرغم من القيام باعتقالات هنا وهناك، إلا أن الشرطة حاولت قدر المستطاع عدم قمع المتظاهرين، وأشاد مصريون بضابط شرطة منع جنوده من الاعتداء على المتظاهرين ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي في العاصمة القاهرة، وحقق فيديو للضابط انتشاراً كثيفاً على مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت تعرّض فيه متظاهرون آخرون للاعتقال والضرب من قبل عناصر شرطة.
ونشرت صفحة "أسرار محمد علي" على موقع "فيسبوك" مقطع فيديو للضابط، الذي ما إن بدأ عناصره بمهاجمة المتظاهرين وملاحقتهم حتى هرع مسرعاً إلى مقدمتهم، وطلب منهم التهدئة وعدم الاعتداء على المتظاهرين، وطلب من عناصره الرجوع، قبل أن يتحدث مع عدد من المتظاهرين كانوا يحملون هواتفهم النقالة ويصورون تصرّف الضابط.
ما قام به الضابط ليس سلوكاً فردياً على ما نعتقد وإنما يعود إلى توجيهات من قيادة الشرطة لمنع استخدام العنف في المظاهرات السلمية، وما زالت هناك أسئلة غامضة تحيط بتظاهرات الجمعة 20 سبتمبر/أيلول، أحدها يتمثّل في تعامل الشرطة "غير المعتاد" مع المتظاهرين في البداية ثم قيامهم بالفض باستخدام قنابل الغاز، والثاني حول إمكانية وقوع انقلاب عسكري بالفعل ضد الرئيس المصري.
السيناريوهات المطروحة:
بعد التظاهرات الأخيرة والتي قد تقوّض حكم السيسي، بدأت تخرج عدة تكهنات حول مستقبل السيسي، وطبيعة المرحلة المقبلة، من بين هذه السيناريوهات نذكر التالي:
أولاً: إسقاط السيسي
قد يكون هذا السيناريو مطروحاً وبقوة وقد نشهد نتائجه خلال الفترة القريبة القادمة في حال صدق القول بأن هناك جهات داخل مصر وتحديداً داخل المؤسسة العسكرية تريد الإطاحة بالسيسي خاصة بعد أن فقدت الثقة به، بعد فضائح الفساد وبناء القصور وردّ السيسي الضعيف واعترافه بهذا الأمر خلال مؤتمر الشباب.
سلوك رجال الأمن خلال المظاهرات يدعم هذه الفكرة وقد يشجع الناس على النزول إلى الشارع في الأسابيع المقبلة، وقد نشهد مظاهرات مشابهة لتلك التي أسقطت حسني مبارك في العام 2011.
ثانياً: التمسّك بالسلطة حتى اللحظة الأخيرة
واضح جداً من شخصية السيسي أنه سيتمسك بالسلطة ولن يسلمها للشعب حتى آخر لحظة، خاصة وأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يدعمه بقوة ويصفه بـ"ديكتاتوري المفضل"، ناهيك عن احتمالية وجود أطراف داخل السلطة لا تزال تدافع عن وجود السيسي وبقائه على اعتبار أن بقاءها مرتبط ببقائه، وهذا الأمر قد يفسّر سبب ذهاب السيسي إلى نيويورك دون أن يخشى من شيء، وهذا دليل ثقة وقوة في هذه اللحظات العصيبة، ولكن قد يقول البعض أن المظاهرات لا تزال في بدايتها وما قام به السيسي هو مجرد استعراض لا أكثر من ذلك، وفي حال استمرت جهات داخل النظام بدعم السيسي وبقيت جهات أخرى تحاربه سينعكس ذلك على الشارع المصري وقد ينزل الجيش إلى الشارع ويتورط في سفك دماء المصريين، وحينها سيكون مستقبل مصر غامض ومحفوف بالمخاطر.
ثالثاً: الارتهان للشارع والنزول عند طلبات المتظاهرين
قد يتمكّن السيسي في حال كان يحظى بمستشارين أذكياء من امتصاص غضب الشارع وتقديم وعود بمحاسبة المقصرين والفاسدين، والقيام بمحاكمات علنية، وتقديم عدة شخصيات كبيرة ككبش فداء ليبقى السيسي ويهدأ الشارع، ولكن هذا الأمر بطبيعة الحال مرتبط بعدة عوامل، منها الشعب نفسه والمسؤولون داخل السلطة والسيسي.
انطلاقاً من كل تلك المعطيات وتراتبيتها الزمنية، بدا، في خلال الساعات الماضية، أن ثمة أيادٍ من داخل "بيت النظام"، وربما من الجيش تحديداً، تحاول قلب الطاولة على السيسي، وإن كان من المبكر الحكم على طبيعة ما يجري، خصوصاً في ظلّ توجّه الرئيس إلى نيويورك مع ما يعنيه الأمر من اطمئنان يستشعره، بعدما كانت الجهات السيادية اقترحت عليه البقاء داخل البلاد.
وفي انتظار اتضاح الصورة، يبقى أكيداً أن ثمة مشهد جديد بدأ يرتسم في مصر، التي كانت شهدت انتفاضة شعبية في 25 كانون الثاني/ يناير 2011 أطاحت حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومن بعدها بسنتين تظاهرات مدعومة من العسكر أزاحت الرئيس الراحل محمد مرسي، ليحلّ محلّه حتى اليوم عبد الفتاح السيسي.