الوقت- تحاول السعودية إيصال فكرة مفادها بأنها "الدرع الحصين لجميع الإخوة العرب" وبأنها تدافع عنهم وعن المسلمين جميعاً في أي بقعة جغرافية من هذه الأرض فكيف إذا كان الموضوع متعلقاً بـ"فلسطين" التي تبنت السعودية قضيتها في جميع القمم الإسلامية والعربية منذ أكثر من 60 عاماً وحتى اللحظة تدّعي ذلك، ولكن ما سرّ انحراف مسارها نحو عدو الفلسطينيين والأمة الإسلامية "اسرائيل" هل أضاعت السعودية بوصلتها أم إن هذا الانحراف متعمد وكان مخفياً في السابق واليوم ظهر للعلن مع وصول ابن سلمان وترامب إلى السلطة؟.
العلاقة مع "إسرائيل"
كنا في السابق نسمع بعض "التلطيشات" حول وجود علاقات خفية بين السعودية و"إسرائيل" تتم إما عبر قنوات سرية أو بشكل مباشر عبر اجتماعات غير معلنة، لكن مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بدأ الحديث عن هذه العلاقة والتي كنا نعتبرها ضرباً من الخيال "حقيقة" وحقيقة مرّة أيضاً، وما أكد هذه العلاقة صفقة القرن وصمت السعودية عن الانتهاكات التي تقوم بها "إسرائيل" بحق الفلسطينيين وعدم اندفاعها للدفاع عن القدس حين أعلنتها واشنطن عاصمة "أبدية" لإسرائيل ونقلت سفارتها إليها.
المشهد بدى وكأن كل شيء كان مدبراً ومتفقاً عليه وما أكد ذلك الغزل الذي ظهر في تصريحات ابن سلمان تجاه الإسرائيليين والعكس صحيح، حيث بدأت الطرفان بكيل المديح للطرف الآخر وجاء الأمريكي ليمتّن هذه العلاقة ويباركها عبر تكبير الوهم لدى الطرفين والعالم أجمع بأن هناك عدواً مشتركاً لنا جميعاً اسمه "إيران" وعلينا أن نضافر جهودنا لمواجهته.
فشل ترامب حتى اللحظة بعزل "إيران" عن العالم وتحريض الدول ضدها، بينما "إيران فوبيا" كانت جيدة فيما يخص العلاقات السعودية - الإسرائيلية لتكون ذريعة لتطبيع العلاقات، وعندما وجدت واشنطن أن خططها غير ناجعة ذهبت نحو مصطلح جديد دأبت عليه الإدارات السابقة "محاربة الإرهاب" وكان من المضحك المبكي أن السعودية وإسرائيل ستجتمعان لمحاربة الإرهاب برعاية أمريكية.
فالسعودية شنّت حرباً على اليمن وحاصرته وجوّعت أطفاله وقتلتهم وهم في باصات المدارس وما زالت مستمرة في إلقاء آلاف الأطنان من المتفجرات على الناس العزّل هناك، وهي متورطة اليوم بقتل صحفي من أبناء شعبها "جمال خاشقجي" الذي لا تزال قضيته عالقة ولم تجد طريقها للحل، حتى أن الأصدقاء بدؤوا يعترفون بأن ولي العهد محمد بن سلمان يقف خلف هذه الجريمة، فاليوم حمّلت الممثلة الأمريكية الدائمة لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، الحكومة السعودية وفي مقدمتها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان مسؤولية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وحالياً هناك معلومات تفيد بأن السعودية منحت موافقتها للطرف الإسرائيلي بقتل ياسر عرفات، هذه المعلومات نقلتها صحيفة الشرق القطرية عن بسام أبو شريف مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث كشف أبو شريف عن امتلاكه محضر اجتماع يؤكد أن قرار اغتيال الرئيس عرفات تم بموافقة النظام السعودي حليف أمريكا.
وقال أبو شريف في حديث خاص لوكالة "شهاب" الفلسطينية: "إن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش تحدّث مع النظام السعودي عقب اجتماع برئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ارئيل شارون وتم فيه مناقشة تصفية عرفات، وقد وافق النظام السعودي على الأمر".
وأضاف: "إن النظام السعودي أبدى موافقته على اغتيال عرفات لأنه أصبح يُشكل عقبة في وجه السلام وتنفيذ مبادرة السلام العربية"، مؤكداً امتلاكه وثائق عن محضر الاجتماع الذي دار بين بوش وشارون.
وتابع: "إن شارون اجتمع ببوش في البيت الأبيض وأبلغه أنه لم يعد قادراً على الالتزام بوعده السابق وهو عدم المس بياسر عرفات جسدياً لأنه (يقود الإرهاب) ويتعاون مع حماس، وأن عمليات حماس سيتم تنفيذها بموافقة ومباركة عرفات"، مشيراً إلى أن بوش صمت وهزّ رأسه بالموافقة على الأمر، وأوضح أبو شريف أن بوش اتصل في اليوم التالي بحليفته السعودية وأبلغهم بالأمر، والنظام السعودي وافق على قرار اغتيال عرفات.
"إسرائيل" ومحاربة الإرهاب
أما "اسرائيل" لا نعلم كيف ممكن أن تحارب الإرهاب وهي أكثر كيان نشر الفوضى والخراب في هذه المنطقة ولا تزال تمارس إرهابها على الشعب الفلسطيني منذ سبعين عاماً وحتى اللحظة.
والمشهد الأكثر إيلاماً أن بعض الدول العربية تسارع لتطبّع العلاقات مع هذا الكيان الغاصب، ألا يمثل مشهد معانقة بعض الزعماء العرب للقادة الإسرائيليين طعنة في الظهر للشعوب العربية قبل الفلسطينية؟، ألم تنشأ أجيال عربية كاملة على أن "إسرائيل" عدو غاصب وتم تدريس ذلك في المناهج المدرسية؟، كيف يمكن لهؤلاء تغيير التاريخ والحقائق فقط لمجرد مصالح آنية مع دولة مارقة؟.
أمريكا ومحاربة الإرهاب
والأخطر من الاثنين "أمريكا" التي تحاول أن تقنع العالم بأنها تقود العالم وتجمعه على محاربة الإرهاب، هل ترى واشنطن أن جميع أبناء المنطقة إرهابيون وتريد الخلاص منهم؟، ماذا فعلت لمحاربة الإرهاب في سوريا والعراق وفلسطين واليمن؟، ألم تنشر الفوضى والخراب في هذه الدول خلال العقود الثلاثة الماضية على الأقل؟.
ما يتم الحديث عنه اليوم لا يتجاوز كونه تمثيلية بإخراج أمريكي تقليدي لا يضيف شيئاً لهذه المنطقة سوى الدمار والخراب فكيف إذا ما زاد حلفاؤها في محاربة الإرهاب فأي مستقبل ننتظر لهذه البلاد؟.