الوقت- أدخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلاده في أتون الصراعات الإقليمية، حيث أشعلت سياساته المتطرفة حرباً جديدة مع حزب العمال الكردستاني بعد فترة من وقف إطلاق النار (عام 2013) ومحادثات السلام "المجمّدة حالياً" وفق أردوغان، وجبهة أخرى بوتيرة أقل مع تنظيم داعش الإرهابي بإعتبار أنه سمح لطائرات التحالف الدولي بإستخدام قاعدة "أنجرليك" الجوية جنوب شرق تركيا.
أردوغان الذي لم يستطع حصد الأغلبية النيابية المتوخاة، قال مؤخراً في مراسم توديع رئيس الأركان العامة نجدت اوزيل في انقرة "سنستمر في نضالنا حتى يضعوا سلاحهم، وحتى يغادر آخر ارهابي البلاد"، متهماً رئيس حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان بعدم فهم جوهر عملية السلام التي تهدف إلى انهاء ثلاثة عقود من التمرد الكردي . ويرجح العديد من المحللين أن إعلان حزب العدالة والتنمية الحرب ضد حزب العمال الكردستاني، وبوتيرة أخف ضد تنظيم داعش الإرهابي يهدف إلى إستعادة الأصوات التي خسرها في الانتخابات الأخيرة وتسببت في تقويض سياساته، إذ تعتبر الخسارة المفاجئة في شعبية الحزب صفعة كبيرة بعد فوزه في كافة الانتخابات السابقة منذ العام 2002.
دعوة أردوغان لنزع سلاح الأكراد تفتح باب التساؤل حول مصير الأكراد في تركيا والمنطقة، فماذا لو سلّم "حزب العمال الكردستاني" سلاحه؟ هل سيحصل الأكراد على مطالبهم؟ وماذا لو رفض حزب العمال الكردستاني طلب أردوغان معلنين إستمرار قتالهم ضد الجيش التركي؟
قبل الدخول في الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من التأكيد على أن أي حرب بين الجانبين، لن تكون في صالح أردوغان قبل غيره، أي أنه المتضرّر الأكبر من الحرب القائمة حالياً، فرغم أنها تمثل خطراً كبيراً على أمن تركيا وإستقرارها، إلا أن ما هو أخطر من ذلك دخول السياحة التركية وعائداتها التي تقدّر بحوالي الـ30 مليار دولار في المجهول، وبالتالي قد يبحث أكثر من 35 مليون سائح عن مكان آخر. إن نجاح أردوغان الإقتصادي تسبب بنجاحه السياسي، لذلك فإن أي مستجدات سلبية على الوضع الإقتصادي ستنعكس سياسياً.
نزع سلاح "حزب العمال الكردستاني"
لا تخلو مطالبة أردوغان لحزب العمال الكردستاني بتسليم السلاح من أمرين، إما الموافقة أو الرفض، وفي هذا السياق لا بد من ذكر التالي:
إن موافقة الأكراد على نزع سلاحهم يعني بشكل أو بآخر إنتهاء صراع دموي طال أكثر من ثلاثة عقود، وبالتالي لا بد للحزب من الإنخراط في العملية السياسية، ولكن لا ندري ما هي الضمانة التي تمنع من إنتهاك حقوقهم بشكل فادح بعد إلقاء السلاح، خاصةً أن أكثر من 40 ألف شخص قتل حتى الآن خلال الحرب مع القوات التركية، معظمهم من الأكراد؟ هل ستتحسن الأوضاع الاقتصادية في المناطق الكردية الجنوبية الشرقية بعد إنهاء العنف وتسليم سلاح "العمال الكردستاني"، أم أن أردوغان سيمضي قدماً في سياسة تهميش الأكراد والضغط عليهم؟
لكن موافقة الأكراد لنزع السلاح ستقطع الطريق على أي فئة كردية تسعى لتشكيل حكم ذاتي أو دولة مستقلة سواءً في سوريا أو تركيا، عندها يكون أردوغان قد تغلّب على أصعب التحديات والعقبات التي واجهها منذ إستلامه للحكم في تركيا عام 2002.
في المقابل، لا يخلو رفض حزب العمال الكردستاني خلع سلاحه من أمرين، إما إنهاء القتال القائم حالياً والعودة إلى مفاوضات السلام، مما يرتب على أردوغان وحزبه نتائج عدّة أبرزها:
أولاً: تراجع حزب التنمية والعدالة في تركيا لصالح الأحزاب الأخرى عموماً، وحزب الشعوب الديمقراطي على وجه الخصوص، بإعتبار أن أردوغان قد زج بالجيش التركي في حرب خاسرة، في حين أكد حزب الشعوب الديمقراطي ضرورة العودة إلى محادثات السلام منذ اليوم الأول. ولا نستغرب حينها أن حصول أي إنتخابات مبكرة يعني تراجع حزب العدالة والتنمية بشكل كبير، مقابل تقدّم ملحوظ لحزب الشعوب الديمقراطي.
ثانياً: أردوغان سيرى نفسه مضطراً لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي بشكل أوسع بغية الحصول على مكاسب سياسية في الداخل التركي، بإعتبار أن حكومته فشلت في الحصول على هذه المكاسب عبر الورقة الكردية، حينها ستشهد تركيا إنفجارات دموية تفوق بأضعاف مضاعفة ما حصل في الأيام القليلة الماضية.
وأما في حال إستمرار الحرب بين الجانبين في ظل العداء الأردوغاني لأكراد تركيا، فقد ينجح الجيش التركي في القضاء على الجزء الأكبر من عناصر حزب العمال الکردستاني، إلا أن تداعيات هذا الأمر ستكون كارثية على الجيش والداخل التركي في آن واحد. فالجيش سيجد نفسه في حرب ضروس على جبهات مختلفة ما يعني تكبّده خسائر فادحة لا يطيقها، في حين سنرى إنضماماً غير مسبوق من المواطنين الأكراد في تركيا إلى حزب العمال الکردستاني، كون الإضطهاد لا يولّد إلاّ التطرف حسبما يرى أحد المقاتلين الأكراد، الذي يضيف: عندما أرى سيارة الشرطة، أتذكّر عندما ضرب العساكر رأس أبي على هيكل سيارتهم أمام بيتنا قبل أن يصطحبوه معهم. إنّ الدولة عدوّنا، من قبل كنّا ضعفاء والآن بات بإمكاننا أن ننتقم.