الوقت- إنّ عدم احترام وتجاهل القيم الإيديولوجية والدينية لإنسانٍة مسلمة، حتى في الوقت الذي أذعن فيه القضاة الأمريكيون وأقرّوا بأنها لم ترتكب أي جريمة، هو دليل على انحطاط القيم الإنسانية وحقوق الإنسان في أمريكا، كما أنّ إحكام وربط السلاسل في أقدام إنسانة بريئة، ونزع الحجاب من على رأسها عمل لا إنساني ومخالف للموازين والقيم الأخلاقية ويتنافى مع سلوك وآداب التعامل مع صحفية وثائقية مستقلة وحرّة، كما أنها لا تملك أي سجل جنائي يدينها، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدل على ألعوبة مفهوم وواقعية حقوق الإنسان في أمريكا.
إنّ الإعلان عن اعتقال الصحفية والوثائقية في وكالة "برس تي في " مرضيه هاشمي، في 17 يناير 2019 ، من دون تقديم أي دليل واضح من قبل مسؤولي الشرطة والسلطة القضائية الأمريكية، والذي كان موضوع رأي عام ترافق مع ردود فعل إعلامية ضخمة خلال الأيام القليلة الماضية، فقد سافرت السيدة مرضية هاشمي الأسبوع المنصرم إلى مسقط رأسها لزيارة أبنائها وأقاربها وزيارة أخيها المريض بالسرطان، يوم الأحد 13 يناير 2019 ، فتزامن هذا مع اعتقالها في مطار "سانت لويس لامبرت" من قبل القوات الأمريكية، وتشير الأخبار إلى وضعها الحرج وغير المناسب في المعتقل.
السيدة مرضية هاشمي أمريكية الأصل وقد سافرت إلى إيران بعد زواجها من رجل إيراني بعد تأثرها بأفكار وعقيدة مؤسس الثورة الإسلامية الإمام الخميني (رحمه الله)، وعاشت لمدة خمس وعشرين سنة في إيران، فإنّ إلقاء القبض على الإعلامية والوثائقية البالغة من العمر 59 عاماً، والتي تحمل اليوم جنسية جمهورية إيران الإسلامية، علامة واضحة وصارخة على التمييز والكيل بمكيالين في تعريف نظام حقوق الإنسان من قبل الجهاز القضائي ومؤسسات الأمن الأمريكي.
وفي الوقت الحالي، هناك افتراضات جدية حول الخفايا السياسية وراء اعتقالها، فكثير من المراقبين يعتقدون أيضاً أنّ المؤسسات الأمنية الأمريكية تقصدت وعن سابق إصرار وترصد استخدام قضية السيدة هاشمي كوسيلة لممارسة الضغط على طهران، ومع ذلك، وبعد يومين من اعتقال الصحفية، كان أول رد رسمي من السلطات القانونية الأمريكية على توقيفها واحتجازها، ففي 19 يناير 2019 ، كتب موقع " إن بي أر " الأمريكي أنّ القاضي الرئيسي في المحكمة الجزئية الأمريكية في واشنطن "بريل هاول"، قال إنّ السيدة هاشمي قدمت شهادة أمام هيئة المحلفين في قاعة المحكمة المغلقة، وأكّد القاضي أيضاً أنّ مذيعة " برس تي في " لم تتهم بأي جريمة مطلقاً، ولكنها حضرت في المحكمة الجزئية في واشنطن مرتين، ومن المتوقع إطلاق سراحها بعد الانتهاء من مراحل إدلاء شهادتها، وبما أنّ السيدة مرضية هاشمي ليست مجرمة ولم تثبت عليها أي قضية جنائية فلا يمكن إنهاء هذه القضية بهذه الطريقة وإنما يجب دراسة أبعاد القضية لفهم عمق المشكلة وكنهها.
نهج تمييزي لحقوق الإنسان في أمريكا
على عكس المزاعم والشعارات الكاذبة التي يطلقها الأمريكيون على أنهم حاملي لواء الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم، فإنّ سجل وتاريخ تصرفات الحكومة الأمريكية في جميع أنحاء العالم، مثل اعتقال السيدة مرضية هاشمي، يشير إلى أنّ الأمريكيين يكيلون بمكيالين بكل ما يرتبط ويتعلق بحقوق الإنسان، والحقيقة هي أن مرضية هاشمي أمريكية الأصل وقد ولدت في ولاية أوهايو، واسمها الحقيقي في الهوية " ميلاني فرانكلين "، السيدة هاشمي ليست مقاتلةً مسلحة وليست عدواً خارجياً أيضاً، وإنما هي مواطنة أمريكية تعيش في إيران، وزوجها المتوفي يحمل الجنسية الإيرانية، وعاش لسنوات عديدة في إيران، لكنه يعتبر أيضاً من مواطني أمريكا.
وبالتدقيق فإنّ أهم جانب من انتهاكات حقوق الإنسان المتعلقة بملف اعتقال السيدة هاشمي يكمن في أول اتصال لها مع عائلتها، ففي الحقيقة، بعد ساعات قليلة من اختفائها الكامل وغير المعلن، قالت هاشمي في اتصال هاتفي مع ابنتها "أنّ مسؤولي السجن يقيدون أقدامها بالسلاسل ويعاملوها كما لو أنها مجرمة خطيرة"، وبالإضافة إلى ذلك، ذكرت في قسم آخر من كلامها أنهم جردوها من حجابها منذ بداية اعتقالهم لها كعمل غير إنساني وغير أخلاقي واضح، ويمكن اعتبار هذا الإجراء من قبل السلطات الأمنية والقضائية الأمريكية انتهاكاً صارخاً لما يدعونه ويتغنون فيه من ديمقراطية أمريكية، كما أنّ عدم احترام وتجاهل القيم الإيديولوجية والدينية لإنسانٍ مسلم، حتى في الوقت الذي أذعن فيه القضاة الأمريكيون وأقرّوا بأنها لم ترتكب أي جريمة، هو دليل على انحطاط القيم الإنسانية وحقوق الإنسان في أمريكا.
ردّ وزارة الخارجية الإيرانية على اعتقال هاشمي
رافق اعتقال مرضيه هاشمي أيضاً ردة فعل جديدة من قبل وزارة الخارجية الإيرانية، ففي هذا الصدد، قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في رد رسمي حول اعتقال المذيعة ومراسلة وكالة " برس تي في " من قبل أمريكا: تعتبر السيدة مرضية هاشمي مواطنة إيرانية كون أنّها متزوجة من مواطن يحمل الجنسية الإيرانية، لذا فنحن نعرف واجبنا في الدفاع عن حقوق مواطنينا، وأضاف ظريف: إن اعتقال أمريكا لهذه السيدة يعدّ عملاً سياسياً غير مقبول وانتهاكاً لكل معايير حرية التعبير، ومن هنا يجب على الأمريكيين أن ينهوا هذه اللعبة السياسية فوراً وقبل فوات الأوان، والحقيقة هي أنه فيما يتعلق بملف السيدة هاشمي، ينبغي تعزيز جهود وزارة الخارجية الإيرانية أكثر مما سبق، وفي المقام الأول؛ من الضروري أن تدفع وزارة الخارجية الإيرانية كامل أتعاب محامي هذه الإعلامية الإيرانية.