الوقت- لم تشهد السعودية عبر تاريخها تطرّفاً في العلاقة مع محيطها العربي كما هي عليه الآن، ويمكننا أن نلاحظ بوضوح الحالة الغريبة التي وصلت إليها السعودية في عهد الملك سلمان ونجله الأمير محمد، حيث يقود الأخير البلاد متظللا بعباءة والده ويتخذ قرارات عشوائية جميعها تحمل توقيع الملك سلمان في محاولة من ولي العهد لتفصيل البلاد على مقاسه قبل أن تطأ قدماه كرسي العرش، ولكن هل كرسي العرش تطلّب من ابن سلمان أن يعادي محيطه العربي وينسف التاريخ والجغرافيا كرمة لعينيي السلطة والغرب، وما يفعله ولي العهد هل هو عن إدراك ووعي أم عن قلة خبرة أم قرارات تُرسل له بلغات غير العربية؟.
ابن سلمان والجيران العرب
لو أن ابن سلمان تعاطى مع سوريا ولبنان فقط على أنهما دولتان تخالفان رؤية ولي العهد السياسية للمنطقة وتقفان في وجه مشاريعه ومخططاته لإعادة هيكلة المنطقة سياساً، لكنّا استطعنا إدراك ما يجري من مبدأ الضغط على أنظمة هاتين الدولتين للخروج من محور المقاومة والالتحاق بركب الدول الخليجية وحلفائها الغربيين، ولكن الأمر لم يتوقف عند سوريا ولبنان بل تعدّاه إلى قطر واليمن وسلطنة عمان والعراق وفلسطين ومصر والمغرب مؤخراً، وجميع الدول المذكورة آنفاً كانت حليفة للسعودية ولم نجد أي مبرر لمعاداتها حتى وإن كانت هناك بعض الحساسيات، ومن المفارقة أن ابن سلمان يبتسم ويضحك ملء فمه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وهو يطالبه بدفع مليارات الدولارات لشراء صفقات الأسلحة ولا ينبس مسؤولو السعودية ببنت شفة عندما يقول لهم ترامب " ما كان للرياض أن تكون لولا حماية واشنطن"، ثم عاد ترامب ليقول في مكان آخر: "قلت صراحة إلى الملك سلمان أنه لن يظل في الحكم لأسبوعين من دون دعم الجيش الأمريكي".
كيف تعاطى ابن سلمان مع المحيط العربي؟
تولّى الأمير محمد بن سلمان منصب ولي العهد في 21 يونيو 2017 أي منذ سنة و7 أشهر و19 يوماً، ربما مدة بقائه في هذا المنصب تعتبر قصيرة بالنسبة للكم الهائل من القرارات التي اتخذها في داخل البلاد وخارجها، ولن نتطرق في هذا المقال إلى تأثيره في المجتمع السعودي على أن نتطرق إليه في مقال آخر، لكننا سنمرّ على تعاطيه مع المحيط العربي والذي كان من المفترض أن يساهم في دعم وحدة صفه بحكم الموقع الجيوسياسي للسعودية والذي يتضرّر كثيراً في حال عزل نفسه عن المحيط الذي يجاوره، ولكن مع ذلك حقق ابن سلمان نتائج في هذا الملف:
أولاً: دعم ولي العهد السعودي الجماعات المسلحة في سوريا بهدف إسقاط النظام القائم في سوريا وتفكيكه بعد أن شكّل حجرة عثرة في وجه كل من أراد تمييع فكرة معاداة "إسرائيل" ورفض الوصاية الغربية، وكانت النتيجة بأن الجماعات المسلحة التي دعمها ابن سلمان انهارت جميعها أمام ضربات الجيش السوري ولم يخرج أي اجتماع قادته الرياض للفصائل المعارضة بأي نتيجة، وكان هناك شرخ واضح بين القيادة السياسية للمعارضة والفصائل على الأرض، وهذا ما عجزت الرياض عن تركيبه بحيث يكون فعّالاً في وجه القوات الحكومية.
ثانياً: التدخل في الشؤون الداخلية للبنان ومحاولة فرض إملاءات على الشعب اللبناني الذي فاجأ ابن سلمان بمدى إجماعه على التدخل بشؤون البلاد، وبرز تدخل ابن سلمان في شؤون لبنان من خلال إرغام رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري على الاستقالة في تشرين الثاني/نوفمبر 2017 خلال وجوده في الرياض، ولكن تم إلغاء هذه الاستقالة بعد شهر عندما عاد الحريري إلى بيروت، والنتيجة كانت تشويه صورة السعودية وخلق حساسية لا داعي لها مع الشعب اللبناني.
ثالثاً: حصار قطر، أقل ما يمكن قوله عن هذا القرار أنه يعكس مدى ضعف رؤية ابن سلمان في عالم السياسة وتقييمه للأمور بشكل خاطئ، لأن حصار قطر الذي قاده الأمير الشاب في حزيران/يونيو 2017، والذي أدّى إلى قطع الروابط البرية والجوية معها، لم يأتِ أوكله بل على العكس زاد من مكانة قطر في العالم وعزّز من قدرتها على التواصل مع الجميع نظراً للتعاطف من الجميع لأنه لم يكن هناك أي مبرر مقنع لحصار هذه الدولة الجارة.
رابعاً: الاستمرار في تدمير البنى التحتية لليمن وقصف المدنيين بالطائرات وتضييق الخناق على الشعب اليمني قدر المستطاع وكأنه هو من يغتصب حقوق الأمة وليست "إسرائيل"، وحتى اللحظة لم يستطع أحد أن يجد مبرراً لهذه الحرب الهوجاء على اليمن، حتى الغرب الذي رفض إيقاف الحرب في مرحلة من المراحل حتى إتمام صفقات الأسلحة مع الرياض يطالب الأخيرة بإيقافها الآن، حتى أن التحالف الذي عوّل عليه ابن سلمان أن يكون عربياً إقليماً، بل دولياً بات اليوم سعودياً إماراتياً.
خامساً: توتر العلاقات مع المغرب والتي لا تبدو أنها أزمة عابرة كما يحاول البعض أن يصفها، لأن العلاقة في الأساس كانت مثل الجمر تحت الرماد، وجاءت قناة "العربية" وأشعلتها عندما أذاعت قناة العربية التي تمولها السعودية تقريراً يتحدث عن غزو المغرب للصحراء الغربية التي يعتبرها المغرب ضمن مناطقه الجنوبية، ربما كان هذا فتيل توتر العلاقات لكن هناك تراكمات بدأت منذ أن اتخذت المغرب موقفاً حيادياً في الأزمة الخليجية الأمر الذي أثار حفيظة ابن سلمان، وأرسلت بعدها المغرب طائرة مساعدات لقطر لترد السعودية عبر تركي آل الشيخ وزير الرياضة في حينها بإعلان دعم السعوديّة للملف الأمريكيّ ضِد نظيره المغربيّ المُنافس المُتعلّق بتنظيم نهائيّات كأس العالم عام 2026، وبعد ذلك عدم قضاء العاهل السعوديّ الملك سلمان إجازته السنويّة في طنجة حيث جرت العادة كُل صيف.