الوقت- لم تشهد العلاقات السعودية - الأمريكية اضطراباً منذ سنوات طويلة كما هي عليه الآن، حيث أصبحت العلاقة بين البلدين معقدة للغاية بعد سلسلة الأحداث السياسية والعسكرية الأخيرة التي كان لكل من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الأمريكي دونالد ترامب دور كبير في تحريكها على خلفية القرارات المثيرة للجدل التي اتخذها كلاهما، وهذا الأمر سبب إحراجاً كبيراً لترامب في الداخل الأمريكي وللأمير الشاب كذلك الأمر، على اعتبار أن الاثنين خرجا عن الإطار العام لسياسة بلديهما.
الداخل الأمريكي ينقسم على نفسه
بينما يقدم البيت الأبيض دعمه الكامل للسعودية ومشاريعها وقراراتها نجد الكونغرس الأمريكي يقف في الجانب الآخر من هذه المعادلة ويعمل على حصر السعودية في خانة اليك، لأنه يجد أن القرارات السعودية ومنها المفاعلات النووية والحرب على اليمن وغيرها من الملفات ستسبب إحراجاً كبيراً لأمريكا وتكون سبباً رئيساً في سباق التسلح في المنطقة.
على الجهة الأخرى نجد الرياض توجه رسائل مبطنة للكونغرس والإدارة الأمريكية بأنها في حال تعرضت لأي ضغط خارج عن المألوف ستبادل بالمثل، وجاء تهديدها الأخير عبر المعاملات النفطية، إذ هددت السعودية ببيع النفط بعملات أخرى غير الدولار إذا أقرت واشنطن قانوناً يجعل الدول الأعضاء بمنظمة أوبك عرضة لدعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار.
وأضافت ثلاثة مصادر مطلعة على سياسة السعودية في مجال الطاقة لرويترز أن "خيار التخلي عن الدولار جرى مناقشته داخلياً بواسطة عدد من كبار المسؤولين السعوديين في مجال الطاقة في الأشهر الأخيرة".
وقال اثنان من المصادر: "إن الخطة نوقشت مع أعضاء في أوبك"، وقال مصدر مطلع على سياسة النفط السعودية: "إن الرياض نقلت التهديد أيضاً إلى مسؤولين أمريكيين كبار في مجال الطاقة".
واحتمالات دخول مشروع القانون الأمريكي المعروف باسم "نوبك" حيز التنفيذ ضئيلة كما أنه ليس من المرجح أن تمضي السعودية قدماً في تهديدها لكن مجرد بحث الرياض مثل هذه الخطوة يعد دليلاً على انزعاجها من التهديدات القانونية الأمريكية المحتملة لأوبك.
في الوقت الذي تهدد فيه الرياض واشنطن بسحب الدولار من معاملاتها النفطية، نجد الأخيرة تساعد الرياض سراً لإطلاق برنامجها النووي وبناء أول مفاعل نووي لها والذي سيتم افتتاحه قريباً بحسب ما نشرته الوكالات العالمية وصور الأقمار الاصطناعية.
لكن يمكننا القول إن هذا التهديد السعودي سيدفع أعضاء الكونغرس الأمريكي لمراقبة أدق التفاصيل في العلاقة بين البيت الأبيض والسعوديين، ويجعل العلاقة مع الرياض عرضة للتهديد في أي وقت، خاصة بعد القانون الذي أصدرته واشنطن حول الحرب في اليمن والذي من شأنه أن يبعد الرياض عن واشنطن.
الكونغرس ضد الرياض
قرار مجلس النواب يوم الخميس الماضي بإنهاء دعم البيت الأبيض للسعودية في الحرب اليمنية هو أحدث وأهم عمل ضد الدعم الأمريكي للسعودية.
بعد القتل الوحشي الذي مورس على الناقد والصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده في اسطنبول، تضعضع جدار الحماية الأمريكية للسعودية وأحدث هذا الحدث البارز شرخاً داخل أمريكا، فبينما دافع البيت الأبيض عن السعودية رأينا الكونغرس يأخذ اتجاهاً مخالفاً.
وفقاً "لقناة الجزيرة" ، فقد أقر مجلس الشيوخ هذا القانون سابقاً وتمت الموافقة عليه الآن بـ 247 صوتاً مقابل 175 صوتاً مخالفاً في مجلس النواب، وسيعمق هذا القانون الشرخ بين البيت الأبيض والكونغرس وسنشهد حرباً كلامية في المرحلة المقبلة منقطعة النظير.
هناك خلاف واضح بين حكومة أمريكا والكونغرس، حتى من دون استخدام حق النقض ضد مشروع القانون في مجلس النواب فيما يخص العلاقة مع السعودية، وتقرير مجلس النواب في شهر فبراير عن مساعدة أمريكا النووية للسعودية لبناء مفاعلات نووية يعد علامة بارزة على هذا الأمر.
في ذلك التقرير ، نقل مجلس النواب بعض المصادر حول الكشف عن أن الحكومة الأمريكية لم تسمح فقط بنقل المعلومات النووية الحساسة إلى السعودية ، لكنها أصرت أيضاً على إبرام صفقة نووية مع البلاد في أقرب وقت ممكن.
وضمن هذا السياق، فقد أثار نشر صور الأقمار الصناعية للمفاعل النووي السعودي مخاوف بشأن أنشطته النووية.
خطر المفاعلات النووية
إن صور الأقمار الاصطناعية من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا قرب الرياض توضح أن المفاعل يمكن أن يبدأ العمل فيه خلال أقل من سنة حسب ما نقل عن روبرت كيللي مدير التفتيش السابق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ونشرت صحيفة "التايمز" أمس تقريراً لمراسلها لشؤون الشرق الأوسط ريتشارد سبنسر بعنوان "المفاعل النووي السعودي يثير المخاوف من سباق تسلح جديد"، قالت فيه: إن السعودية أوشكت على الانتهاء من مفاعلها النووي الأول رغم أنها لم تنته بعد من الاتفاقات المطلوبة مع الأمم المتحدة وهو الأمر الذي يهدد بسباق تسلح جديد في منطقة الشرق الأوسط.
وتحتاج الرياض للتوقيع على اتفاقية بشأن الاستخدام السلمي للتكنولوجيا النووية مع واشنطن كي تضمن نقل المعدات والخبرة النووية الأمريكية إليها، بموجب قانون الطاقة الذرية الأمريكي.
وقال وزير الطاقة الأمريكي "ريك بيري" الأسبوع الماضي: "إن المفاوضات التي بدأت في 2012 ما زالت مستمرة" .
وأوضح مصدر أن واشنطن تسعى أيضاً لإقناع الرياض بالتوقيع على البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن تقديم ضمانات إضافية للتحقق من استخدام التكنولوجيا النووية في أغراض سلمية.
ويبدي مشرعون أمريكيون حذرهم من اندفاع الإدارة الأمريكية للموافقة على مشاريع للطاقة النووية المدنية للسعودية، رغم أن الأخيرة لم تسع لعقد اتفاق حول المادة 123 من قانون الطاقة النووية الأمريكي، والذي بموجبه تتعهد الدول بالاستخدام السلمي لهذه التقنية.
هناك قلق في أمريكا حول الأنشطة النووية التي يتم التحضير لإطلاقها في الفترة المقبلة، وهناك قلة ثقة من الجانب الأمريكي تجاه أنشطة السعودية ولاسيما أن الكثير من التقارير تقول إنها أبعد ما تكون عن الاستخدامات السلمية.