الوقت- تحول تنظيم داعش الارهابي الى لاعب اقليمي في غفلة من الزمن بعد سيطرته على ثلث العراق ونصف سوريا رغم ان الجماعات المثيلة له مثل تنظيم القاعدة الذي اراد ايضا ترك تأثير سياسي وامني واجتماعي في المنطقة لم تتوسع وتنتشر كما توسع وانتشر داعش الحالم بقيام دولة الخلافة والمتعطش لاستهداف الشيعة والذي يمارس التطرف والعنف بشكل كبير.
ان تشكيل دولة داعش في سوريا والعراق تم رفضه من قبل قائد جبهة النصرة ابو محمد الجولاني وزعيم القاعدة ايمن الظواهري لكن امتداد داعش وسيطرته في عام 2014 على مدن هامة مثل الموصل وتكريت قد حول هذا التنظيم الى اقوى تنظيم تكفيري في المنطقة والعالم، وقد توسع داعش نحو بغداد ايضا وكان يريد احتلالها لكن التعبئة العامة في العراق والتي تجلت في اطار قوات الحشد الشعبي المتشكلة حسب فتوى المرجعية الدينية وكذلك الدعم الذي قدمه حلفاء العراق مثل ايران لبغداد قد منع تحقيق اهداف داعش وقد استطاع الشعب العراقي والحكومة العراقية خلال النصف الثاني من عام 2014 والاشهر الاربعة الاولى من عام 2015 ان يدحروا داعش من مناطق هامة مثل جرف الصخر ومحافظة ديالى وتكريت لكن داعش قد سيطر في المقابل على مدينة الرمادي عاصمة محافظة الانبار كما توسع في سوريا وسيطر على تدمر وجعل نصف سوريا تحت سيطرته.
وبما ان هذا التنظيم يشكل خطرا على كل دول المنطقة فإن معرفته والإلمام بتحركاته يعتبر هاما، ان داعش يعتبر من أعقد الظواهر التي تشكلت في المنطقة وان لهذه الظاهرة ابعاداً وزوايا عديدة سياسيا وامنيا وفكريا واعتقاديا واجتماعيا واستراتيجيا كما ان انتشار هذا التنظيم لم يقتصر على العراق وسوريا فقط بل يتوسع في باقي مناطق العالم ولديه نشاط يمتد من افغانستان الى مصر وافريقيا ولذلك فإن ظهور داعش واستمراره ومستقبله يترك تاثيرا على كل اللاعبين الرسميين وغير الرسميين في المنطقة والعالم وان هذا التأثير هو أهم وأشد تعقيدا في العراق وسوريا لأن داعش قد وجد في العراق وسوريا حاضنة اجتماعية وسياسية تدعمه.
ويستفيد داعش من الهجوم الاستراتيجي الذي تعرض له كل من العراق وسوريا قبل وجود داعش كما يستفيد ايضا وبشكل كاف من الخلافات والتنافس الموجود بين اللاعبين الاقليميين والدوليين حول سوريا والعراق كما ان العراق وسوريا يعتبران الارض التي تستقطب العناصر من كل انحاء العالم لداعش.
ان الابعاد والزوايا المختلفة لداعش والتعقيد الذي يلف هذا التنظيم ونشاطاته يجعل مستقبل هذا التنظيم معقدا وغامضا الى ابعد الحدود في العراق وسوريا ولذلك فإن معرفة مستقبل داعش والتكهن به ورسم السيناريوهات الخاصة لهذا الموضوع يحتاج الى معرفة ادق بالعوامل المؤثرة في هذا المجال، وان اهم هذه العوامل يتلخص في: طبيعة علاقة داعش بالبيئة الاجتماعية الحاضنة له في العراق وسوريا والتغيير المحتمل في قيادة داعش وهيكليته التنظيمية وقدرة داعش على تأمين المصادر المالية والادارة الاقتصادية وقدرته ايضا على جذب العناصر المسلحة وتدريب العناصر وخاصة الانتحاريين بالاضافة الى مدى شعبية الحكومتين العراقية والسورية وقوتهما وكذلك سياسة اللاعبين الاقليميين الداعمين لداعش والمناهضين له وكيفية تعامل داعش مع باقي المتطرفين التكفيريين مثل القاعدة ومكانة هؤلاء وتغيير سياسات ومصالح اللاعبين الدوليين فيما يتعلق بداعش.
وبصرف النظر عن تأثير هذه المتغيرات المختلفة على مستقبل داعش والتي تم الاشارة اليها فإن دراسة اوضاع هذا التنظيم في السنوات القادمة والنظرة والرؤية التي يجب اتباعها في هذه الدراسة تحظى ايضا بأهمية فائقة، ان النظر الى داعش كحكومة وفكر وعقيدة أو كجماعة متمردة ومنظمة عالمية تكفيرية يمكن ان تكون لها نتائج مختلفة ورغم ذلك يجب على الباحثين الذين يريدون دراسة ظاهرة داعش ان يأخذوا بعين الاعتبار التغييرات التي يشهدها تنظيم داعش في قيادته وايديولوجيته واهدافه الكبرى والصغرى واستراتيجيته واساليب عملياته ومنطقة عملياته ومصادره الانسانية والاقتصادية وباقي المتغيرات والتي تترك تأثيرا على المستقبل الغامض لداعش في العراق وسوريا.