الوقت- تعود حوادث العنف في أمريكا إلى الواجهة من جديد، حيث قتل الخميس 23 يوليو/تموز ثلاث أشخاص وأصيب 7 آخرون، في حادث إطلاق نار داخل دار للسينما في لافايت بولاية لويزيانا الأمريكية، الحادث ليس جديداً من نوعه فحوادث العنف لم تنقطع عن الشارع الأمريكي الذي اعتاد على هذا النوع من عمليات القتل التي تحدث نتيجة دوافع لم تكشف الشرطة الأمريكية عنها بشكل رسمي.
هذا وتعمد الشرطة الأمريكية إلى كافة الوسائل للحد من هذه العمليات، حتى أنها لجأت إلى "العنف" لإنهاء "العنف"، حيث كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن عدد القتلى الذين لقوا حتفهم برصاص عناصر الشرطة يقترب من 400 شخص في كل أنحاء البلاد خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، ونوهت الصحيفة إلى أن هناك زيادة أكثر من الضعف في معدل القتل على أيدي الشرطة حسب ما أحصاه مكتب التحقيقات الفيدرالي خلال العقد الماضي، هذا ويطغى الطابع العنصري أيضاً على ممارسات الشرطة في البلاد، الأمر الذي تسببت بموجة احتجاجات ضد الشرطة، حيث شهد العام الحالي مظاهرات في ولايات عديدة، رفع المتظاهرون خلالها شعارات "امنعوا الشرطة من القتل" وذلك بعد مقتل رجل أسود على أيدي رجال الشرطة.
العنف في أمريكا يجري بين المواطنين أنفسهم من جهة، وبين الشرطة والمواطنين من جهة أخرى، وكذلك فإن هذا العنف يطال الأطفال أيضاً، حيث أجرت أكادمية طب الأطفال في أورلاندو بولاية فلوريدا دراسة أظهرت أن حصيلة القتلى في صفوف الأطفال والمراهقين الأمريكيين الذين توفوا بعد إصابتهم بطلقات نارية ارتفعت خلال السنوات العشر الماضية بنحو 60%، وأظهرت الدراسة التي جرت عام 2013 أن 500 طفل يُقتلون سنوياً في حوادث إطلاق النار، في حين يتم علاج 7.5 ألف طفل سنوياً بعد إصابتهم بمثل هذه الجروح.
أما عن سبب العنف ودوافعه، فقد أكدت صحيفة "واشنطن بوست" أن الأسباب العرقية هي الدافع الرئيسي لغالبية الجرائم التي تحصل، وأشارت الصحيفة وفق دراسة أجرتها إلى أن السود يتعرضون لعمليات القتل بمعدل ثلاثة أضعاف البيض والأقليات الأخرى، وما يشير إلى حجم المعضلة ما قامت به رئيسة بلدية مدينة "بالتيمور" بعد الأحداث التي شهدتها المدينة إثر مقتل رجل أسود برصاص الشرطة، حيث أقالت رئيسة البلدية قائد شرطة المدينة إثر اتهامات بممارسة الشرطة لانتهاكات عنصرية ضد المدنيين، كما بدأت وزارة العدل الأمريكية تحقيقاً مع قسم شرطة "بالتيمور" بسبب "انتهاكات واسعة للحقوق المدنية"، أي أن العنف العرقي تفشى إلى رجال الشرطة، في ظاهرة تهدد استقرار المجتمع الأمريكي وأمنه بشكل كبير.
وصول الفكر العنصري والعرقي إلى الشرطة والمسؤولين الأمريكيين يشكل سبباً من أسباب عجز الشرطة عن إنهاء مظاهر العنف واستئصالها من المجتمع الأمريكي، وفي هذا السياق انتقدت مجلة "التايم" الأمريكية استمرار العنف في البلاد، حيث كتبت المجلة على غلاف عددها الصادر في إبريل/نيسان من العام الجاري "أمريكا ما بين 1968 و2015 ... ما تغير وما لم يتغير"، وكانت صورة الغلاف لرجل أسود يفر من قوات الشرطة، في إشارة إلى أن العنف استشرى إلى رجال الشرطة وهو مستمر منذ ظهور أمريكا إلى الوقت الراهن دون الوصول إلى حل، الأمر الذي اعترف به أوباما في مقابلة أجراها الشهر الماضي مع برنامج "البودكاست" أكد فيها أن: "العنصرية والعنف المسلح أمراض لن تشفى منها أمريكا"، معرباً عن إحباطه مما يحدث من العنف المسلح المستشري في البلاد، وكذلك اعتبر أوباما أن حادثة إطلاق النار في كنيسة عمانوئيل الميثودية الأفريقية الأسقفية "جددت التصورات حول العالم أن الأمريكيين لديهم الكثير من البنادق وحتى الآن لم يتم التغلب على التوترات العرقية".
مسلسل القتل والعنف الذي لم نرَ نهايته إلى يومنا هذا، يندرج في إطار الإحتقان العرقي الذي يسيطر على أمريكا شاملاً قطاعات ورجالاً كباراً من الدولة من المفترض أنهم موظفون للعمل على إنهاء هذا الإحتقان بدل إشعاله وتأجيجه، ولكن على ما يبدو فإن السلطات الأمريكية باتت عاجزة عن السيطرة على الأمور ووضع حد لمظاهر العنف العرقية هذه التي استشرت إلى الشرطة، في ظاهرة تنبئ بأن أمريكا تعيش سنوات بدايةِ لانهايةٍ من العنف وخاصةً ما دام "القاضي أصبح حرامي".