الوقت- مرّة جديدة يلوح اسم الإمارات في قضايا التجسس، فبعد أيام وجيزة على إعلان تركيا اكتشافها خليّة تجسس جديدة تابعة للإمارات، وقبلها بأيام خلية تجسس أخرى اكتشفتها سلطنة عمان، طالعتنا وسائل الإعلام بقضيّة تجسس أخرى على البحرين، التي تعتبر نفسها حليفة للإمارات.
قد أشرنا في مقال سابق على هذه الزاوية أن سياسة التجسس المعتمدة في الإمارات في عهد الأمير محمد بن زايد حوّلت مدينة أبوظبي إلى وكر تجسس عالمي، وقد توقّعنا أنه وكما تعمد للتجسس على الجيران في سلطنة عمان وقطر واليمن وغزة، من غير المستبعد أن تعمد إلى الأمر ذاته مع الحلفاء.
أثارت العملية سخرية الكثيرين من بينهم الناشط والمغرد العُماني المعروف سيف النوفلي الذي قال أنه حتى البحرين لم تسلم من تجسس الإمارات رغم انصياعها لأبوظبي ومشاركتها في حصار قطر.
توتّر غير مسبوق
القضية الجديدة تسبّبت بحالة من التوتر غير المسبوق بين ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد بعد اكتشاف السلطات البحرينية خلية تجسس إماراتية في البلاد. لكن السعودية حاولت احتواء عملية التجسس هذه حيث تحدّثت مصادر إعلامية عن اتصال هاتفي أجراه الملك سلمان بن عبد العزيز مع الملك حمد بن عيسى، أشار فيه إلى أن المرحلة الراهنة لا تحتمل أي توتر في العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي، مطالباً الملك البحريني بمناقشة فضيحة التجسس الإماراتي مع أبوظبي بعيداً عن الإعلام ودون تصعيد.
يبدو أن زيارة ابن زايد الأخيرة للبحرين ولقائه الملك حمد كانت بخصوص هذا الشأن لاحتواء الموقف، وقد وعد الأمير بن زايد بتقديم هبة ٢ مليار لبرنامج التوازن المالي لحكومة البحرين لتحقيق استقرار المالية العامة، وفق الحساب الشهير.
ابن زايد وفي حين اعترف بالتجسس على البحرين وأفراد من العائلة المالكة وشخصيات رسمية وجهات أمنية، طمأن الملك بأن التجسس لم يطل الديوان الملكي ولم يشمل أبناء الملك، السؤال الذي يطرح نفسه: من هي الجهة المستهدفة إذاً؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستدعي الإشارة إلى جملة من النقاط، أبرزها:
أوّلاً: لا تنفصل الخطوة التجسسية الأخيرة عن المشروع الإماراتي السري الذي أُطلق عليه اسم "رافين"، أو "الغراب الأسود"، والذي طال العديد من الشخصيات السياسيّة من بينها أمير قطر، ومسؤول الشؤون الخارجية في سلطنة عمان يوسف بن علوي بن عبد الله، ومسؤول تركي رفيع، والناشطة اليمنية توكل كرمان.
هذه العملية تؤكّد أن التجسس بات أحد أبرز أركان السياسات الخارجيّة للإمارات، وهو الأمر الذي تسعى من خلاله للعب دول إقليمي ودولي يفوق حجمها الجيوسياسي.
ثانياً: إن عملية التجسس هذه تعيدنا إلى الاتصال الهاتفي الذي أجراه رئيس وزراء مملكة البحرين، الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، مع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في بداية الشهر الكريم، وهو الاتصال الذي شكّل سابقة منذ انطلاق الأزمة الخليجية عام 2017.
يبدو أن إجراءات الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة والتي بدت غير مألوفة لكثيرين جاءت كردّ على عملية التجسس الإماراتيّة، لاسيّما أن ابن زايد ادّعى أن هذه العملية لم تستهدف الديوان الملكي أو أبناء الملك.
هنا لا بدّ من التذكير بتوجّهات رئيس الوزراء البحريني في الحوار والتقارب مع جماعة الإخوان المسلمين، واستقبال أبرز قيادتهم إعراباً عن الوقوف إلى جانبهم في أوقات الشدّة، فضلاً عن عدائه مع الإمارات، لذلك يعزّز هذا التصرّف من الرجل القوي في السعودية، كما تصفه العديد من مراكز الأبحاث، الحديث القائل بمعارضته لحصار قطر كونه يرتبط بأجندات خارجيّة، سعوديّة إماراتيّة، ولاسيّما أنّه تعرّض لمحاولة انقلاب فاشلة من الجناح المدعوم إماراتياً وسعوديّاً.
ثالثاً: نقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني، في يونيو من العام الماضي، عن مصادر، أن ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يقفان مع ملك البحرين، ويرغبان في تهميش رئيس وزرائه.
إذن هناك صراع قديم - جديد بين البحرين ممثلة برئيس الوزراء القوي، والإمارات ممثلة بولي العهد القوي أيضاً، ويبدو أن الاتصال الهاتفي مع أمير قطر جاء ردّاً على الخلية الإماراتية التي تستهدف الأمير خليفة.
بالفعل، قد نجح الأمير البحريني في إزعاج الجانب الإماراتي كثيراً كونه تزامن مع بدء أولى جلسات محكمة العدل الدولية في لاهاي، للنظر في شكوى أبو ظبي، التي تطالب فيها الدوحة بسحب شكواها أمام لجنة مكافحة جميع أنواع التمييز العنصري في جنيف من جهة.
رابعاً: تتشابه هذه العملية بشكل كبير مع ما حصل من تجسس إماراتي على سلطنة عمان، فبعد أن أعلنت السلطنة عام 2011 عن "تفكيك شبكة تجسس إماراتية تستهدف نظام الحكم في عمان وآلية العمل الحكومي والعسكري"، أصدرت محكمة الجنايات العمانية، قبل مدّة حكمها في قضية خلية التجسس الإمارتية التي أُعلن ضبطها في مارس الماضي بإدانة 5 أشخاص من دولة الإمارات بـ"التخابر في زمن السلم".
اليوم، وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة على رئيس الوزراء البحريني من قبل الإمارات، تعمد الأخيرة إلى مواصلة التجسس عليه.
كما توقّعنا سابقاً أن تعمد الإمارات إلى التجسس على الحلفاء، ولم نكن نسيء الظن بهذا البلد، نجزم اليوم بوجود شبكات تجسس إماراتيّة داخل السعودية، فهذان البلدان على موعد مع طلاق بسبب الطموح المتعارض لكلا الطرفين.