الوقت- وسط مقاطعة عربية وغربية وأممية واسعة، وفي ظل احتجاجات شعبية واسعة، انطلقت اليوم أولى الخطوات التنفيذية لصفقة القرن في العاصمة البحرينية المنامة.
وتبدأ الورشة الاقتصادية التي تحمل عنوان الازدهار من أجل السلام اليوم الثلاثاء في العاصمة البحرينية المنامة برعاية أمريكا بشأن التنمية الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية، في ظل غياب الجانب الفلسطيني والكثير من الدول العربية والأجنبيّة.
المشاركة العربية اقتصرت على كل من مصر والأردن والمغرب في الورشة إلى جانب دول خليجية، في حين لم تُدع الحكومة الإسرائيلية، بل يوجد صحافيون إسرائيليون في البحرين بعدما حصلوا على تصريح خاص من البيت الأبيض لحضور المؤتمر الاقتصادي، في سابقة بتلك المملكة الخليجية.
هذ الصفقة التي ترافقت مع احتجاجات عربية واسعة، تتزامن أيضاً مع إضراب شامل لمختلف مرافق الحياة في قطاع غزة، وفي حين قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس الأحد "إنّ أمريكا تحوّل القضية من سياسية إلى اقتصادية، نحن لن نحضر إلى المنامة ولا نشجع أحداً للذهاب هناك"، أكد رئيس الحكومة محمد اشتيه إن عدم مشاركة الفلسطينيين في ورشة البحرين الاقتصادية أسقط الشرعية عنها، واصفاً محتواها بالهزيل ومخرجاتها بالعقيمة.
وبين الرفض الفلسطيني - العربي، مقابل الإصرار الأمريكي-السعودي - الأمريكي، يبدو أن مؤتمر البحرين سينتهي من حيث بدأ فلسطينياً، حتى لو لم يكن كذلك عربياً، وهنا تجدر الإشارة إلى التالي:
أوّلاً: يبدو واضحاً للجميع أن صفقة القرن تهدف لتصفية القضية الفلسطينية، لا لإحلال السلام كما يدّعي أصحابها، فقد أعرب جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبيل ساعات من انطلاق "مؤتمر المنامة" في البحرين عن رفضه لمبادرة السلام العربية لعام 2002 كأساس لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
وتنصّ مبادرة السلام العربية التي اقترحها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز في قمتها التي عقدتها في بيروت عام 2002 على إقامة دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وحلّ عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وانسحاب "إسرائيل" من هضبة الجولان السورية المحتلة، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، مقابل اعتراف الدول العربية بـ "إسرائيل"، وتطبيع العلاقات معها.
اليوم، لا دولة فلسطينية، ولا القدس عاصمة، ولا تحرير للأراضي العربية المحتلّة، وللأسف هناك بعض العرب يريدون تطبيع علاقاتهم مع الكيان الإسرائيلي.
ثانياً: لماذا يصرّ بعض العرب على ورشة البحرين وصفقة القرن رغم فقدانها للشرعية سواءً من الفلسطينيين أنفسهم أم العرب والمسلمين؟ يبدو أن هناك دولاً عربية قد ضاقت ذرعاً بالتطبيع السري وتريد إخراج هذا الأمر إلى العلن، فلذلك لا بدّ من البدء بصفقة القرن، سواء نجحت أم لم تنجح، عندها سيكون بعض العرب، وتحديداً السعوديّة والإمارات والبحرين في حلّ من أمرهم، يمارسون التطبيع العلني دون أيّ حرج، وبالتالي إسقاط القضية الفلسطينية بالتقادم.
ثالثاً: من الناحية القانونية، لا تحمل هذه الصفقة أي شرعية تذكر لا سيّما في ظل غياب الجانب الفلسطيني، وقد أوضح رئيس الوزراء الفلسطيني هذا الأمر عندما قال "حتى التمثيل في هذه الورشة لم يكن كما يجب، وأهم تمثيل فيها لفلسطين التي تغيب عن هذا المؤتمر، بل نحن رفضنا أن نشارك"، متابعاً: "هذا المؤتمر يعقد بغيابنا، وهذا يسقط الشرعية عنه، والقضية الفلسطينية حلها سياسي متمثل في إنهاء الاحتلال وسيطرتنا على مواردنا، وسيكون بإمكاننا بناء اقتصاد مستقل".
لا تنتهي الشرعية عند حدود الرفض الفلسطيني، بل يطول كل الأقطار العربية والفلسطينية، وما يبدو لافتاً أيضاً أن جميع الدول العربية التي تسير بصفقة القرن هم مملكات وشيخات، حيث لا يوجد حتى دولة واحدة فيها رئيس منتخب.
في الحقيقة، إن مشكلة الشعب الفلسطيني من العام 1948 مع هذه المشيخات قبل أي جهة أخرى، ولكن اليوم قد ظهرت هذه المشكلة إلى العلن.
رابعاً: هناك رسالة منسوبة للملك السعودي عبد العزيز يهب فيها فلسطين للبريطانيين، هناك من حاول التشكيك بهذا الأمر.
اليوم تفعل السعودية الأمر ذاته بالتعاون مع الإمارات، وأما بالنسبة للبحرين فهي لا تعدو عن كونها ساعي بريد سعودي، فأي أمر قد يسبب الحرج للسعودية يتمّ زج الملك البحريني في القضيّة.
خامساً: هناك معارضة حتى في تلك الدول المشاركة في الصفقة، فإضافة إلى التظاهرات التي شهدتها البحرين رفضاً للصفقة، تبنت كتلة برلمانية أردنية، الثلاثاء، مذكرة تطالب بحجب الثقة عن حكومة رئيس الوزراء عمر الرزاز، على خلفية مشاركتها في "ورشة البحرين"، وذكرت الكتلة في رسالتها: "تجاوزت الحكومة الموقف الشعبي والنيابي الذي عبّر عن رفضه مشاركة الأردن في ورشة البحرين المشؤومة، وأعرضت الحكومة عن كل الرسائل التي وجّهت لها لتحذيرها من الخروج عن موقف الشارع الأردني والإجماع الوطني، وأصرّت كعادتها على اتخاذ مواقف لا تخدم مصلحة الأردن، ولا تتفق ومصالح مواطنيه".
في الخلاصة، إن ورشة البحرين ورغم خطورتها تمثّل أول حجر عثرة أمام صفقة القرن، وربّما أول مسمار في هذا النعش، لذلك نعتقد أن فرص نجاح هذه الصفقة في ظل مقاطعة الطرف المهم بالمعادلة وهو الجانب الفلسطيني تقترب من الصفر اليوم، ربّما يريدها بعض العرب بوابة للعبور نحو التطبيع العلني، ولكنها لن تكون كذلك فلسطينياً، وسنعود بعد فشل هذه الصفقة إلى المعادلة الذهبية: ما أخذ بالقوة لا يستردّ إلاّ بالقوّة.