الوقت- شهدت مدينة سيدني خلال الأيام القليلة الماضية حادثة إرهابية أعادت إلى الواجهة أسئلة كبرى تتعلق بالإرهاب، والدين، والضمير الإنساني، ففي الهجوم الذي استهدف مدنيين يهود، تبيّن أن المنفذين يحملون فكراً متطرفاً مرتبطاً بتنظيم "داعش"، وهو ما يؤكد مرة أخرى أن الإرهاب لا دين له، وأن ضحاياه في الغالب أبرياء لا علاقة لهم بالصراعات السياسية أو العقائدية، هذه الحادثة، رغم قسوتها، فتحت نافذة واسعة للنقاش حول التمييز بين الأديان كمنظومات أخلاقية، وبين الجماعات المتطرفة التي توظف الدين كغطاء للعنف والقتل.
"داعش" والسياسة: حين يلتقي التطرف مع المصالح
لا يمكن قراءة هذه الحادثة بمعزل عن السياق السياسي الأوسع، وخاصة مع ما هو موثق من علاقات غير مباشرة بين حكومات إقليمية وجماعات متطرفة استُخدمت كأدوات في صراعات النفوذ، فقد أظهرت الوقائع أن عناصر مرتبطة بـ"داعش" تلقّت دعماً أو علاجاً في فترات سابقة، في تناقض صارخ مع الخطاب المعلن لمحاربة الإرهاب، هذا التناقض يكشف أن التطرف لا يعيش في فراغ، بل يُغذّى أحياناً بسياسات انتقائية ترى في الجماعات المسلحة وسيلة لتحقيق أهداف آنية، قبل أن تنقلب نتائجها على الجميع، كما حدث في سيدني وغيرها من مدن العالم.
أحمد الأحمد: مسلم ينقذ يهوداً ويكسر الصورة النمطية
في قلب هذا المشهد المأساوي، برز اسم أحمد الأحمد، المسلم الذي تحوّل في لحظات إلى عنوان إنساني كبير، فحين أدرك أن هناك هجوماً إرهابياً يستهدف مدنيين يهود، لم يتردد في تعريض حياته للخطر من أجل إنقاذهم، رغم علمه المسبق بهويتهم الدينية، هذا الموقف لم يكن فعل شجاعة فردية فحسب، بل تجسيداً حياً لقيم الإسلام التي تقدّم حماية الإنسان على أي اعتبار آخر، لقد شكّلت هذه الحادثة رداً عملياً وقوياً على كل محاولات ربط الإسلام بالإرهاب، وأعادت التذكير بأن التطرف هو انحراف عن الدين لا تعبير عنه.
الفعل الإنساني وإعادة تشكيل الوعي العام
أعادت حادثة سيدني الاعتبار لفكرة أن الأخلاق الفردية قادرة على مواجهة خطاب الكراهية العالمي. فالفعل الذي قام به أحمد الأحمد لم يكن رد فعل عاطفياً، بل ممارسة واعية لقيم إنسانية راسخة، هذا الحدث، في سياقه الزمني الحاضر، قدّم نموذجاً عملياً ينسف السرديات التي تساوي بين الإسلام والعنف، كما أنه عزز الثقة المجتمعية، وفتح نقاشاً عاماً حول دور الأفراد في حماية السلم الأهلي، إن ترسيخ هذه القصة في الوعي الإعلامي يسهم في بناء خطاب متوازن، يحاصر التطرف، ويمنح الإنسان مكانته قبل أي انتماء ديني أو سياسي، ويؤكد مسؤولية الإعلام والمجتمع في تحويل الحدث إلى درس أخلاقي دائم للأجيال القادمة كافة جمعاء.
غزة وازدواجية المعايير: العنف حين يفقد شرعيته
في موازاة هذه الحادثة، تتواصل المجازر بحق المدنيين في غزة، حيث يُقتل الآلاف من الأبرياء تحت غطاء سياسي وأمني، في مشهد لا يختلف في جوهره عن جرائم الجماعات الإرهابية، وإن اختلفت الأدوات والخطابات، فالعنف ضد المدنيين، أياً كان مصدره، يظل جريمة أخلاقية وإنسانية، ومن هذا المنطلق، تبرز مقارنة قاسية بين فعل أحمد الأحمد الفردي القائم على إنقاذ الأرواح، وبين سياسات رسمية تُدار بعقلية عسكرية لا ترى في الإنسان سوى رقم في معادلة القوة، ما يضع هذه السياسات في خانة واحدة مع الفكر المتطرف الذي تدّعي محاربته.
نتنياهو وسياسات العنف الممنهج
تمثل سياسات نتنياهو نموذجاً صارخاً للعنف الممنهج الذي يتجاوز حدود الصراع إلى استهداف الإنسان، فاعتماده القوة المفرطة، وتبرير قتل المدنيين في غزة، يعكس انهياراً أخلاقياً عميقاً، كما أن ربط الأمن بالعسكرة الدائمة غذّى التطرف بدل احتوائه، وشرعن ممارسات تضع الدولة في موقع الاتهام الدولي، هذه السياسات لم تفشل أخلاقياً فحسب، بل ألحقت ضرراً استراتيجياً بالمجتمع ذاته، عبر تعميق الانقسام، وتوسيع العزلة، وإهدار الموارد، إن المقارنة مع فعل إنساني فردي تكشف حجم الفجوة بين من ينقذ الحياة، ومن يدير الموت كخيار سياسي، وهي سياسات تكرّس ثقافة الإفلات من المحاسبة وتغلق أي أفق حقيقي للسلام العادل والدائم إقليمياً ودولياً مستقبلاً قريباً واضحاً.
انهيار الخطاب الأخلاقي في زمن القوة
تكشف تطورات الأحداث الأخيرة عن تراجع واضح في الخطاب الأخلاقي الذي يُفترض أن يرافق إدارة الصراعات، فحين تتحول القوة العسكرية إلى أداة وحيدة لإدارة الأزمات، يغيب المنطق الإنساني وتُهمَّش القيم العالمية التي تحرّم استهداف المدنيين، هذا الانحدار لا يقتصر على ساحات القتال، بل ينعكس في الخطاب السياسي والإعلامي الذي يسوّغ العنف ويعيد تعريف الضحية والجاني وفق موازين القوة، في هذا السياق، تصبح الأفعال الإنسانية الفردية، مثل ما جرى في سيدني، بمثابة صوت ضمير نادر يفضح اختلال المعايير، ويؤكد أن الشرعية الأخلاقية لا تُكتسب بالقوة، بل بحماية الإنسان وصون حياته وكرامته.
دلالات الحدث: بين إنسانية الأفراد وفشل السياسات
تقدّم حادثة سيدني، بكل عناصرها، صورة مكثفة عن الصراع الحقيقي في عالم اليوم: صراع بين إنسانية الأفراد وفشل السياسات العنيفة، فبينما يرفع أحمد الأحمد راية الضمير الإسلامي والإنساني في لحظة خطر، تواصل حكومات تبرير العنف الجماعي باسم الأمن، هذا التناقض لا يفضح زيف الاتهامات الموجهة للإسلام فحسب، بل يكشف أيضاً أن مستقبل الاستقرار والتقدم لا يُبنى بالقوة، بل بالقيم، وباحترام حياة الإنسان، وبالاستثمار في العقل لا في السلاح، وهنا، تتحول قصة أحمد الأحمد من خبر عابر إلى رسالة عالمية في زمن تتراجع فيه الأخلاق أمام صخب السياسة.
