الوقت- لم تعد الساحة السورية ساحة حرب بين طرفين فحسب، إذ باتت الانقسامات تخترق جبهة الجماعات المسلحة إلى حدٍ أدى إلى 7000 قتيل خسرتهم الجماعات التكفيرية خلال 6 أشهر من الصراع الدائر بينها، وذلك حسب ما أعلنه المرصد السوري المعارض، كما اعترفت أمريكا في وقت سابق وعلى لسان المتحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي أن نصف فرقة المقاتلين الذين تولت أمريكا تدريبهم تعرضوا للقتل والإعتقال على يد جماعات مسلحة أخرى رغم أن تدريب ٦٠ مقاتلاً كلف البنتاغون ٤٢ مليون دولار.
ليس من مصلحة أمريكا ولا المرصد السوري المعارض إظهار هذه الحقائق والإعلان عنها، إلا أن الحرب الدائرة بين المجموعات المسلحة وصلت إلى الذروة ولم تعد خافيةً على أحد، ولهذا تحاول القيادة الأمريكية جمع الشمل الذي بات مشتتاً أكثر من أي وقت مضى، وذلك من خلال إظهار الخسائر الناتجة عن التشرذم المتغلغل في جماعاتٍ أصابها العجز عن تحقيق أي إنجازات تقوي الموقف الأمريكي حيال الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 4 أعوام لم تستطع خلالها الجماعات المسلحة تحقيق أي تقدم يقلب الواقع لصالحها.
الضعف في صفوف الجماعات التكفيرية أُضيف إليه التشتت وحالة العداء التي تفاقمت في الآونة الأخيرة، ويعود هذا التشتت إلى أسباب كثيرة يعتبر انقسام الدول الداعمة لهذه المجموعات أهمها، إذ أن كل فصيل مسلح يعود بولائه إلى دولة معينة تقدم له الدعم والمهام التي يتولى تنفيذها، وكثيراً ما تتعارض مهامه مع مهام فصيلٍ آخر نتيجة انقسام وتشتت أهداف الدول الداعمة لكل من الفريقين، ومع وجود العتاد والعديد تشتعل نيران الحرب، ولا شك أن اختلاف تركيا مع أمريكا حول المنطقة العازلة يشكل أبرز نموذج لتعدد الأهداف، فتركيا تحاول الإعداد لحلم المنطقة العازلة من خلال الجماعات الخاضعة لها وعلى رأسها "جيش الفتح" الذي يضم عدة فصائل أبرزها "جبهة النصرة" الإرهابية، ويقابل المشروع التركي هذا رفض أمريكي صريح، ما يعني أن أمريكا ستحاول تحريك عناصرها عكس هذا المشروع، ما يفسر الصدام الحاصل بين "جبهة النصرة" ومجموعة "سوريا الجديدة" المدعومة أمريكياً.
السبب الثاني لتفتت الجماعات المسلحة يعود إلى الطبيعة الفكرية لهذه التنظيمات، وإن كانت الجرائم بحق المدنيين هي القاسم المشترك بين جميع الفصائل، إلا أن هذا لا يدل على وحدة إيديولوجية بالضرورة، فزعيم "جبهة النصرة" الإرهابية "أبو محمد الجولاني" في مقابلته مع قناة الجزيرة القطرية اتهم عناصر تنظيم داعش الإرهابي بأنهم خوارج، وكذلك فإن "أبو بكر البغدادي" كفّر "النصرة" و"الجبهة الإسلامية"، وكون بعض التنظيمات تتشارك في عدو واحد لايعني أنها تقف في نفس الخندق ضد هذا العدو، فتنظيم "داعش" الإرهابي و"جبهة النصرة" يقاتلان ضد بعضهما البعض رغم أنهما يشتركان في معاداة الكثير من الفصائل الأخرى كتنظيم "جبهة ثوار سوريا".
السبب الثالث للحرب الدائرة بين الجماعات المسلحة هو سعي كل تنظيم إلى السيطرة على أكبر مساحة من الأرض السورية وإظهار نفسه على أنه الأقوى من بين كل الجماعات الأخرى، وذلك لجلب الدعم له من أكبر عدد ممكن من الدول، وكمثال على هذا ما فعلته "جبهة النصرة" في وقت سابق إذ استولت على جبل الزاوية الذي كان بيد "جبهة ثوار سوريا"، وذلك على أمل أن السيطرة على هذا الجبل الاستراتيجي سيجلب لها الدعم التركي نتيجة أهمية هذه المنطقة في التمهيد للعمليات اللاحقة في ريف إدلب، وبالتالي فإن تركيا ستحتاج إليها لمشروع المنطقة العازلة التي تحلم بها.
والسبب الرابع يعود إلى الخسائر غير المتوقعة التي تكبدتها هذه الجماعات في حربها ضد الدولة السورية، الأمر الذي أدى إلى تبادل اتهامات التقصير والتخوين بين الكثير من الفصائل، فبعد كل تقدم للجيش السوري تعلو صيحات الاتهام بين المسلحين، ومعركة القلمون التي تكبد فيها المسلحون خسائر فادحة أدت إلى اتهام أمير "جبهة النصرة" في القلمون المدعو "أبومالك الشامي" تنظيم "داعش" الإرهابي بالتواطؤ مع الجيش السوري وحزب الله، وتعود هذه التهم إلى أن كل تنظيم يحاول إلصاق الخسارة بالتنظيمات الأخرى حفاظاً على الدعم الذي يتلقاه من الخارج.
الإنشقاق الذي تعاني منه الجماعات المسلحة والذي تحاول أمريكا ترميمه لا يمكن أن يُحلَّ مهما تضافرت الجهود، فلو كان هناك مجال لتوحيد صفوف الكتائب التكفيرية لكنا شهدنا هذه الوحدة منذ 4 سنوات، وخاصة أن الإنقسام أصبح اليوم أعمق والتشتت بات أشد، إذ طفى انقسام الدول الداعمة على السطح، وباتت أمريكا تكذب علناً تركيا التي ادعت موافقة القيادات الأمريكية بشأن المنطقة العازلة، وعلى هذا يمكن القول للمعولين على الجماعات التكفيرية المشتتة: هذا حال عناصركم وهي ضعيفة، فماذا تتوقعون لو ازدادوا قوةً وتوغلوا أكثر!؟
